الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نص

حكمت مهدي جبار

2010 / 11 / 5
الادب والفن


حكمت مهدي جبار
عندما توجه الحسين الى ساحة المواجهة مع السلطة الحاكمة آنذاك كان منطلقا من ايمانه بضرورة تلك المواجهة وتحدي الظلم وطغيان السلطة . مثل الحسين (جسدا) بمواجهة الفناء وهو في رؤية (الفنان التشكيلي) (شكلا)
يسعى نحو اكتشاف (شكلانية) يروم فيه الوصول الى المطلق وهو بنفس الوقت وقف في صحراء كربلاء (جسدا) ( شكلا) (صوة) ليستخلص جوهر موقفه (كجسد) في ذلك الفضاء الممتد لايرى فيه المرء سوى آفاق متجردة من (الأشكال).
كان الحسين متيقنا ان الوصول الى الحقيقة (الله المطلق) لايتم الا بتحطيم حواجز معينة حجب مادية (الجسد) (الشكل) وكانت مقولته المشهورة ان كان دين محمد (سعي الانسان نحو الله ) لم يستقيم الا بقتلي (فناء الجسد) (الشكل) فيا سيوف خذيني.
المشهد الكربلائي المهيب مليء 0(بالأشكال والصور) وتحت ظرب السيوف وطعن الرماح وحز الرؤوس تزاح تلك (الاشكال) نحو الفناء فتحال الى (رموز) وكلما اشتد وطيس الحرب كلما تحولت تلك (الأشكال) الى (تجريدات) تعمل على ازاحة كل ما يمثل المادة التي هي في نظر الساعين الى الله قيودا للروح الحبيسة مابين ماديات الجسد . وهنا تتحول الصحراء الى (لوحة) ملحمية من عشرات (الرموز) تختلط فيها خيوط الدم الطاهر ورمال الصحراء وامتدادات الفضاء تسد فراغاتها الرؤوس المقطوعة والأسلحة المهشمة وأشلاء الأجساد التي حطمتها الأرواح النازعة الى عالم الكهنوت ..
تسامى الحسين وأصحابه على مكونات الغرائز المادية معتقدين ان الجسد ماهو الا مشروع تضحية . وهو (شكل) ممكن ازاحته اذا ما تطلب الأمر في تحرير الروح (المعنى) الحقيقي للوجود الأنساني .لذلك توهم الأمويون عندما اعتقدوا بأزاحتهم للحسين جسدا(شكلا) بأنهم الغوا وجوده. وهم بفعلتهم تلك انما تركو ا لروح الحسين وأصحابه ان تتجسد من جديد (شكلا آخر اكثر تجريدية) عندما خلد الحسين رمزا للسعي الى المطلق . رمزا باقيا على الأرض تمثل (بتكوينات معمارية) يقف امامها الفنان ذائبا في فضاءاتها وأمتداداتها الروحية.

حقق الحسين في شهادته المذهلة في (عين الفنان) (منجزا ابداعيا) اعجازيا تجاوز حدود الوعي وتسامى فوق الرؤى فوقف (الفنان) حائرا كيف يجسد جلال ذلك الموقف الرائع المدهش .ان (الصور) التقليدية التي انتشرت في العراق (صور اهل البيت) لم تعطي التجسيد الأمثل لعظمة استشهاد الحسين فهي لاتعدوا ان تكون محاكاة جامدة بأسلوب فني كلاسيكي على طريقة (الفن اليوناني القديم) حيث التأكيد على تمثل (الجسد) بدون (استخلاص) ما يوحيه (الجسد) من (علاماتية وترميز) للأبعاد المعنوية له
وهي بذلك تفرغ الملحمة الحسينية المذهلة من محتواها المقدس حيث تبقي على الحسين جسدا انسانيا عاديا لم تمنحنا فيه احساسا بعظمة موقفه. فالمشهد الحسيني (تشكيليا) انما هو صراع الألوان وعنف الأشكال وقساوة الخطوط كعناصر بناء اللوحة والتي لعظمة وقدسية الموقف تتعدى حدود الشكل الى ما خلف الشكل . فالحسين انتصر روحا عندما نال حريته بتقديمه جسده (الشكل)شرطا لخلوده . خلود لا يحده مكان ولا اطار .
اللوحة الحسينية المعاصرة لا تتمكن من التعبير عن جلال الموقف وبسالة التحدي بتقليدها للشكل وتمثلها للجسد. ذلك لأن جسد الحسين فني وأعدم. فالفنان التشكيلي الحاذق هو الذي يلج ذلك العالم المهيب المعمد بالدماء بحمرته القانية عبر ضرباة لفرشاة في مساحات معينة وأخرى ضربات خضراء وسوداء في محاولة لتجسيد المعنى اللاشكلي الفاني سعيا لتقديم رؤية قدسية لمعنى الحقيقة المطلقة التي رسم اليها الحسين طريقه .
امام اللوحة الحسينية يقف المتلقي بلا سؤال لعظمة ما يرى. وليس وقفة امام اجساد عادية توحي بأشكال تقليدية. فأمام الخلود يستغرق المشاهد في سرمدية تتسامى فوق الشكل المادي وذلك لايتحقق الا في الأشتغال خارج حدود الشكل الفاني..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: تصفيق حار لفيلم -المتدرب- الذي يتناول


.. إخلاء سبيل الفنان المصري عباس أبو الحسن بكفالة مالية بعد دهس




.. إعلان آيس كريم يورط نانسي عجرم مع الفنان فريد الأطرش


.. ذكريات يسرا في مهرجان كان السينمائي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الفنان السعودي سعد خضر لـ صباح العربية: الصور المنتشرة في ال