الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية الحقيقة بدون النظارة الأمريكية

محمود عبد الرحيم

2010 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


النكسة التى مُنى بها الديمقراطيون في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، وسيطرة الجمهوريين على مجلس النواب الأمريكي، لم تكن إلا تصويتا على مصداقية الرئيس الأمريكي أوباما، وتأكيدا لفشل إدارته على مدى عامين، فضلا عن دور اللوبي الصهيوني في وضع طوق في رقبة الرئيس "المفوه" صاحب الشعارات الجوفاء، حتى لا يجرؤ على التحرك للضغط على الكيان الصهيوني خلال ما تبقى من فترته الرئاسية، وأنما عليه أن يسير وفق الهوى الصهيوني، ويقدم المزيد من الدعم لكيانهم العدواني المغتصب للأراضي العربية، خاصة إذا كان راغبا في البقاء على الكرسي الرئاسي لفترة ثانية، الأمر الذي يجب أن يسدد ثمنه مقدما.
إذا كانت هذه هي الصورة، وشعبية الرئيس الأمريكي وإدارته بهذا التراجع داخل الولايات المتحدة، ويبدو، كما هو جلي، في أقصى درجات الضعف والعجز..فكيف لنا كعرب أن نعول عليه بهذا الشكل الواهم، وننتظر أن يقوم بفعل السحر لحل القضية الفلسطينية، أشد قضايا العالم تعقيدا؟، فالمعادلة واضحة ونتائجها صفرية بحسابات المنطق والتقديرات السياسية والاستراتيجية التى لا تحتاج إلى كثير جهد.
ويحضرني هنا قول الشاعر العربي القديم الذي يلخص هذه الوضعية بإقتدار حين يقول"أعمى يقود بصيرا لا أب لكم.. قد ضل من كانت العميان تهديه".
فليس من المنتظر أن تتحرك الإدارة الامريكية بشكل جدي، أو تمارس ضغوطا على الكيان الصهيوني.
وقلنا غير ذات مرة ان الأمر لا يرجع فقط لغياب الرغبة أو القدرة على هذا الفعل، وأنما أيضا لوجود شراكة بين كل من واشنطن وتل أبيب وأجندة مشتركة بشأن المنطقة وتصورات التعاطي معها، ليس من بينها حل عادل وشامل للصراع العربي الإسرائيلي، وأنما فرض تسوية قهرية بمنطق إملاءات المنتصر على المهزوم، فضلا عن مواصلة السياسات الاستعمارية القذرة التى تتجاوز أية مبادئ قانونية أو أخلاقية، وتنهض على مبدأ"فرق تسد" وإفتعال أزمات تحرف الأنظار بعيدا عن القضايا الملحة الجوهرية، وتحقق مكاسب متعددة لكل من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة.
وهذا يتجلى بوضوح مؤخرا في الدعم الأمريكي لفصيل ضد آخر في لبنان والإصرار على ما يسمى ب"دعم المحكمة الدولية الخاصة بمقتل الحريري" التى من الأساس تم تسيسها لتنحرف عن دورها في كشف الحقيقة إلى ممارسة ضغوط وإبتزازات وإشعال للفتن داخل لبنان، على نحو يصب في المصلحة الصهيو أمريكية، مثلما جرى على الساحة الفلسطينية من وضع عراقيل في طريق المصالحة، ومساندة طرف في مواجهة آخر، والشئ نفسه في السودان من دعم التوجهات الإنفصالية والضغط على الحكومة الشرعية لتسهيل إستفتاء الجنوب الذي يرمي إلى تقسيم السودان وخلق كيان تابع لواشنطن وتل أبيب يخلخل التوزانات الأقليمية ويزرع شوكة في الخاصرة العربية.
وليس بعيدا عن هذه الألاعيب الإستعمارية البغيضة، ما يجري في العراق من إفساد محاولات تشكيل الحكومة بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على نتائج الإنتخابات البرلمانية، ودعم مرشح ثم التخلي عنه لصالح المنافس، ودعم كتل ضد كتل، واللعب بمصير هذا الشعب، فضلا عن أنها بالأساس المسئولة عن تدمير هذا البلد العربي الكبير وتفكيك مؤسساته ونسف سيادته وجعله ساحة للقتل وتصفية الحسابات الأقليمية والدولية وهي الجريمة التى يجب ألا تغيب عن ذاكرتنا مهما مر الوقت.
وأنا شخصيا لا أ ستبعد أن يكون ثمة أدوار قذرة لواشنطن وتل أبيب في التفجيرات المتتابعة في توقيتات بعينها داخل العراق، والتى كان آخرها "عملية كنيسة سيدة النجاة" التى تؤجج الصراع الديني الإسلامي المسيحي، بعد أن نجحا في إشعال الحرب السنية الشيعية وتقسيم العراق على أسس عرقية وطائفية، كل طرف يتناحر مع الآخر، ولا يثق في أخيه وشريكه في الوطن الواحد.
وهي العدوى التي أعترف بالتخطيط لها رئيس جهاز الاستخبارات الإسرايئلية ذاته قبل رحيله عن منصبه، ولم تسلم منها حتى مصر أكبر حلفاء أمريكا وإسرائيل في المنطقة، حيث تطايرت بعض شرارتها لمصر، وفتحت الباب لفتنة طائفية ما تزال مؤقتا "تحت السيطرة"، وإن كانت أحدثت أثرا واضحا في اليمن"غير السعيد" وجعلته بؤرة للصراعات المسلحة ولدعاوى الانفصال، وسهلت للأمريكان مواصلة خطابها المشكوك فيه عن هذا العدو المخترع منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أو بالأحرى "فزاعة الارهاب" و"الحرب على القاعدة" في الجزيرة العربية، اللذين تشهرهما لمزيد من السيطرة والتحكم في مقدرات المنطقة وابتزاز حكامها الذين يجلسون على مقاعد مهتزة وفاقدة للشرعية الشعبية، وتبحث عن دعم خارجي دائم، ولو على حساب الاستقلال الوطني.
فهل بعد كل هذه المعطيات وغيرها، يمكن أن نثق في الولايات المتحدة أو الكيان الصهيوني؟ ونتحدث عن دور أمريكي وإمكانية للسلام مع إسرائيل؟
أم أننا في حالة غيبوبة ولا نريد أن نفيق من الوهم ونتعامل بجدية مع الأخطار المحدقة، ونعترف أن كل من واشنطن وتل أبيب عدوان تاريخيان، علينا أن نواجههما معا بقوة وحزم وبكل السبل الممكنة، إن كنا نريد أن نحافظ على وجودنا، وليس على حدودنا فقط المهددين.
إذا كانت تركيا التى كانت تحتفظ حتى وقت قريب بعلاقات متميزة مع إسرائيل، وبينهما مصالح استراتيجية حيوية، تعتبرها تمثل خطرا استراتيجيا عليها، فما بالنا نحن ولدينا مع هذا الكيان ميراث من الدم والعداء وصراع الوجود والحدود؟.
ولا أرى مبررا أن يشارك كبار المسئولين العرب، ومن بينهم الأمين العام للجامعة العربية في "منتدي السلام" بأبو ظبي في هذا التوقيت بالذات، للحديث عن تهيئة الأجواء لعملية السلام، ولا يبحثون الخطر الأمريكي الإسرائيلي على المنطقة، أو يعقدون مؤتمرا لدعم المقاومة، وترتيب البيت العربي من الداخل عبر إنجاز المصالحة بين أطرافه المتصارعة.
ولا يفوتني الحديث هنا،عن الدور المثير للريبة الذي صارت تلعبه أبوظبي التى فاقت من نومها فجأة لتبحث عن دور بالتورط في التطبيع وكل ما يتعلق بإسرائيل، من منح إسرائيلية جائزة في مهرجانها السينمائي الأخير، ودعوة وزير اسرائيلي للمشاركة في مؤتمر للطاقة قبل أشهر، والآن تستضيف مؤتمرا حول السلام؟!
ولا أستوعب كذلك إصرار القاهرة على الحركة بإتجاه الكيان الصهيوني، وقيام كبار مسئوليها بزيارة تل أبيب مؤخرا أكثر من مرة، وتسريب خبر الدعوة لمؤتمر دولي لإنقاذ عملية السلام ثم المسارعة بنفيه، ثم الحديث عن فرصة للسلام، والتهيؤ لزيارة واشنطن لنفس الغرض خلال أيام، وكأنهم لا يعرفون أن هذا الجهد ليس سوى "حرث في البحر"، وحركة خاطئة في التوقيت الخاطئ والمكان الخاطئ، ومضيعة للوقت سيعترفون بها إن آجلا أو عاجلا.
فلا ضغط أمريكي منتظر، ولا سلام على الأبواب، وأنما حركة في ذات المكان، والرابح كالعادة أمريكا وإسرائيل، طالما لا نريد أن نعترف بخطأ الرهان، ونرى الحقيقة بدون النظارة الأمريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس الأوكراني: الغرب يخشى هزيمة روسيا


.. قوات الاحتلال تقتحم قرية دير أبو مشعل غرب رام الله بالضفة




.. استشهاد 10 أشخاص على الأقل في غارة جوية إسرائيلية على مخيم ج


.. صحيفة فرنسية: إدخال المساعدات إلى غزة عبر الميناء العائم ذر




.. انقسامات في مجلس الحرب الإسرائيلي بسبب مستقبل غزة