الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق مهربة ( ضحايا حسن النية ) ج4 الطريق إلى جهنم

الاء حامد

2010 / 11 / 3
أوراق كتبت في وعن السجن




انتهى بـــ(كريم ) إلى جهنم الكبرى ( الشعبة الخامسة )وزج به إلى إحدى زنزاناتها التي لا تتسع لأكثر من شخص ثم أوصد الباب عليه بداخلها .. فلما لبث إلا قليلا داخل هذا التابوت فوقع نظره على عبارة حفرا على احد جدرانها ننقلها لكم كما هي ( الداخل فيها مفقود ,, والخارج منها مولود ) فواضح إن الضمير يعود لهذه الشعب التي تركت جروحا لا تندمل في نفوس الضحايا الناجين وواضح أيضا إن حالة اليأس والقنوط دفعت بأحد المعتقلين ليصوغ هذه العبارة التي تطابق الواقع.

كان كريم متماسكا غير انه هذه العبارة استفزته وأدخلت الرعب إلى نفسه فأخذ يتصبب عرقا من الهول وشدة حرارة الطقس . فخلع قميصه والحق به بنطلونه ثم جلس على بطانية افترشت بها أرضية الزنزانة .
كان عرضها لا بأس به إلا إن طولها صمم بحيث إن اقصر الرجال لا يمكنه إن يتمدد فيها بحرية بل لابد له أن يثني رجليه وهنا قد ندم كريم ندما جارحا وعاتب عواطفه عتبا لاذعا وهامت به خواطره إلى تلك السنين الخوالي فيذكر لنا منها كيف كان عصيا على هذه الزنزانات وممتنعا عليها وها هو إذا ألان وقع بين أيديهم بهذه السهولة ومن دون مقاومة بل ويحسبون انه جاءهم طوعا فمن عز الحرية الى ذل القيود والأغلال!!

ولكن هو لم يكن أول من يقع في الخطأ ولا أخر من يقع فيه وان كان قاتلا ولا أول من تشط به عواطفه فالأسف لا يغني ولا يفيد فعله إن يعرض عما مضى وعليه ان يتهيأ لما سيأتي ويكون بمستوى المحنة وعلية ان يستجمع قواه وان يكون ذهنه حاضرا يقضا فلا شك انه يستغلون هفوات الألسن وشرود الأذهان وانكسار النفوس ليحصلوا على ما يبغون وكذلك يستغلون مشاعر البعد والفراق التي تنهال ضربا على النفس حتى تهشمها!!

فيا للعجب لما لهذه الأيام تمر وكأنها دهور ولماذا تتغير معايير الزمان والمكان في تلك الزنازين ففي هذه الشعبة التي تقع على الضفة الشمالية من نهر دجلة وبالقرب من جسر الأئمة والتي لا يجهلها عراقي يشعر المرء وهو بين جدرانها السميكة انه ابعد ما يكون عن أهله وذويه حتى وان كانت منازلهم على الضفة الأخرى ويخيل له انه قد فارقهم منذ عقود حتى وان كانت أيام معدودات وربما مروا من على هذا الجسر فلا يخطر ببالهم إن فقيدهم المغيب يئن ويستغيث إلى جانبه في تلك القبور التي أعدت للإحياء لا تعرف الزيارات واللقاءات ولربما مر السائح من على هذا الجسر فأعجبته واحات النخيل الجميلة والتي تزيدها جمالا وبهجة أمواج دجلة المتلاطمة بجانبها فلا يخطر بباله إن في هذا الموضع تتواتر وتتصل كل إحزان الدنيا وآلامها ولو إن هذا النهر الذي يتدفق بالخير والعطاء قد حباه الله بلسان وشفتين فكان من أهل النطق لشهد بالحق على الجرائم والآثام التي ارتكبت على ضفافه ولعله الشاهد الوحيد الذي اطلع على كل تفاصيلها واستمع ملأ إذنيه لصراخ المعذبين وأهات المضطهدين لبعده عن عيون الرقباء ولو انه من ذوي الإحساس والشعور لكان قد غير اتجاهه احتجاجا واستنكارا على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان !!

إن أقسى ما في تلك الزنازين الصمت المتصل والوحدة القاتلة التي تستثير كامنات الشجون وتملأ النفس ضجرا وضيقا حتى يكاد النوم إن يكون اثر إلى المرء من اليقظة.
ولا توجد في تلك الزنزانة سوى فتحة صغيرة في وسط الباب يدخل من خلالها الطعام وكانت أبواب الزنزانات تفتح بعد كل وجبة طعام ولدقائق معدودة وويل لمن يتأخر قليلا في قضاء حاجته فأولئك النفر من الجلادين لا تفارق الهروات الغليظة اكفهم فكأنهم يرعون إبلا او أبقارا !!!

للحديث بقية انتظرونا في الجزء الخامس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الهيفاء آلاء
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 11 / 4 - 04:05 )
تحيه وتقدير
لو كان من اصحاب المشاعر لغير اتجاهه
عباره بليغه تعني عمق الألام وشدة المحنه ...لقد ابتلي دجله كما العراقيين من هولاكوا ايام زمان الى هولاكوا العصر الذي اسس الشعبه الخامسه
كم من العراقيين الرائعين الذي حفر با آضفاره على تلك الجدران التي ما حملت من شرف وطيب الآ من انفاس تلك الأجساد التي تلوعت وتمرمت بينها
تحيه لك فقد أثرتي الشجون وعدت بنا الى تلك التي لم تغادرنا بعد
ننتضر الجزء الخامس


2 - عمت صباحا
الاء حامد ( 2010 / 11 / 5 - 07:55 )
يسعد صباحك عبد الرضا
بالطبع هنا اننا حينما نبحث هذه الامور انما نبحث امورا قد تجاوزها الزمن ودخلت حيز التأريخ ولكن لم يطوها النسيان لانها عصية عليه ..
شكرا لك ايها الاخ عبد الرضا مرورك اسعدني ايما سعادة مع عظيم ودي لك

اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون