الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من وحي البيان الختامي المعلن عن اللقاء العربي اليساري

سهيل حيدر

2010 / 11 / 6
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


ضمن البيان الختامي المنبثق عن اللقاء اليساري العربي ، المنعقد في بيروت مؤخرا ، والمنشور في العدد 3176 من الحوار المتمدن ، بتاريخ 5 / 11 / 2010 ، وردت عدة محاور لخصها البيان في نقاط ، أظهر فيها تصورا يرتكز على ما تعتقده قوى اليسار في المنطقة العربية من رؤى ، شملت تحليلا عاما للواقع المعاش ، مع وضع جملة من الحلول لما اعتبره اللقاء ، بمثابة المعوقات التي تعترض المسيرة الوطنية والتقدمية للشعوب العربية عموما .
إن الغوص في تفاصيل البيان ، لا تدع المتتبع الواعي الا ان يبدي الرغبة في التوقف مرارا حيال البعض من نقاطه ، مستعيدا القدرة على التوازن الفكري والسياسي ، بعد ان تسببت تلك النقاط في احداث تذبذب غير متوازن في النظرة لما يحدث على ارض الواقع ، بعيدا عن ذات التنظيرات السرمدية ، والتي انفرد بها فرسان التحزب القدماء ، حين كانوا يصرون على اتباع سبل التقليد الاعمى لما كان يسمى بالحركة الشيوعية العالمية ، دون الاخذ بنظر الاعتبار الى خصوصية الاوطان والشعوب ، وما فيها من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية متمايزه .
يحدد اللقاء لنفسه خطا للشروع بالحركة فيقول ( ان المهمة الاولى لقوى اليسار العربي ، اليوم ، تكمن في مقاومة المشاريع العدوانية الامبريالية الامريكية – الاسرائيلية ، بكافة الاشكال ، وصولا الى طرد الاحتلالات ... ) .. ومن ثم يوجه اللقاء ( تحية اجلال لشهداء هذه المقاومة ، وللاسيرات والاسرى في سجون ومعتقلات الاحتلالين الامريكي والصهيوني ، وفي مقدمتهم قادة العمل الوطني ، ويحث كافة القوى الوطنية والتقدمية من اجل عودتهم الى الحريه ) .
إن نظرة فاحصة بسيطة للمعاني التي يحملها هذا الجزء من البيان ، يجعل من المؤكد الاعتقاد ، بان ما يجري في العراق من تخريب وتعطيل للحياة العامة ، وتفجير المدنيين بعيدا عن ساحات المقاومة الحقيقية لقوات الاحتلال ، هو مقاومة شعبية تحمل سمات الوطنية الحقه ، ولابد للقوى المعنية بالفكر اليساري التقدمي ان تساندها باعتبارها جزء من المقاومة الشريفة ، ما دامت تحمل شعارات تندد بالامريكان وتشتم اسرائيل ، والاهم من ذلك كله ، فهي مؤمنة حتى العظم بضرورة بناء دولة الاسلام المفقوده .
وبالتالي ، واستجابة لضرورات المقاومة في الوطن العربي عموما ، فلابد من العمل على اطلاق سراح قادة تلك المقاومة واعادتهم للتمتع بالحرية ، حتى ولو كانوا من عتاة الفكر السلفي المتطرف ، ولا فرق في ان يتراجعوا عن سيرتهم ( الوطنية ) ، او يستمروا في ضرب الاسواق العامة ، وخطف الابرياء ، وتهديم المدارس ومساكن الفقراء .
وعلى ما يبدو ، فان اللقاء اليساري العربي ( لا ادري لماذا الاصرار على اختصار الفكر اليساري بالعرب في المنطقه ، وهضم حقوق القوميات الاخرى ، ممن اعطوا تضحيات جسام من اجل استقلال بلدانهم الى جانب العرب ) لم يترك الامر سائبا دون الافصاح عنه وبشكل ادق ، حينما دعى في النقطة الرابعه من بيانه الختامي الى ( استكمال عملية اخراج قوات الاحتلال الامريكي من العراق ) .. ولم يتوقف البيان لتحديد سمات تلك العملية ، وحيثيات استمرارها ، وطريقة دعمها ، فما اسماه البيان مقاومة في العراق ، وكما اسلفنا ، تركت ومنذ زمن بعيد ، ساحات الاحتكاك بالجيش الامريكي المحتل ، وتوجهت الى اللعب على عدة محاور تختلف في مضامينها ولكنها تلتقي جميعا عند ركن واحد ، وهو تنفيذ عمليات القتل والتهجير واذكاء روح الطائفية ، واستهداف الطوائف من غير المسلمين ، وتهديم دور العبادة ، ونهب مصادر الاقتصاد الوطني ، وتعطيل العملية السياسية الهادفة الى انقاذ الشعب العراقي من براثن الاحتلال وبالطرق السليمه .
لقد افرزت لنا صيغ الحياة العامة في الوطن العربي ، ومنذ الاستقلال ، تطورا حثيثا أظهر تناقضا واضحا لما كانت القوى اليسارية عموما ، والاحزاب الشيوعية على وجه الخصوص ، تحدده كمنطلق لمسيرتها النضالية اليومية ، وهذا لا يعتبر عيبا ، بقدر ما يكون العزوف عن طبيعة التطور الفكري والبقاء ضمن مكابرة بائسة ، لا تريد ان تتغير ، هو العيب بحد ذاته .. فالتطور الاقتصادي ، والذي هو الاساس في حركة التاريخ ، جاء في منطقتنا وبشكل غير الذي كانت تتوقعه ورسمته قوى اليسار في بلداننا ، مما اخل في توازن التوقعات الفكرية ، ووقوعها ضمن حيز ليس لها الخيار فيه ، الا ان تتغير هي الاخرى لتقرر لنفسها مسارا فكريا اخر ، ينسجم وطبيعة المرحله .. إذ ان طبقة العمال في اغلب البلدان العربية ان لم يكن جميعها ، تراجعت عن موقع الصدارة في عملية النضال التقدمي ، وبذلك تراجعت اهم ركيزة لبناء النظام المستند على الاسس الاشتراكية والغاء تحكم رأس المال .. وضعفت حليفتها طبقة الفلاحين ، لتتراجع هي الاخرى امام اكتسابها صفة مغايرة تماما بتأثير الهجرة الى المدينه ، وبفعل ما اصاب الريف من خراب عام ، ادى الى تقلص محفزات الزراعة وافتقاد الدعائم الرئيسية لها من ري وبذور واسناد حكومي متخصص .
في حين ، بقيت البرامج الفكرية ومناهج التنظير السياسي لليسار ، متوقفة عند ذات المفاصل القديمة دون الاستفادة من معالم التطور في هذا المضمار ، واستمرت ذات الترديدات المنهجية المنطلقة عن مؤتمرات تلتها مؤتمرات ، دون ان تتمكن تلك القوى من اجراء تحليل ينزع الى ابتكار صيغ جديدة في النضال ، يجعل منها في مقدمة الركب كما كانت تدعي باستمرار ، وكما هي حقيقة دورها الطليعي ضمن حركة الجماهير .
فأي معنى يقصده المؤتمرون في اللقاء اليساري العربي حينما يقولون في بيانهم الختامي ( ان العنوان الرئيسي لبرنامج التغيير المميز لليسار ، هو في اقامة حكم وطني ديمقراطي بأفق اشتراكي يشكل البديل للانظمة التابعه ، وفي سبيل انجاز هذه المهمه ، تعمل قوى اليسار العربي على اعادة تنظيم صفوف الطبقة العامله والفلاحين والفئات الشعبية كافه والمثقفين التقدميين ، باتجاه لعب دورهم الطبيعي والطليعي في عملية التغيير الديمقراطي ) ؟؟ .. أين هي طبقة العمال في بلداننا العربية واين حلفائها الطبيعيين من فلاحين ومثقفين تقدميين ؟ .. أين ياترى طبقة البرجوازية الوسطى ، صاحبة التاثير المباشر من خلال مساهمتها في عملية بناء الاوطان ؟؟ .. الم تتغير وعلى مدى حقبة واسعة من الزمن ، كامل معالم الاصطفاف الطبقي في منطقتنا ، وبالشكل الذي يدعو لتغيير جزء من قناعاتنا وباتجاه إحداث تغيير مباشر في مجمل مناهجنا الفكرية اليسارية والتقدمية عموما ؟ ..
ويستمر البيان الختامي في اصراره على ركوب ذات الموجة القديمه ، ليردد بان القضية الفلسطينية لا زالت تعتبر القضية المركزية في البلدان العربية ، تلك المقولة التي اودت حتى بالقضية الفلسطينية ذاتها ، لتجعلها ضحية ابنائها قبل ان تكون ضحية اسرائيل .. واصبحت قضية الشعب الفلسطيني المسكين ، رهنا بعراك فلسطيني فلسطيني ، بلغ حدا من اللامعقول ، الى انه وصل الى غاية مساهمة الفلسطينيين انفسهم باغتيال ياسر عرفات وعدد كبير من قادة الفصائل المقاومه ، واستمرت المتاجرة الرخيصة بهذه القضية ولحد الان ، ضمن سلسلة طويلة من المساومات العربية ، لها اول وليس لها آخر ، مما يجعل من المنطقي بمكان ، اعتبار ان عملية التغيير الجذري للانظمة الحاكمة في كل بلد عربي ، واحداث اصلاحات في مجمل الحياة الاقتصادية داخل كل بلد بذاته هي القضية المركزية ، وصولا الى بناء نظام عربي شامل ، قادر على تحقيق الاتحاد الطوعي والمرتكز على التكافل الاقتصادي والاجتماعي ، والظهور امام العالم بمظهر متجانس يكفل لشعوبه حياة حرة وقوية .. حينها فقط سوف تجد القضية الفلسطينية حلها الامثل ، بدل هذا الخوار المستند على طنين الاناشيد الحماسية والترنيمات الفارغة غير الواقعية ، والتي تعودت عليها اسرائيل ، واصبحت لازمة دائمة لعواء يبديه العرب بلا طائل .
لقد ركب القوميون العرب ، اصحاب التجارب المرة في المنطقه ، ولا زالوا ، موجة الاتجار بالقضية الفلسطينية ، وذلك بالوقوف عندها باعتبارها قضيتهم المركزية وحسب ، دون الالتفات الى ما يدعم هذه القضية من اسس لابد من توفرها ، لكي ينتهي المطاف الى ايجاد الحل المنصف للفلسطينيين ، وهذه الاسس هي التي تعتبر قضايا مركزية بحكم المنطق .. وعلى قوى اليسار في البلدان العربية ان تعي هذه الحقيقه ، وان لا تنساق وراء ذات الموجة الوليدة عن طريق اعدائها من قوميين متطرفين احدثوا في القضية الفلسطينية اضرارا بالغة ، لا زالت نتائجها قائمة .

ويحسن اللقاء زعمه الذي تضمنه بيانه الختامي ، حين قال ، بان ( الاضطلاع بهذه المهمات ، يستند الى تعزيز برنامج قوى اليسار في كل بلد عربي ، وفقا لظروفه الملموسه ) .. وهو مسار سليم ، اثبتته تجارب الماضي غير البعيد ، حينما بقيت الاحزاب والقوى اليسارية في بلداننا رهينة شمولية قاهره ، اوحت لها بان تجارب الشعوب كافه ، تتشابه في سماتها ونتائجها ، فاوغلت في مظاهر التقليد الاعمى ، مما افقدها خصوصيتها الضرورية لبناء تجاربها الخاصة ، والمعتمدة على الواقع الفعلي الموجود ضمن ميادين نضالها الوطني .
وان كان ثمة خاتمة لهذا الحوار ، فهي ان اللقاء المنعقد لمجموعة من الاحزاب والمنظمات اليسارية في بيروت ، يعتبر في نهاية تقييمه بكونه خطوة على الطريق الصحيح .. وهي الخطوة التي تكررت الدعوات لتحقيقها من قبل العديد من الكتاب التقدميين وكافة التجمعات الوطنية في منطقتنا ، باعتبارها وسيلة فاعلة باتجاه انقاذ شعوبنا من تسلط القوى الرجعية والسلفية المتطرفه ، ومن اجل احداث نقلة واضحة على طريق التقدم بكافة صنوفه واشكاله .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يسار بائس
عبد القادر أنيس ( 2010 / 11 / 7 - 10:08 )
أقرأ لك لأول مرة، فمعذرة.
أتبنى موقفك من هذا اليسار العربي البائس.
أهم ملاحظة يخرج بها القارئ لبيانات هذا النوع من اليسار هي مدى تأخره في تبني قضايا الديمقراطية والحريات وحق شعوبنا في مواطنة كاملة تتناقض مع الاستبداد السائد، واستمرار تشبثه بالنهج الثوري أو الانقلابي، وهو ما يفسر تبعيته للإسلاميين رغم برامجهم المعادية للحريات والديمقراطية والمواطنة الحقيقية.
مازال هذا اليسار يتحدث عن البديل للرأسمالية في بلدان لم تنجز أبسط قواعد الدولة الوطنية الحديثة التي يمكن أن يبرز فيها صراع طبقي حقيقي.
مازال هذا اليسار يتحدث عن طبقة عاملة ثورية يحلمون بقيادتها بينما تعاني جماهيرنها من غفلة حقيقية بسبب هيمنة الفكر الديني الأوصولي على العقول.
رأيي أن أقرب فكر تقدمي يجب أن نأخذ به في حالتنا العربية البائسة هو الفكر الديمقراطي العلماني اللبرالي عندما يخاطب الناس كراشدين عليهم تحمل مسؤوليتهم والانخراط في النضال السياسي والنقابي والفكري واقتحام مغامرة الحداثة. وعندما يدعو إلى تحالف واسع لكل القوى الوطنية باستثناء الإسلاميين والقوميين العنصريين، وهؤلاء هم حلفاء هذا النوع من اليسار للأسف.
خاص تحياتي


2 - عبد القادر أنيس
سهيل حيدر ( 2010 / 11 / 7 - 10:56 )
يشرفني انك اطلعت على مقالي ، ويعزز موقفي تبنيك لما فيه من افكار .. اتمنى المزيد من التواصل بيننا من اجل ارساء اسس التقدم في بلادنا ودمت بخير


3 - مقتطف من مداخلة التيار اليساري الوطني العراقي
التيار اليساري الوطني العراقي ( 2010 / 11 / 7 - 14:39 )
مقتطف من مداخلة التيار اليساري الوطني العراقي في حوارات اللقاء اليساري العربي

ان مصداقية خطابنا حول الكفاح من اجل الديمقراطية تتقرر في ممارستنا الديمقرطية الحزبية الداخلية في احزابنا،والا فأننا نمارس النفاق السياسي،ان اليسار التجديدي قد ولد من رحم اليسار التأريخي، نتيجة لانعدام الديمقرطية الحزبية والتجاوز على النظام الداخلي،الذي يتضمن قواعد العمل التنظيمية ،تلك القواعد التي تتحدث عن ان الحزب هو اتحاد اختياري ومن حقوق عضو الحزب المساهمة في رسم سياسته،اما واقع التجربة فيقدم لنا ممارسة مناقضة تماما لهذه القواعد،مما ادخل اليسار اضافة الى العوامل الموضوعية في ازمته الراهنة .
ـ لقد تولدت عشرات الاحزاب المنشقة عن هذه الاحزاب الرئيسية، والتي أتهمت جميعا بالخيانة،التحريف،التطرف،العمالة..الخ من القائمة الطويلة الجاهزة لتشويه سمعة هذه الاحزاب،وينطبق الامر ذاته على العضو،اذ تصل درجة محاربته من الاشاعة المغرضة للاساءة الى سمعته حتى التصفية الجسدية.إن السجن سوف يكون اول ما تقيمه اي حركة من هذه الحركات مع اول متر مربع تسيطر عليه، وسيكون اول سجين لديها ليس عدوا، بل عضوا من اعضاء الحركة ذاتها


4 - تتمة مقتطتف من مداخلة التيار اليساري الوطني
التيار اليساري الوطني العراقي ( 2010 / 11 / 7 - 14:41 )
لمجرد الاختلاف بالرأي، فالقمع هو الخطوة الاولى في محاولة منع هذا الرأي من الانتشار ، ويمكنني هنا ايراد عشرات بل مئات الامثلة، ارجو منكم تسجيل اسم الشهيد مشتاق طالب -( منتصر) كمثال صارخ على هذه الممارسة في التجربة العراقية.

تشترك جميع التيارات الثلاث الشيوعية والقومية والاسلامية ، وان على درجات متفاوتة، بثقافة النفاق السياسي، سواء على صعيد علاقاتها الداخلية مع أعضائها، أو على صعيد علاقات بعضها بالبعض الاخر، فهي جميعا تستخدم لغة منافقة، بالادعاء بحق الاعضاء في المساهمة في رسم سياسة الحزب، وممارسة الديمقراطية الحزبية الداخلية،لكنها في واقع الحال تمارس سلطة الزمرة ـ الزعيم مع اختلاف التسمية (مكتب سياسي ـ قيادة قطرية ـ مجلس شورى اومجلس جماعة)، سلطة قمعية رافضة لاي دور حقيقي للاعضاء في تحديد برنامج الحزب، وليس أمام العضو الا طريق واحد، هو طريق نفذ ثم ناقش. ولنا في جريمة بشتآشان التي ارتكبها المجرم جلال الطالباني ضد الانصار الشيوعيين مثالا صارخا على الكيفية في حل الخلافات الثنائية . يرجى الاطلاع على ملف الجريمة على موقع بشتآشان.

اخر الافلام

.. نبيل بنعبد الله: انتخابات 2026 ستكون كارثية إذا لم يتم إصلاح


.. بالركل والسحل.. الشرطة تلاحق متظاهرين مع فلسطين في ألمانيا




.. بنعبد الله يدعو لمواجهة الازدواجية والانفصام في المجتمع المغ


.. أنصار ترمب يشبهونه بنيسلون مانديلا أشهر سجين سياسي بالعالم




.. التوافق بين الإسلام السياسي واليسار.. لماذا وكيف؟ | #غرفة_ال