الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - أغرقوا تراتيل -سيدة النجاة- بالدماء !

رضا الظاهر

2010 / 11 / 10
الارهاب, الحرب والسلام


تأملات
بينما يتواصل استعصاء أزمة تشكيل الحكومة، ويتفاقم سخط الملايين جراء معاناتهم المريرة، ويشيع المزيد من أجواء خيبة الأمل، ويستمر خلط الأوراق بين القوى السياسية المتنفذة، وتطلق التصريحات المتناقضة والاتهامات والتهديدات المتبادلة والاستقواء بقوى خارجية واقليمية في لعبة الكراسي، تتوالى الانتكاسات الأمنية الخطيرة في أجواء الفراغ السياسي المستمر منذ ثمانية أشهر والذي يوفر مناخ اقتراف الارهابيين جرائمهم وسط وضع أمني هش.
ولعل الأفظع بين هذه الانتكاسات جريمة قتل الرهائن الأبرياء في كنيسة "سيدة النجاة" ببغداد يوم الأحد الحادي والثلاثين من تشرين الأول الماضي، وتلتها بعد يومين تفجيرات الثلاثاء الدامي، وقبلها تفجيرات كركوك المروعة، وبينها جرائم ارهاب هنا وهناك، وخصوصاً في العاصمة.
وفي ظل المصائب العراقية التي قلّ نظيرها راحت التساؤلات ترتسم على الوجوه الحائرة الغاضبة: الى متى سيظل الارهابيون قادرين على الامساك بزمام "المبادرة" واستغفال قوات الأمن والوصول الى أهدافهم ؟ ومتى ستتخلص قوات الأمن من حالة خدرها المزمنة ولامبالاتها بالتحذيرات المسبقة ؟ متى ستعزز كفاءتها وترسى على أساس المواطنة ؟ متى سترتفع القوى السياسية، المتنفذة خصوصاً، الى مستوى التحديات ؟ متى يتخلى المتنفذون عن لامبالاتهم بحياة الناس ومصائر البلاد وسط صراعاتهم المقيتة على المغانم ؟ متى سيدرك المعنيون أن الحديث عن مكافحة الارهاب مجرد وهم ما لم يرتبط باجراءات اجتماعية اقتصادية سياسية ثقافية ؟ متى يكف "البعض" عن المراهنة على الارهاب وتحريكه في اللحظات المطلوبة لأغراض سياسية ؟ متى سيكف الجيران عن تغذية قوى الشر ودعمها ؟ ومتى سيكف "المحررون" عن تخبطهم ؟ وأخيراً وليس آخراً متى ستنتهي منهجية المحاصصات، أم البلايا ؟
ويتجلى مغزى التصعيد في هذه الفترة بارتباطه بالصراع السياسي الراهن المحتدم، وتوجيهه رسائل الى أكثر من جهة بمرامٍ متعددة بينها تعطيل تشكيل الحكومة حتى يستمر الفراغ السياسي والمناخ الملائم لانتكاسات أمنية جديدة تسهم في إجهاض العملية السياسية.
ومما يبعث على مزيد من الترويع والالتباس تلك التصريحات التي يطلقها "المحررون" وبعض القادة الأمنيين بشأن احتمالات المزيد من التدهور الأمني. ويلفت الأنظار أن الحديث يتصاعد، وفي كل مرة كالعادة بعد وقوع الجرائم، عن تشكيل لجان تحقيقية لا يعرف الناس عنها وعن نتائج تحقيقاتها شيئاً، مثلما لا يعرفون عن مصائر معظم المجرمين والاجراءات المتخذة بحقهم، ليكتشفوا أن هذا انما لتهدئة الخواطر وذر الرماد في العيون.
وفي سياق هذه الالتباسات تحدث مسؤولون عن "نجاح" عملية تحرير رهائن كنيسة سيدة النجاة وسط العدد المروع من الضحايا، وراحوا يصرحون بقدرة قواتهم على ضبط الأمن لتأتي، بعد يومين حسب، تفجيرات الثلاثاء الماضي فتفضح زيف تلك التصريحات المجانية المضللة. ويعرف ملايين المحرومين وأهل المعاناة من نساء ورجال هذه البلاد أن حكام المحاصصات يستغفلونهم ويضحكون على ذقونهم.
أما الظلاميون ذوو النزعات المريضة فلم يشبِع نهمهم ما فعلوه، العام الماضي، بكنيسة "تهدئة العبرات" في شارع فلسطين وكنيسة "سيدتنا ذات القلب المقدس" في حي المهندسين، فراحوا، بشريعة غابهم، وشلل رادعهم، يصولون ويجولون، ليقتحموا هذه المرة كنيسة "سيدة النجاة"، فيجهزوا على من كانوا ينشدون التراتيل، ويحاولوا ايقاف الأجراس عن أن تقرع، وينشروا الرعب في مهاجع القديسة العذراء التي جاء في الكتاب العزيز عنها: "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين".
نحن أمام كائنات آتية من غابات وحوش تريد باسم "الاسلام" قتل من أحلّ الله في قلوبهم رأفة ورحمة وفيهم قال "وقفّينا بعيسى ابن مريم، وآتيناه الانجيل، وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة".
* * *
يريد بهائم الكهوف إبادة التنوع الثقافي والتسامح الديني في بلاد ظلت، حتى زمن قريب، مثال هذا التنوع والتسامح. ولعل من بليغ الدلالة أن نذكّر، في هذا السياق، بما قاله خلف بن المثنى: "شهدنا عشرة في البصرة يجتمعون في مجلس لا يُعرف مثلهم في الدنيا علماً ونباهة، وهم الخليل بن أحمد صاحب النحو (وهو سني) والحميري الشاعر (وهو شيعي) وصالح بن عبد القدوس (وهو ثنوي) وسفيان بن مجامع (وهو خارجي) وبشار بن برد (وهو شعوبي) وحماد عجرد (وهو شعوبي) وابن رأس الجالوت الشاعر (وهو يهودي) وابن نظير المتكلم (وهو نصراني) وعمر بن المؤيد (وهو مجوسي) وابن سنان الحرّاني الشاعر (وهو صابئي). كانوا يجتمعون، فيتناشدون الأشعار ويتناقلون الأخبار، ويتحدثون في جو من الود حتى لا تكاد تعرف منهم أن بينهم هذا الاختلاف الشديد في ديانتهم ومذاهبهم".
من أين جاء بهائم الكهوف الى بلاد التسامح والنور !؟
يتوهم من يظن أن هذه الدماء البريئة، التي تسيل في الكنائس والمساجد والشوارع، يمكن أن تخنق التراتيل وتمنع ينابيع السلام والمسرة من أن تعمر قلوب أهل ما بين النهرين الأخيار ..
هذه البلاد التي تفتِّت روحَها المحن ستنهض من رماد وخنوع، وهي تحمل رايات الجدل والأمل، وتتحدى أعداء الحياة، وتمضي بأطيافها صوب السلام والمسرة !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ويقولون عنه عصر الجاهلية ...!؟
سرسبيندار السندي ( 2010 / 11 / 10 - 16:50 )
فقط تحياتي لك ... ولا تعليق


2 - من اخلاق الفرســــان النبلاء
كنعان شـــــماس ( 2010 / 11 / 10 - 21:24 )
لايقدم على قتل الاســــير الاعزل الا من لانصيب له في الشرف والنبل والدين فكيف بمن يقتل مومنين راكعين ساجدين في محراب اقيم لتكريم مريم العذراء ا م عيسى المسيح التي وحدها تفردت بالذكر والثنـــــاء في القران وفضلت على نساء العالمين ... ليس لنا الا ان نكرر كلمات اصغر شــــهداء مريم الطفل ادم ثلاث سنوات كافي... كافي ... كافي الى ان تعب بعد اربع ساعات من الصراخ وغادر هذا العالم تحية للاستاذ رضا والى كل من يقول كلمة حق في هذا الحزن الكبيــــــر

اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة