الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الإصلاح الاقتصادي

أحمد كامل

2002 / 8 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


 

 

أخبار الشرق - 31 تموز 2002

تعاني أسواق المنتجات الزراعية في سورية منذ ما يقارب الخمس سنوات من كساد مطبق بدأ منذ أكثر من 17 عاماً ووصل في السنوات الخمس الأخيرة إلى حالة من الاستفحال بدأ يهدد معها وضع الريف بمزيد من التردي وربما إشاعة حالة من الفقر التي اعتقد المعنيون بها أنها ابتعدت إلى حد ما.

وإذا كان لا بد لنا من تسجيل اعتراف بالدعم الذي حظيت به السياسة الزراعية وبشيء من الاهتمام خلال فترة حكومة السيد محمود الزعبي والتي استمرت أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وتمثلت في توفير المزيد من القروض المتاحة للمزارعين والإعفاءات والتخفيضات الضريبية للإنتاج الزراعي، ما خدم في تنشيط الإنتاج الزراعي.

إلا انه وفي الوقت نفسه ومع تردي دخل الفرد على المستوى العام عملت السياسة الزراعية على تكسيد الناتج الزراعي بهدف توفير الخضار والفواكه بأسعار زهيدة تتناسب والدخل المنخفض للعاملين في قطاع الدولة. وكان هذا التناسب يقتضي إهمال سياسة التصدير للمواد الزراعية إلا ما يخص استثناءات قليلة أدارتها الدولة وجنت أرباحها.

ولعل سياسة الحكومة هذه رافقها تفعيل وتجميد لدور مجموعة من المؤسسات التي تحولت عالة على الإنتاج الزراعي، مثل الشركة العامة للخضار والفواكه، واستهلاكيات بيع اللحوم والأسماك والإرشاديات الزراعية والجمعيات الفلاحية ومؤسسة تجارة الأعلاف وغيرها من المؤسسات التي يصعب حصرها أو جرد أسمائها بدقة والتي تتعيش على الناتج الزراعي.

كما أن الفساد الإداري الذي رافق السياسات الزراعية المتعاقبة كان له دور هام في إضعاف النتائج التي تمخضت عنها سياسة حكومة الزعبي، بما فيها من تلاعب في موضوع الأسمدة والأعلاف والسدود والري بالمياه الجوفية وسوء التخزين وتفشي أمراض الدواجن والحيوانات وفساد الأدوية البيطرية. إلا أن هذا لا يمنع من أن تشجيع الزراعة وتحسين وضع الريف كان من الإنجازات الهامة التي تُذكر لحكومة الزعبي.

إن الزيادة الكبيرة في مصروفات الدولة والناتج أساساً عن تعاظم الفساد في أجهزتها والزيادة الكبيرة في عدد أفراد الجيش وقوى الأمن إضافة إلى تنامي قطاع الخدمات والتعليم وكثير من المؤسسات غير المنتجة؛ ساهم مع ما سبق ذكره مما خص عملية الإنتاج الزراعي في الوصول إلى حالة العجز التي أصابت الدولة خلال السنوات العشر الأخيرة.

كما ساهم فشل المؤسسات الإنشائية في الخروج خارج حدود الإقليم ومن ثم تقليص أعداد العمال لديها في زيادة هائلة في كمية العاطلين عن العمل وتدني الأجور إلى مستويات نادرة على مستوى العالم. واليوم تواجه الحكومة السورية مشكلات عدة في طريقها لتأمين مصروفات الدولة من جهة، وتحقيق نوع من التعادل بين الأجور والأسعار وإيجاد الحلول لمشكلة البطالة التي بلغت أرقاما قياسية من جهة أخرى.

ولعل أهم هذه المشكلات يتمثل في مجموعة من الأنظمة والقوانين التي تراكمت على مدى السنوات الأربعين الماضية، تتراوح بين قوانين الإصلاح الزراعي التي لم تُستكمل، ما ترك قطاعا لا بأس به من المزارعين يخدمون أراضي مستملكة من قبل بقايا إقطاعية أو من قبل الدولة، ما يمنع من تطوير هذه الأراضي أو استصلاحها. وقوانين جديدة شرعت بعضها الحكومة الحالية والتي سبقتها وضعت شروطا قاسية على انتقال ملكية الأرض من الآباء إلى الأبناء تصل في بعض مراحلها إلى فرض ضرائب عالية جدا على انتقال ملكية هذه الأرض، ما يجعل الورثة عاجزون عن دفع المترتب على ذمة الأرض ومتطلبات تطوير هذه الأرض واستصلاحها. إضافة إلى كثير من مراسيم الحظر التي ما زال معمولاً بها ويتم استثناؤها عبر عملية كف نظر وليس إلغاءها.

