الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوهج الشعري واجترار الذات في قصيدة*لم يلمسني أحد*للشاعرة السورية/بهية مارديني

عبدالله سعيد العطار

2004 / 9 / 14
الادب والفن


قد يسهل القول إلى حدً ما عن فلان من الناس ، أنه شاعر ، ولكن الصعوبة كل الصعوبة أن يُشهد له بالتميز والفرادة ، والجدَّة ، حتى وإن كان ذلك الفعلُ مُتحققاً في أثره الإبداعي بالفعل ، إذْ أنَ هناك مالا تؤديه الصفة ولا تستطيع تجريد الإحساس به الكلماتْ .
وأُشبّه القصيدة بامرأة فائقة الجمال ، يشع رواؤها كالشمس ، فلا يمكننا أن نحصي أشعتها، أو نحدد قُطْر هالتها قدر عجزنا أن نطالها، على الرغم من علمنا يقيناً بتفرد مكانتها بين الكواكب ، حيث ينقلك الإبصار حيال الوهج سوى أن تغضي أو تغض إجلالاً . وهذا ما يصدق قولاُ مع النص المختار لقراءتنا هذه ، وهو للشاعرة ( بهية مارديني )
البنية الدلالية للنص :-
تشيع في النص روح وجدانية حالمة متطلعة ، تنثال بوحاً رقراقاً وإبداعاً خلاَّقاُ ، تشف عنه فنية شفيفة ، وبناء جمالي محكم النسج .وعلى المستوى اللغوي تطالعنا مفردات مختارة بدقة وعناية ، الفاظ معجمها الحب والعشق وما في معناهما من النظائر الدلالية متراسلةً مع الموقف الشعوري والدفق الوجداني للذات الشاعرة التي لم تبارح إحساسها بأبعادها الروحية وأفقها المتلظي بعبق الأنثى ، ولكنها أي أنثى؟! إنها الأنثى الجُرْأَة المتمسكة بنجواها الحميمة ، تشظيها رغبة عارمة في رسم خارطة انفعالها ، وما بين الأمل والألم ترفض الإنكفاء على الذات فيكون السؤال ملاذاً من قلق اللحظة ، وباباً يفتح على الآخر صلةً وتواصلاً واستدعاءً لمشاعره لا لغوثه ونجدته ، وتكاد الرومانسية ان تلغي خصوصية المعجم إلا أن طرائق التركيب وتقنيات البناء الجمالي وايقاع الصورة ينجحان بتفوق دالٍّ على التمكن في الخروج بالنص إلى فضاء الإدهاش وتمَلُّك المتلقي ، وأحسبني غير مبالغٍ في ذلك على الرغم من تحفظي لما أقحم في النص من مفردات غير عربية معنىً ومبنى نحو قولها ( ( I LOVE YOUولا أدري ما مبرر ذلك وما جدواه الدلالية ، ولكأني به تشوُّه خَلقي في امرأة بالغة الحسن ، ولكم كان أولى أنْ يُضرب عنه صفحاً ، وإذا مانظرنا إلى إيقاع الصورة وينابيعها وأنماط تركيبها ، وما أكثر ذلك فسنجدها ظاهرةً إبداعية آسرة نحو قولها : ( كأس المستحيل ، أتوسل بوحاً ، أعاقر حباً ، وهج زفراتي ) وكلها صور إستعارية مكنية تحقق علاقة التماهي ، وهي أرفع سمات البيان ، وتمثله تلك الصور من ينابيع الذات الشاعرة وخيالها الأخَّاذ الخصب وتلعب الصورة دوراً دلالياً مضطرداً ما بين شطر وآخر ، مما يمنح النص ثراءً بصرياً وحراكاً ديناميكياً ، وتدور في النص قطيعة أبستملوجية مع المألوف يقوم الباطن في إلباسها ثوب التوهج ويخلع عليها ألق الجِدة وبحيث توحي بعمق ورقة بما يعتمل في الذات وما تصدر عنه الرؤية ، وأنماط الصورة غير معقدة ، لكنها أيضاً ليست بالبسيطة ، بعيدة عن التكلف مُحكمة الصنعة بالتراكيب والبناء وتكنيك البوح وأدبيات القول، فهناك ما هو مسكوت عنه لكنه حاضرٌ بين السطور ، وهو اللهفة للآخر وما يجري مجراه من وحدات نظائرية كالشوق ، والتوق والترقب ، وتنزاح اللغة عن تواضعاتها المعروفة ولسانها النفعي على مستوى الإختيار والجوار، ويسلكها النظم في سلك الطرافة والإثارة ، حيث تخرج بها من ماديتها إلى النسق الوجداني والسياق الروحي ، وتكثر الإحالات على الذات نحو قولها : ( تشطرني ، أتوجس مني، أوغل فيَّ ، أتسول ، أحضن فضائي ، نفسي، مقلتيا، تمسكت بي) وهي ضمائر تحيل علي الذات لتنداح سيرة المشتاق في ثنايا نجواه . وبالنظر إلى التركيب النحوي فهناك الإنحراف الدلالي نحو قولها : ( منفى نفسي ، كأس المستحيل ) حيث تبدو الجملتان في السياق الإجمالي للنص مُقحمتان (أندلع عناقاً ، أتوجس مني ، كأس المستحيل ). وعلى مستوى الجمل الإنشائية والخبرية تكثر الجمل الإنشائية وهو ما يتناسب مع حدث السرد المتراسل مع النجوى لما يند عن ذلك من إهتمام بالفاعل وإسناد الصفة غير الممكنة تأصيلاً فيه وكأنه يرمي إلى الإستغراب من الحدث ، واستغراق المتلقي في إطار الصورة ، ومضاهاة الفعل بالقول في تنامي الحكي والرواية ، وفي أتون ذلك ينصهر الشجن إيقاعاً منتظماً وترنيماً موحياً ؛ إذْ الأفعال جرساً متوائماً وموسيقي ثرة الحدس والهمس ، وتستفيد الشاعرة من تقنيات بناء العمل الروائي سرداً وحواراً على نحو ما نجد في مطلع النص في قولها : ( عبرت وجهي) وكأنما تُحدث أحدهم عما يدور في خلدها ، وفي أروقة العلاقة الصلة والحدث المستلب ثم تلك الدلالة بذكر السبب ( عبرت وجهي ) ( كي لا اضل طريقاً ) ثم تنداح في مونولوج السؤال وهي تقنية تجسد إحساس المتحدث لسامعه وترسم له صورة المتألم وتستدعي تعاطف المتلقي معه، ثم ذلك التجريد الإحداثي لتصاعد دوافع القول وصولاً إلى ذروة الحكم بقطيعة الثقة بالذات وانعتاقها من سلطة ظن الآخر مستفيدةً من التراث الديني في جلاء الحقيقة المقتصرة على واحدية الذات الشاعرة ، وهو قولها :( لم يلمسني احد ).
ولكم كان العنوان موفقاً في إستدراج متلقيه حيث بادرت الشاعرة إلى صوغ عنوان مُلفتٍ يدفع بالعين بمجرد وقوعها عليه إلى البحث عن كنهه والتغلغل في أغواره ، سبراً وإستقصاءً لما يقف وراء ذلك العنوان من ومض معبر وهو ما يشهد للشاعرة ببراعة الإفتنان وتمكن الفنان ، حيث لا من جدال على التسليم بقدرتها على صدم المتلقي ومن ثم ما إن تتم له القراءة إلا وكان قد وقع تحت تأثير إدهاشها وأخذ بألقها وأقر بإعجابه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين