الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فرنسا: حركة اجتماعية غير مسبوقة

المناضل-ة

2010 / 11 / 1
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


كريستيان بوبان


إن التعبئة ضد إصلاح أنظمة التقاعد تعيد الى الواجهة الإضراب بما هو وسيلة في متناول الأجراء. و أدت المظاهرات وعمليات الإغلاق والمحاصرة الى تراجع الانقسامات بين العمال.

تشكل التظاهرات إلى حد ما مقياسا لدرجة التعبئة. فهي تجمع في كل موعد وطني هام أعداد متظاهرين تاريخية. و أكد يوم 19 تشرين الأول/أكتوبر استمرار تعبئة فريدة، ورفضا واسع النطاق لإصلاح أنظمة التقاعد. أكثر من ذلك، تعبر الشعارات والرايات والعديد من اللافتات الفردية عن مناهضة مطلقة لساركوزي والحكومة وكذلك لـ«لهذا المجتمع ».

مناضلون كُثر واعون أنه بوجه امتحان القوة الذي تفرضه السلطة، وحده إضراب عام مشترك بين جميع المهن سيتيح الانتصار، يسعون جاهدين للإقناع في أوساطهم بضرورة أن ُيشن دون انتظار الإضراب القابل للتمديد. لكن يجب ألاّ تحجب عنا تلك المصاعب الحقيقية للغاية التغير الكبير للوضع الاجتماعي الراهن.

لم تشهد فرنسا حركة إضراب بهذه الطبيعة منذ زمن بعيد جدا. فعدد الأيام الفردية التي تم التوقف فيها عن العمل – مفهوم إحصائي يعبر عن أيام الإضراب- في القطاع الخاص بقي تحت سقف مليون يوم سنويا منذ عام 1985، وأقل من 500000 يوم منذ عام 1990 (ما عدا 700000 عام 1995). جلي أننا تجاوزنا تلك الأرقام ابتداء من اليوم. ورغم أننا مازلنا بعيدين عن 3 ملايين إلى أربعة ملايين التي تحققت سنوات 1974-1975، فإن الأمر يتعلق بتغير أكبر.

علاوة على مصافي النفط، خاضت الإضراب قطاعات هامة مثل مقاولة كهرباء فرنسا EDF (محطات توليد الكهرباء وتوزيعها) ومعامل الكيمياء، وعمال سكك الحديد وسائقو الشاحنات والنقل والمستشفيات، والمرافق العمومية المحلية كما في مرسيليا ولكن ليس وحدها، والمطارات، والمصانع المتوقفة عن الحركة في الغالب على نحو متكرر (ساعة أو ساعتين يوميا... قابلة للتمديد).

وخلافا لموجات التعبئة منذ خمسة عشر سنة التي كانت ترتكز على قطاع مكافح (عمال سكك الحديد والمدرسون والشباب)، بدعم جزئي من القطاعات الأخرى، يجسد هذا الإضراب على أرض الواقع، للمرة الأولى منذ زمن بعيد جدا، نضالا مشتركا بين المهن سواء من حيث الناشطين والناشطات فيه أو من حيث مطالبه. هذه التجربة أساسية لبناء الوعي الطبقي، الذي يعني أننا–نحن الأجراء بما في الكلمة من معنى اي المتقاعدون، والمعطلون والعمال المؤقتون- نخوض فعلا معركة ضدهم- هم الرأسماليون الذين تدافع هذه الحكومة عن مصالحهم. وعلى النحو ذاته يتعبأ شباب الثانويات والطلبة، بما هم أجراء مستقبلا، ولكونهم ينتمون لتلك الأغلبية من المجتمع التي لا تملك سوى قوة عملها تبيعها لكي تعيش.

إن الإضراب بالذات، بما هو سلاح بيد الأجراء، هو الذي يستعيد مكانته وقوته. بات من المستحيل القول إن « الإضرابات الآن، حتى إن خيضت لم تعد تُرى». و الإضراب الراهن اروع تكذيب لذلك! و ايقاف مصافي النفط التام ضربة قوية حتى لكبريات المجموعات الرأسمالية، ضمن أبطال مؤشر كاك 40 الذي يمثل أحد أهم مؤشرات بورصة باريس لأكبر أربعين شركة فرنسية.


تجربة مُــؤسِسة

هذه الحركة ترياق لسُم الانقسام بين القطاعين العام والخاص. لكن الاختلاف قائم بين القطاعات الواعية بالقدرة على توقيف الاقتصاد والأخرى التي لا قوة أو لا وعي بالقدرة لديها على شل المجتمع بالتوقف عن العمل.

في هذا الوضع، تستجيب عمليات الإغلاق والمحاصرة لحاجة شن إضراب مفيد. لا تتعارض الإضرابات مع عمليات الإغلاق والمحاصرة و ليست بديلا عنها، بل تتكاملان وتتعززان. تمنح عمليات إغلاق ومحاصرة مستودعات الوقود دعما عمليا ومفيدا لإضراب عمال مصافي النفط. وفي قطاعات عديدة، يشكل مسعى استغلال توقيت الإضراب للإغلاق والمحاصرة هدفا كما انه يساعد على الإقناع. إن الوقت المنصرم أمام المستودعات، وفي المناطق الصناعية، وفي ملتقيات الطرق ومواقع اقتصادية حيوية، يُستفاد منه لنسج علاقات بين الفرق المناضلة القائمة. وقد باتت تلك المواقع بؤر حقيقية للتضامن و اللقاء بين المهن تحت حرارة حرائق الإطارات والعجلات. لا يمكن لتلك المواقع إلا أن تقوي ما يبرز من تعدد أشكال التجميع بين المهن: جموعات عامة مشتركة بين النقابات، تضم مسؤولين نقابيين كفاحيين يصدرون حتى نشرات يومية، وجموعات عامة مشتركة بين قطاعات مهنية، أو أيضا تجمعات للنقابات مستقلة إلى هذا الحد أو ذاك. و جلي للغاية أن تطور تلك الهياكل متفاوت، ومتباين الدلالة، لكنه يتيح تجاوز انزواء كل واحد في حانوته، والصراعات النقابية وفي بعض الحالات التحرر (قليلا) من البرنامج الذي حددته الكونفدراليات النقابية.

إننا نعيش تجربة مــُؤسِـسة ، وبداية واعدة.

كريستيان بوبان

الخميس 28 تشرين الأول/أكتوبر 2010

نشر في: اسبوعية Tout est à nous عدد 75 (28/10/10)

تعريب المناضل-ة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أبرز القضايا التي تصدرت المناظرة بين بايدن وترامب


.. الرئيس الأميركي جو بايدن ومنافسه ترامب يتبادلان الاتهامات بع




.. هل يتنحى بايدن؟ وأبرز البدلاء المحتملين


.. توثيق اشتباكات عنيفة في رفح جنوبي قطاع غزة




.. آيزنكوت: يجب على كل الذين أخفقوا في صد هجوم السابع من أكتوبر