كذلك المراسيم والقوانين التي خلقت نوعاً من الفساد الخاص كالمراسيم التي ربطت بين التصدير والاستيراد، ما سمح للمصدرين بشراء الناتج الزراعي بأبخس الأسعار واستصدار وثائق لتصديره بأعلى الأسعار في الوقت الذي كان فيه المحصول المصدر يُرمى في البحر ومن ثم تُستخدم الأرقام المصدرة في استيراد مواد معظمها معاد النظر في صلاحيته، بما حول البلد إلى مكب للفاسد من المواد غير المراقبة والراسبة في اختبار الصلاحية في بلد المنشأ.

كما أن تحول أصحاب النفوذ إلى العمل في اختصاص القطاع الخاص يعتبر أحد التحديات الجديدة لأي إصلاح ممكن. فهؤلاء يمارسون أنواعاً من الصناعات والمقاولات والاستيراد المتهرب من الضرائب، ما يحول عبء الكتلة الضريبية إلى قطاع ضيق من العاملين في الحقل الاقتصادي لم يشاركوا المسئولين ولم يستطيعوا التملص من الضريبة أسوة بمنافسيهم من أبناء المسئولين وأقاربهم وشركائهم.

إضافة إلى ما تشكله تلك العملية من استثناء في مراقبة المواد المعنية ومن احتكار لسوقها بعيدا عن منافسة الآخرين الذين هم ممنوعين إداريا وقسريا من المنافسة.

ويساهم فساد جهاز القضاء مساهمة مباشرة في التصدي لأي إصلاح اقتصادي ممكن. ولعل تراجع القضاء المدني إلى المرتبة المهملة في ظل تقدم القضاء العسكري على مدى السنوات الأربعين الماضية وتعيين القضاة على أساس حزبي أي على قاعدة الموالاة وليس الكفاءة، إضافة إلى الفساد في أجهزة الشرطة والأمن الجنائي، حولت هذه الهيئات إلى بؤرة لإفساد الممارسة الواقعة تحت طائلة القانون، فأصبحت الدعاوى القضائية تعيش حالة من حالات النفي والتزوير حتى غدا الأمن الجنائي راعياً للحرامي واصبح القاضي محامي الدفاع ومدعياً بالحق العام والشخصي في أحيان أخرى.

أما القضاء العسكري فانه يعمل اسمياً بموجب قانون الطوارئ، ولكنه لا يخضع لأي معيار في الأحكام التي يصدرها بل يخضع في أحكامه بشكل مباشر للقرار السياسي، فغدت أحكامه غير متناسبة مع القضية سواء من حيث تشدده أو تساهله.

ولعل العائق الأمني والحزبي من أهم العوائق التي تواجه النمو الاقتصادي فالعملية الإنتاجية تخضع لمعايير الموالاة والتشكك بهذه الموالاة حتى غدا تقرير المخبر يغلق مؤسسة أو يسمح لها بالحياة.

ويعتبر قانون الطوارئ والأحكام العرفية واحدا من أهم العوائق في وجه الرأسمال الداخلي والخارجي. والحكومات المتعاقبة كانت وبشكل مباشر أو غير مباشر راعية لهروب رأس المال المحلي إلى الأسواق التي تحقق شروط استثمار أكثر صحية.

وإذا كانت الحكومة الحالية قد رفعت شعار الإصلاح الاقتصادي فإنها قد بدأت بالإصلاح الضريبي الذي استهدف تأمين صرفيات الدولة أولاً، ما راكم الكثير من الزيادة على الضريبة الحاصلة على المواطن بالدرجة الأولى. أما على مستوى القطاع الإنتاجي فما زالت المعايير العتيقة هي الحكم، في حين وضعت شروط على المشروعات الجديدة تستهدف بمجملها تحصيل دفعات مهمة من هذه المشروعات، فكانت النتيجة أن زاد عدد المشروعات الاستثمارية المسجلة على الورق زيادة لا تتناسب وواقع الحال.

أما مكافحة البطالة وزيادة الرواتب عن طريق ضخ كمية من السيولة تصل إلى 50 مليار ليرة سورية خلال السنوات الخمس القادمة حسب هيئة مكافحة البطالة؛ ففي ظل الوضع القائم وتراجع الناتج القومي على ارض الواقع وزيادته على مستوى الكشوف المحكومة بالتقارير الأمنية وبالنسب الذهبية، لن تكون عملية ضخ هذه الأموال إلا الطريقة المثالية لتضخم السيولة في أيدي المواطنين على حساب القيمة، وبالتالي هي أشبه ما تكون بما قام به البنك المركزي منذ أعوام بزيادة المطبوع من النقد، ما حول سعر الليرة السورية إلى السعر الحالي، وبالنتيجة كانت الدولة قد سحبت من المواطن نصف أملاكه عبر تخفيض سعر الليرة.

واليوم تقوم هيئة مكافحة البطالة بخطوة تعتقد أنها ستساهم في إيجاد فرض عمل لقطاع من العاطلين عن العمل، غير مدركة أن عملية الإصلاح الاقتصادي تواجهها عوائق فعلية لا يمكن لها تجاوزها، وأن ما تقوم به، ومع تأملنا بأن نكون على خطأ، لا يعدو كونه تخبطاً سيزيد الوضع سوءاً على سوئه.

__________ 

* كاتب سوري - دمشق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث