الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المحتل الفاشل

محمد سيد رصاص

2010 / 11 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


روى أحد الشيوعيين العراقيين لكاتب هذه السطور،في دمشق عام2004،أن صحافية أميركية ،مقربة من دوائر صنع القرار في واشنطن"وتعتبر من خبراء الشرق الأوسط"،أتت في الأسبوع الأول الذي أعقب سقوط بغداد بيد القوات الأميركية في يوم الأربعاء 9نيسان إبريل2003من أجل معاينة الأوضاع العراقية عن كثب.في الأسبوع التالي لمجيئها كان هناك أربعين الإمام الحسين الذي توافدت من أجله قوافل مليونية على الطرق المؤدية إلى كربلاء. عند رؤية تلك الصحافية لأحد تلك الحشود،وأمام مالمسته من طزاجة الحزن على الحسين،قامت بسؤال المترجم المرافق لها السؤال التالي:"متى قُتِل؟"،مفترضة أن ذلك حصل قبل أشهر أوأيام،قبل أن يقول لها المترجم بأن ذلك قد حصل قبل ثلاثة عشر قرناً(الأربعاء10أوكتوبر680ميلادية،حسب تحديد يوليوس فولهوزن في كتابه :"الخوارج والشيعة").
لم يكن الحاكم الأميركي الأول للعراق غاي غارنر(الذي أوفده الرئيس الأميركي بذلك الشهروالذي قال- أي بوش الإبن - على ظهر تلك البارجة "أن المهمة قد أُنجِزت"بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد) في وضع أكثر معرفة بالعراق من تلك الصحافية،وحتى بول بريمر ،الذي أتى خلفاً لغارنر في الشهر التالي،فإن مذكراته عن العام الذي قضاه في العراق، عند مقارنتها بأوراق البريطانية جيرتروود بيل التي يعنون عبد الرحمن منيف مقدمته لتلك الأوراق ب"المرأة التي أنشأت دولة(عراق1921)ونصبَت ملكاً(فيصل بن الحسين)"،تظهر الفرق الشاسع في معرفة العراق ،الذي قال عنه أحمد داوود أوغلو عام 2003"بأنه مكثِف مكاني لتاريخ المنطقة ومكوناتها"، لصالح لندن،التي كان كتاب الشهرستاني:"الملل والنحل"،منذ ترجمته إلى الإنكليزية في عام1843،من المواد الأساسية لدراسة الدبلوماسيين البريطانيين قبل ايفادهم إلى العالم الاسلامي.
إذا أراد المرء استخدام المسطرة الأميركية،التي أتت بها الفلسفة البراغماتية حيث تقاس السياسات بنتائجها والأفكار بنجاعتها العملية،فإن تطبيق تلك المسطرة على سبع سنوات ونصف من الإحتلال الأميركي للعراق،التي قال وزير الخارجية الأميركي كولن باول قبيل قليل من حصوله أن هدفه"هو إعادة صياغة المنطقة"،يظهر الفشل الذريع لواشنطن ليس فقط في"تلك البوابة العراقية"وإنما أيضاً في عموم المنطقة الممتدة بين كابول وشرق البحر المتوسط.ربما،في هذا المجال،تعطي الأدوار القوية والأكثر تأثيراً التي أخذتها الدول الاقليمية المحيطة بالعراق ،في المساعي الهادفة لتشكيل حكومة عراقية بعد انتخابات برلمان7آذارمارس2010،صورة مكثفة ومجملة عن حصيلة الجهد الأميركي في بلاد الرافدين .
ليس الوضع في أفغانستان،بعد احتلال أميركي عمره تسع سنوات،أنجح عند واشنطن،والفرق هنا أن القوى الأفغانية المقاومة ،أي(طالبان)و(الحزب الاسلامي- حكمتيار)،هي التي قلبت الطاولة المحلية فوق رأس الأميركان،فيمافي بلاد الرافدين لم تنجح المقاومة العراقية في أن تجعل التوازنات لصالحها أوتفرض نفسها رقماً أساسياً كمافي كابول2010وجزائر1961،وإنما نتج الوضع الذي هو لغير صالح واشنطن في العراق عن أن القوى المحلية التي كانت ظهيرة للغزو(ثم للإحتلال وبعده دخلت في"السلطة العراقية") لم تكن موالية للأميركان،كماكانت حكومة فيشي الفرنسية بزعامة بيتان في زمن الإحتلال الألماني،وإنما ذات مرجعيات وولاءات اقليمية عند طهران(="المجلس الأعلى للثورة الاسلامية"بقيادة آل الحكيم ،و"حزب الدعوة")أوأصبحت لاتريد لاحقاً وضع بيضها كله في سلة واشنطن(=الحزبان الكرديان)،وهو ماينطبق على قوى تشكلت بعد9نيسان2003مثل(الصدريون) الذين بعد تردد لسنوات مالوا لصالح ايران،فيما نجد أن قوة جديدة، مثل"القائمة العراقية" ،ولاءاتها اقليمية عند الجوار العربي للعراق.
هذا الوضع جعل عراق2010ساحة لصراعات"الآخرين"، وهو ماكانت الموازين فيها لغير صالح واشنطن،الأمر الذي لاينطبق على أفغانستان حيث الجوار إما ضعيفاً ومضطرباً(=باكستان)أوأنه ضعيف الإمتدادات المحلية(=ايران)،ولكن ليكون العامل الأفغاني المحلي في موقع (الإقليمي) الذي هو الآن، بأطرافه المتعددة ،هو الممسك بمجرى العراق ضد واشنطن .
ربما،هنا،تقود التجربة العراقية إلى تبيان حدود قوة "الإمبراطورية الأميركية"و"القطب الواحد للعالم":ليس الأمر متعلقاً،في هذا المجال،بالقوة المجردة،وإنما بطريقة رؤية العالم عند قوة عالمية،أصبحت لأول مرة في عام1989في وضع تكراري لوضعية روما إثر معركة أكتيوم بعام31قبل الميلاد كقطب وحيد للعالم،حيث من الواضح أن الأميركي،الإنعزالي بطبعه كمهاجر والذي ينظر للعالم منذ مبدأ مونرو(1823) عبر جدار عزلته من وراء المحيطات وهو كمهاجر بدون ماضي يضعه خلفه عندما يهاجر إلى مجتمع حديث النشأة ومتعدد التكوينات ولايملك تاريخاً،"يميل فقط إلى التقيد بتجربته الخاصة التي انبنى عليها ادراكه للأمور"وفق تعبير أليكسيس دو توكفيل في كتاب"الديمقراطية في أميركا"(1836)،وليقوم وفقاً لذلك إلى مماثلة وتعميم تجربته الخاصة على العالم وللنظر إلى الأخير عبرها ،ف"الأميركي أكثر ميلاً لإستعمال الأفكار العامة من الإنكليز" حسب توكفيل،بخلاف الإنكليزي الذي ينظر إلى كل حالة بمفردها ولايميل للتعميم،وهو ماجعل لندن ذات إدارة ناجحة لتلك الإمبراطورية التي كانت لاتغيب عنها الشمس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فايروس العبودية
جواد كاطم ( 2010 / 11 / 13 - 19:39 )
يبدو ان فايروس العبودية ينتقل وراثيا من الاجداد الينا مهما تعلمنا وتمدنا

اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل