الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخلاف والاختلاف

إبراهيم عبدالمعطي متولي

2010 / 11 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


"الخلاف" و"الاختلاف" كلمتان لا يفرِّق بينهما في الكتابة إلا زيادة حرفين في الكلمة الثانية هما "ألف الوصل" و"التاء". هذان الحرفان كان لهما أثر كبير في ابتعاد معنى الكلمة الثانية عن معنى الكلمة الأولى. "الخلاف" تحمل معنى سلبيا، إذ تدل على تناقض بين شخصين أو فريقين في الرأي، ولا توجد بينهما نقاط التقاء، لا لشيء، سوى أن كل طرف لا يحاول مد جسور التفاهم إلى الآخر، فيظل كل منهما على شاطئ، وبينهما نهر لا يجمعهما ماؤه. أما "الاختلاف" فإن معناها إيجابي، يقوم على التواصل بين الطرفين عندما يعطي كل منهما نفسه فرصة مراجعة أفكاره. ويمتاز المختلفون بالسلوك الحضاري الذي يقي أصحابه من الميل إلى الهوى، بأن يسوق كل طرف حججه الدالة على صدق ما يؤمن به، دون أن يحاول أن ينتقص من الآخر أو يقلل من شأنه.
ينتج عن "الخلاف" الحروب والصراعات والأضغان، ويفضي "الاختلاف" إلى خروج كل طرف من الجدال محترما الطرف الآخر، فيسود السلام، وتتكرر اللقاءات التي تسودها المودة.
"الاختلاف" سنة الكون، يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، ويقول أيضا: (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم). بالاختلاف يحدث التنوع في الكون، يضيف كل عنصر إلى العنصر الآخر، ويتعرف كل فرد وكل فريق من بني البشر على ما لدى الآخرين، فينشأ التكامل ويأتي التجديد، فلو كان العالم كله على شاكلة واحدة لأصاب الملل البشر، ولم يكن لدى الإنسان الدافع للإبداع، ذلك أن الإبداع تجديد، ولو لم تكن هناك فرصة للتجديد لظللنا نقلد آباءنا وأجدادنا، وفي هذه الحالة تستمر الحياة على نمط واحد، والنتيجة السكون والجمود وانعدام التطور. وهنا نتفق مع أحمد زياد محبك في مقاله "حق الاختـلاف" على موقع "المبدعون العرب" عندما يقول: "إن حق الاختلاف يدل على تجدد الحياة وخصبها، وعلى تنوعها، كما يدل على أن المجال مفتوح دائماً للبحث والاختيار والتجديد والاختلاف، وتلك هي متعة الحياة وروعتها، فهي ليست شكلا واحدا، ولا نسخة متكررة".
في ندوة عقدتها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالتعاون مع جامعة الزيتونة في تونس عام 1998، قدمت الدكتورة إقبال الغربي بحثا –موجود على موقع المنظمة- ذكرت أن الدراسات أثبتت "أن القدرات العقلية للفرد لا يمكنها أن تتطور إلا مع الآخر المختلف أي في ظل الصراعات المعرفية، التي تشكل المجال الأفضل للتطور الذهني والمعرفي، ومعنى ذلك أن التفاعل الاجتماعي، يمكّن الفرد من بناء أدوات ذهنية جديدة تساعده على مزيد من المشاركة في تفاعلات اجتماعية أكثر تطوراً وأكثر تعقيدا"، أي أن الاختلاف يقود إلى ثراء المعرفة وإلى التعاون الذي يفيد المختلفين. الاختلاف يحتاج إلى قدر من العلم، حتى يكون كل طرف قادرا على إيراد حججه المقنعة. أما الخلاف فإنه يكون في الغالب نابعا من الجهل، يتخذ كل طرف جانبا، لإيمانه بآراء مسبقة غير مستعد للتنازل عنها، وإن حاول أحد أن يزلزل ما يؤمن به فإن نصيبه الهجاء والهجوم، وهذا ما أدركه الإمام الشافعي عندما قال: "ماجادلت عالما إلا غلبته، وما جادلني جاهل إلا غلبني".
ما أجدرنا بثقافة الاختلاف وزرعها في أبنائنا، ليضيف كل منا إلى الآخر، يضيف الأب إلى أبنائه ويضيفون إليه، وتنمو المعرفة بين الأستاذ وتلامذته حين يكون النقاش القائم على الحجة أساسا للتعامل بينهم. وتكسب البشرية كثيرا عندما تفسح المجال للتنوع الخلًّاق الذي يضيف إليها ولا ينتقص منها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في