الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-قراءة في نظرية -إبحث عن المستفيد

باتر محمد علي وردم

2004 / 9 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


يستخدم عدد كبير من المثقفين والسياسيين والإعلاميين في العالم العربي نظرية ذات جاذبية ساحرة لتفسير الكوارث والمصائب التي يتسبب بها مجموعة من العرب والمسلمين وتؤدي إلى تشويه القضايا العربية العادلة، وتعطي مردودا سلبيا على سمعة العرب والمسلمين، وهي نظرية "إبحث عن المستفيد" لتفسير الأحداث.
وبما أن الغالبية العظمى من الأحداث في العالم العربي خلال العقود الماضية هي أحداث جاءت بالكوارث على الأمة، فمن السهل استخدام نظرية البحث عن المستفيد وتحميله وزر هذه الأحداث، وبالتالي تبرئة النفس من ارتكاب هذه الجرائم. ولكن مثل هذه النظرية التي تلقى الرواج الأكبر في العالم العربي يمكن نقدها وتفنيدها بسهولة تامة لو امتلكنا ميزة النقد الذاتي والصراحة مع النفس. ولهذا دعونا ندرس نظرية "من المستفيد" في أربعة أحداث مفصلية وهي "غزوات" واشنطن ومنهاتن عام 2001، واختطاف وقتل الأطفال في أوسيتيا واختطاف الرهائن الأبرياء في العراق، والتدخل الدولي في دارفور.
تعتبر حادثة 11 أيلول نموذجا كلاسيكيا لتطبيق نظرية البحث عن المستفيد. فمن الدقيقة الأولى للحدث الرهيب كان رد الفعل الأميركي جاهزا على المستوى الرسمي والإعلامي. الاتهام وجه فورا إلى تنظيم القاعدة، والرئيس الأميركي أعلن بدء الحرب على الإرهاب وفق نفس النموذج الاستراتيجي الذي أعدته مجموعة المحافظين الجدد منذ العام 1998. هل كانوا ينتظرون 11 أيلول على أحر من الجمر لتوفير البيئة السياسية الملائمة لتنفيذ خطتهم للسيطرة العسكرية المباشرة على العالم والدخول في حرب لا نهاية لها لتأمين السيادة الأميركية الكاملة، أم أنهم صنعوا 11 أيلول فعلا وجندوا تنظيم القاعدة لفعلها؟
في الأيام الأولى لما بعد الحدث كان العالم العربي والإسلامي في حالة نكران، ولكن الشيخ اسامة بن لادن ظهر عبر الشاشات الفضائية ليعلن مسؤولية القاعدة عن الفعلة الشنيعة، ويزف للعالم الإسلامي غزوتي مانهاتن ونيويورك، فما عاد من الممكن مواصلة النكران.
على كل حال، يبقى تنظيم القاعدة هو اليد التي نفذت الضربة، إما نتيجة لغباء سياسي منقطع النظير، او ضمن خطة مرسومة من قبل المحافظين الجدد، وأيا كان التفسير فإن مجرد رفع صور بن لادن واعتباره بطلا هو خلل هائل في العقل الإسلامي لا بد من معالجته.
أما في حالة أوسيتيا، فمن الجذاب أيضا استحضار نظرية البحث عن المستفيد. في الحالة الأولى يمكن اعتبار الاستخبارات الروسية خلف هذه الجريمة لتشويه سمعة المقاومة الشيشانية وربطها بالإرهاب. ولكن من اين إذا تمكن الروس من تجنيد مقاتلين مستعدين للموت في هذه العملية، إضافة إلى قتل مئات الأطفال معهم. والأهم من ذلك من اين جاءوا بعشرة من الإسلاميين العرب لتنفيذ العملية؟ أما التفسير الثاني، الأقل قدرة على الإقناع فهو يربط العملية كلها بالنفوذ اليهودي في روسيا، وأن اللوبي اليهودي الاقتصادي بقيادة بيروزوفسكي يقوم بتمويل عمليات الشيشان من أجل إحراج الرئيس بوتين الذي يعمل على القضاء على النفوذ اليهودي. هذه النظرية الغريبة، غير قابلة للتصديق وتمثل طعنة مباشرة في مصداقية المقاومة الشيشانية ولكنها انتشرت في الكثير من الصحف العربية، وخاصة الزملاء القوميين الذين يرون العالم بصورة النفوذ اليهودي فقط!
أما مسألة خطف الصحافيين في العراق فقد قيل ايضا بأنها من صنع الموساد والاستخبارات الأميركية من أجل تشويه سمعة المقاومة العراقية، وخاصة في عملية خطف الصحافيين الفرنسيين وأن هذه العملية كانت بترتيب أميركي-إسرائيلي لمعاقبة فرنسا على مواقفها المناهضة للحرب ومحاولة جرها إلى الحرب الأميركية ضد الإرهاب، ولكن من اين ايضا جاءوا بهؤلاء الملثمين في الفلوجة، وغيرها والذين قاموا بخطف وقتل العشرات من الأبرياء حتى الآن ضمن نظام من الحماية الاجتماعية والعشائرية الذي يمنع إلقاء القبض عليهم؟
أما في دارفور، والتي تحولت إلى خنجر مسموم في قلب العالم العربي، فإن نظرية البحث عن المستفيد توجه اصابع الاتهام إلى التدخل الأجنبي وبخاصة الصهيونية والولايات المتحدة والغرب الطامع بالسيطرة على منطقة استراتيجية من الناحية السياسية والاقتصادية، وإن كل هذه السلسلة من المشاكل في دارفور حدثت بسبب طموحات الدول الغربية. ولكن لا أحد يفسر لنا أن ميليشيات الجنجويد التي أمعنت طوال سنة كاملة في مطاردة القبائل الإفريقية في دارفور وتهجيرها من مساكنها وارتكاب جرائم القتل والاغتصاب بصمت الجهات الرسمية، ليست ميليشيات زرقاء العيون وشقراء الشعر جاءت من إسرائيل والولايات المتحدة لتعيث فسادا وفوضى بل هي من المنطقة ومارست كل هذه الجرائم بدون تدخل إلى أن خرجت الأمور من نطاق السيطرة وسمحت بالتدخل الأجنبي.
نظرية البحث عن المستفيد قد تكون مغرية لمن يهوى نكران الحقيقة، ولكنها بالتأكيد نظرية خاطئة في معظم الأحيان، وقد جاء أوان أن ننضج ونمتلك الجرأة على تشخيص الواقع الأليم الذي نصنعه بأنفسنا ويستفيد منه خصومنا فورا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية