الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فوضى خصخصة الأثير.. فاصل ونواصل

سعد هجرس

2010 / 11 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


ليس هناك أدنى شك فى أن كثيراً من الفضائيات التى يقتحم إرسالها بيوت الملايين من المصريين دون استئذان قد لعبت فى الآونة الأخيرة دوراً تخريبياً يهدد وحدة الوطن والأمة، ويعكر صفو السلم الأهلى، ويسمم أجواء العيش المشترك.

وليس هناك أدنى شك أيضاً فى أن هذه الجرائم الإعلامية يجب عدم السكوت عليها، كما يجب عدم التسامح معها واعتبارها شكلاً من أشكال «حرية التعبير».

فالتحريض على إشعال حريق طائفى بين المسلمين والمسيحيين ليس حرية تعبير، وبث ثقافة الكراهية ليس حرية تعبير، وترويج الدجل والشعوذة والخرافات ليس حرية تعبير. وليس هناك أدنى شك فى أن الفضائيات التى تقترف كل هذه الجرائم الإعلامية تستحق العقاب، ومن ثم فإن قيام السلطات المصرية باتخاذ إجراءات ضد هذه الفضائيات، تتراوح بين الإغلاق والإنذار، كان يستحق أن يقابل بالترحيب الشديد.

بيد أن الاتفاق العام مع مضمون القرارات الإدارية المشار إليها بحق هذه القنوات التليفزيونية المضرة، لا ينفى وجود تساؤلات وتحفظات وتخوفات كثيرة ينبغى وضعها فى الاعتبار:

أولاً: من الذى سمح بإطلاق هذه الفضائيات، ووضعها على القمر المصرى من الأصل؟! ولماذا؟!

ثانياً: إذا كان المسؤول الذى أعطى الموافقة لبث تلك القنوات لم يكن على علم بـ«نوايا» القائمين عليها فى بداية الأمر، فلماذا صمت سنوات وسنوات عن التجاوزات والمخالفات، التى وصلت إلى حد الجرائم الإعلامية كما قلنا، رغم أن العديد من الكتاب والصحفيين والإعلاميين نبهوا مراراً وتكراراً لخطورة هذه الممارسات الخطرة.

ثالثاً: ما الذى استجد فى الأيام الأخيرة لكى يتحرك المسؤولون النائمون فى العسل ويصدروا الفرمانات المشار إليها دون مقدمات ودون سابق إنذار؟! وهل تم حساب أحدهم؟!

رابعاً: ما نصيب هذه القرارات الإدارية من الفاعلية فى عصر ثورة المعلومات، وفى ظل القدرة الفائقة للتكنولوجيا الحديثة على تحدى القرارات البيروقراطية وتحويلها إلى حبر على ورق؟!

وما العمل إذا نجحت التحركات المضادة التى بدأت فور صدور هذه القرارات، والرامية إلى طرح اكتتاب عام لتوفير التمويل اللازم لما يسمى «قمر صناعى إسلامى» أو جمع تبرعات لشراء حيز ترددات فى قمر أوروبى أو قمر «سهيل» القطرى المقرر إطلاقه نهاية العام الحالى، أى بعد أيام معدودات؟

خامساً: من الذى يملك سلطة تحديد الصالح والطالح فى هذه الفضائيات، وعلى أى أساس، وبأى معايير، ووفقاً لأى مرجعية؟!

صحيح أن هناك وثيقة صدرت عن اجتماع لوزراء الإعلام العرب فى فبراير ٢٠٠٨ (تحفظت عليها قطر) حملت اسم «مبادئ تنظيم البث الفضائى الإذاعى والتليفزيونى فى المنطقة العربية».

وصحيح أن هذه الوثيقة وضعت «ضوابط» كثيرة من بينها:

■ عدم تهديد السلام الاجتماعى والوحدة الوطنية والنظام العام والآداب العامة.

■ التقيد بضوابط ونصوص ميثاق الشرف الإعلامى العربى.

■ الامتناع عن التحريض على الكراهية أو التمييز القائم على أساس الأصل العرقى أو اللون أو الجنس أو الدين.

■ الامتناع عن بث كل ما من شأنه التحريض على العنف والإرهاب.

■ الامتناع عن بث مواد تحتوى على مشاهد فاضحة أو إباحية.

لكن الصحيح أيضاً أن هذه الوثيقة لم تنجح فى أن تكون مرجعية للإعلاميين العرب، الذين لم يحاول وزراء الإعلام العرب مجرد أخذ رأيهم فيها قبل إعلانها، فضلا عن أنها احتوت على عبارات فضفاضة، وحمَّالة أوجه، يمكن تفسيرها لتبرير الشىء وعكسه، كما يمكن الاستناد إليها لخنق حرية التعبير وقت الحاجة.

وبالتالى ظلت الساحة الإعلامية، المصرية والعربية، خالية من مرجعية عصرية تتلاءم مع دخول البشرية الألفية الثالثة فى ظل ثورة معلومات غيرت كل قواعد الساحة الإعلامية، وثورة تكنولوجيا مذهلة جعلت الكرة الأرضية قرية كونية صغيرة، فضلا عن تبلور قيم إنسانية عابرة للبحار والمحيطات والقارات تنتصر للتعددية والتنوع والتسامح والديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة، وفى مقدمتها حرية التعبير.

سادساً: فى ظل تداعيات وتوابع العولمة التى لم يعد بإمكان أى بلد من بلدان العالم الإفلات من استحقاقاتها، لماذا اقتصر جهد السلطات المصرية لدى اتخاذ هذه القرارات الإدارية الأخيرة على التركيز على أبعادها «الوطنية»، فى حين أنها «قومية» بامتياز سواء من حيث اللاعبون الرئيسيون، أى أصحاب هذه الفضائيات، و«الدعاة» الذين هجموا علينا انطلاقاً من شاشاتها،

أو من حيث مشاهدوها من المحيط إلى الخليج، وهو ما جعل أحد القياديين بواحدة من هذه الفضائيات يقول بجرأة شديدة يحسد عليها إن الشعبية الكاسحة والمتزايدة لهذه القنوات التليفزيونية هى السبب الرئيسى للقرارات الأخيرة التى استجابت– من وجهة نظره – لمخاوف الكنيسة القبطية من جانب والعلمانيين من جانب آخر!!

وبصرف النظر عن المضمون الطائفى لهذا التصريح فإنه بمثابة اعتراف بأن تقويض دعائم الدولة المدنية الحديثة هدف رئيسى لهذا النوع من القنوات التليفزيونية التى تستخدم منتجات الحداثة لهدم الحداثة برمتها.

سابعاً: إذا كان الصواب قد حالف تلك القرارات الإدارية هذه المرة، فما الضمان لئلا يجانبها فى مرات قادمة، ويكون المنع والإيقاف من نصيب قنوات وفضائيات وبرامج جادة لكنها ليست على هدى الحكومة؟!

ولماذا تكون سلطة المنع والإنذار بيد جهات إدارية، ولا يتم وضعها فى يد الجهات القضائية ضمانا للعدالة والنزاهة؟ ولماذا لا تكون هناك مرجعية وطنية مستقلة – بحق وحقيقى – تضع المعايير وتقوم بالرقابة النزيهة والشفافة على الجميع؟!

ثامناً: هل هى مجرد صدفة أن تأتى هذه القرارات فى أعقاب سلسلة متلاحقة من المواقف، منها إيقاف بث قنوات أوربت، وإقالة إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير «الدستور»، وقرار المجلس الأعلى للقضاء بمنع بث أو إذاعة المحاكمات، وقرار الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات بشأن اشتراط حصول أى مؤسسة إعلامية على موافقة من وزراء الإعلام، والمجلس الأعلى للصحافة لإرسال رسائل عبر شركات المحمول، فضلا عن وضع قيود على تحريك وحدات البث المباشر للتغطية الحية للأحداث، مثلما حدث مع القناة الثانية للتليفزيون الفرنسى، وقناة CNBC... وهى كلها إجراءات- سواء كان هناك رابط بينها أو لم يكن – تتضمن فرض قيود على حرية الإعلام.

ومن هنا تأتى منطقية التشكك فى مغزى «التوقيت» الذى يقف «بعد» هذه السلسلة المتلاحقة من الإجراءات من ناحية و«قبل» إجراء الانتخابات البرلمانية الوشيكة من ناحية أخرى.

وبالتالى... فإن الترحيب واجب بقرارات إغلاق قنوات دعاة الكراهية والفتنة والخرافة، لكن مع التحفظ الشديد على أن تكون هذه القرارات من سلطة البيروقراط، أيا كان مستواهم.

فالقضاء على هذه الفوضى الشديدة فى حقل الإعلام- مهمة مطلوبة لكن مع الاعتراف بأنها أكبر من طاقة وزير الإعلام بل كل وزراء الإعلام العرب، لأن تنظيم الساحة الإعلامية قضية مجتمعية وثقافية فى المقام الأول.. علماً بأن الأثير فضاء مملوك لجميع المصريين وليس حكراً على الحزب الوطنى أو أى فصيل أو جماعة.. يتلمظ لاختطاف الهواء وركوبه لتحقيق مآربه الخاصة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-