الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كارولي شنيمان وبهجة اللحم

يوسف ليمود

2010 / 11 / 12
الادب والفن


يكفي أن نستدعي العمل الأول الذي أطلقته كارولي شنيمان وانطلقت به في سماء الفن الطليعي المتمرد مطلع الستينات، "بهجة اللحم" كان اسمه، وهو اسم كفيل بجعلنا نحدس البعد الثوري في روح وأعمال هذه الفنان الرائدة التى من الظلم حصرها في حيز ممارسة فنية بعينها كالبرفورمانس أو فن الفيديو أو التصوير. إنها تصر على وصف نفسها بالمصورة الرسامة "أنا رسامة وسأظل رسامة وسأموت رسامة". أما عروضها الأدائية المحفورة في ذاكرة تاريخ فن البرفورمانس وفي تاريخ النسوية عموما، لم تكن بالنسبة لهذه الفنانة سوى تكسير لإطار اللوحة وتوسيع حيزها الفراغي وبالتالي هي فرصة للحم الحي، الذي هو جسد الفنانة، لاختبار تحولاته كما لو أنه لوحة تنمو وتنبني عناصرها وتتحول رموزها مع رحلة التطور الأدائية. بهجة اللحم إذن، كما يشي الاسم، هو طقس جنسي مفرط المتعة، كما هو احتفالية باللحم كمادة: سمك نيئ، دجاج، سجق، ألوان سائلة، حبال، بلاستيكات شفافة، فُرَش، ورق... مع أجساد عارية تتمرغ في هذا الخليط كثيف الحضور، في عنفوان التمرغ والصراخ واللعب المتناوب بين الرقة والوحشية، بين حضور الوعي وغيابه. هل نرى في هذا العمل، الذي كان الغاية منه أصلا الخروج بعدد من الصور الفوتوغرافية، وتوثيق بالفيديو، ظلا لأعمال الفنان النمسوي هيرمان نيتش (تناولناه في عدد سابق)؟ أيا كان الأمر، فالظرف التاريخي، العبثي بالأحرى (مجازر فيتنام والانتحارات اليومية، فرادى وبالجملة، والاغتيالات اليومية كذلك، حيث لم تكن من أرض تحت أقدام أحد)، كان لابد أن ينتج عنه، كرد فعل، مثل هذاالعمل. لكن خطوة أكثر إيغالا في الأعماق كانت في عام 1975 حين وقفت هذه الفنانة في احد عروضها عارية أمام الجمهور واخذت تُخرج ببطء من رحمها مطوية ورقية دقيقة طولها متر تقريبا، كانت قد أدخلتها في الرحم قبل العرض، وبدأت في قراءة المكتوب فيها، وهي نصوص تعارض التحيز ضد المرأة. ما كان يتكلم هنا هو رحم المرأة بشكل مطلق، وليس لسان الفنانة الشخصي الصغير. إنه تأكيد على (الأنا أنثى، هنا والآن وإلى الأبد)!

عودة الى سنوات الستينات، إلى بداية سنة سبعين، نراها في عدد من أعمال متعددة الوسائط منها: فيلم فيديو مدته ثلاثون دقيقة، هو بورتريه شخصي، ظهرت فيه مع رفيقها المؤلف الموسيقي جيمس تايني، يمارسان الحب، في حين تبرق الكاميرا باحساس يتناوب اللعب والرقة والتقبيل ومص الأعضاء، وقطة البيت تراقب، ولقطات بارقة للعضو الذكري ومقابِله الأنثوي، والجسدان يتقلبان في فحيح النشوة وتقلصاتها السعيدة. "أردت أن أعرف إذا كان هناك أي تقابل بين تجربة فعل الحب التي عشتها وبين ظلال تلك التجربة على الشاشة، كما أردت أن أضخّ الطاقة الجسدية في مادية الفيلم، بحيث يتلاشى الفيلم، كفيلم، في سبيل إعادة انتاج فعل الحب بنفس الكثافة كما في فعل الحب نفسه. إنه فيلم مختلف عن أي عمل بورنوغرافي آخر يمكن أن تراه، وهذا يبرر لماذا يقبل الناس على مشاهدته حتى اليوم. إنه بعيد عن كونه سلعة، ولا ثمة فيتيشية فيه".

في "كولاج جسدي" دهنت شنيمان جسمها بعجينٍ سائل ثم لفّت نفسها في ورق ممزق، فبدا جسدها في النهاية أشبه برباط طبي! أما في "بورتريه، بورتريه" الذي نفذته 1970، وهو عمل فوتوغرافي تجميعي، صوّرت الفنانة، بعدسة زوم "كلوز اب"، عددا من اللقطات التفصيلية لأماكن الايروتيكية في جسمها: الشفاه، الفم، العين، الحلمة، الفرج، فتحة الأنف، فتحة الشرج... "أردت لجسدي أن يندمج في العمل ليصبح جزءا لا يتجزأ من المادة، بعداً آخر من بنية العمل، أنا خالقة الصورة وأنا الصورة، الجسد قد يظل المثير، الراغب والمُشتَهى، لكنه يبقى مرصودا، مشارا إليه، معادةً كتابته بنص من ضربات ولفتات وإيماءات، مكتشِفا، من خلال إرادتي، أنثويته الخلاقة".

لا تزال كارولي شنيمان تحيا وتتحرك مع الأحياء، تتكلم بوعي الحكيم، وتنظر في عين محدثها مباشرة، منسحبة إلى هدوء العزلة لكنها ما تزال تنتج، في الغالب كرسامة مصورة. في 1986 نفذت عملا متعدد الخامات على الورق: أكريليك، طباشير، رماد، واهدته إلى فنانة شابة رحلت مغدورة في عنفوانها: "يد وقلب، إلى آنا ماندييتا".

يوسف ليمود
م. جسد
يتبع: آنا مندييتا .. الأرض حدساً لجسدها، الأرض حقلاً لفنها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا


.. شكلت لوحات فنية.. عرض مُبهر بالطائرات من دون طيار في كوريا ا




.. إعلان نشره رئيس شركة أبل يثير غضب فنانين وكتاب والشركة: آسفو


.. متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا




.. أون سيت - هل يوجد جزء ثالث لـ مسلسل وبينا ميعاد؟..الفنان صبر