الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آخر البؤساء..

فاضل الخطيب

2010 / 11 / 13
الارهاب, الحرب والسلام


آخر البؤساء..
إيمان الأعمى، تجاهل الواقع بجمود فكري غير معقول، إصرار على بعض المُثل والمبادئ التي يعتبرها عليا، لا يمكن إقناعه بأن ما يُصرّ عليه هي أمور وأفكار غير معقولة، يرفض بغضب كل رأي مخالف له ويعمل على إقصائه وهو غير قادر على تغيير موقفه رغم الحجج، قاصرٌ في قراءته للواقع، يعيش في وهم غيبيّ مُخدّر.. إلخ. إنه المتعصب، المتطرف، وأكثرهم بؤساً وخطراً هو المتعصب الديني الذي يستند إلى أفكارٍ يعتقد أن الله كلّفه بتنفيذها. أعداء المتطرف اثنان وهما الواقع الحقيقي الموضوعي والمساواة بين البشر، وهو لا يملك الأخلاق الإنسانية للوقوف أمامهما بدون قتال.
ليس كل المسلمين متعصبين، وليس كل المتعصبين إرهابيين، لكن أكثر المتشددين المتطرفين الدينيين تخلفاً وخطراً في العالم هم من الإسلاميين، هم تربة احتضان لنموّ وظهور الإرهاب في هذا العصر. وهناك تداخل وتزاوج بين ممارسات المافيا مع جماعات إرهابيي طالبان القاعدة و"الواقفة" بصورها وألوانها المتعددة وشركائها من الأنظمة السياسية الحليفة.
التعصب هو أحطّ اختراعٍ للشيطان –إذا كان هناك شيطان، وسيء. التعصب هو الحل الوحيد في رأسٍ فارغة، وفي هذا الفراغ يجب وضع أو فعل شيء من الشوفينية، الفاشية، الشمولية مع أفكار دينية متخلفة، وسيظهر منها اعتقاد وموقف ورأي.
من الصعوبة إيجاد مكان للتعصب في داخل رؤوس الناس الغنية بالأفكار الإنسانية، وبوجود التعلّم والتعليم المستمر تزداد المعارف الفكرية وبالتالي تتعارض مع التعصب. قد يبقى الهاجس الإقصائي -الإرهابي عند المتعصب خارج نطاق ارتكاب الجريمة، لكنه يُوقف نظام المناعة الروحي الأخلاقي الإنساني عنده، ويضعه عرضة لارتكاب الجريمة أو احتضانها والدفاع عنها أو تبريرها.
من الضروري التغلب على آثار همجية "الثقافة" والتفكير الخارجة من داخل المتعصب، كي يبقى الإنسان مستقلاً وكائناً اجتماعياً كامل الشخصية وليس قاصراً، وبكلمة واحدة، هي منع هزيمة الحرية فينا، لأن الحرية تضغط على تفكير المتعصب في المجتمع.
تشعر المجتمعات التي يترعرع فيها التعصب بالعدوانية والهستيريا والتعاطف "العشائري الطائفي" مع المتطرف ضد "الآخر الذي يُهددهم". ويستغل المتعصبون المعلوماتية أيضاً في خدمة أغراضهم، وإعطاء حياة تفكير العيش المشترك مكانها لغيبوبة المتعصب الفظيعة والشيزوفرينيا. وإذا كان هناك تلكؤ من المجتمع في احتضان المتعصب يزداد خطابه باللعنات والتهديد. يريد المتطرف هزّ الكسالى الأموات -الأحياء ليُخرِج من حلمهم المميت "شيطانه" خدمة لحركة إيديولوجية.
والمتطرف محموم غاضب على العالم الذي لا يحتفل بشخصه كمحرر ومخلّص للعالم. والحقيقة، هي إنه لا يُخلّص العالم من الموت بل من الحرية والحياة، لأنه هو نفسه الموت للعالم. المتعصب والذين يدعمونه في المجتمع هم نتاجٌ للهمجية، يمثلون الرفض وهم أنفسهم صانعوا مبرراته، إنهم يقفون معاً في الولائم الجهنمية المشبوهة ليبتلعوا الثقافة الفكرية والحرية السياسية، وبالتعصب يقضون على استقلالية الإنسان.
والإنسان المستقل القادر على الوقوف -بالرغم من أرضية المجتمع الرخوة- هو وحده القادر على حمل عبء الحرية، وفقط هو الذي لا يحتاج لإيديولوجيات السلطة المتنوعة، ما يحتاجه هو امتلاكه للضمير الحيّ في وجه "رعاة" الديكتاتوريين سواء كانوا عساكر أم حلفائهم من رجال الدين.
يصبح الإنسان المُغيّب متطرفاً عندما لا يثق بقواه الذاتية ومواهبه وكرامته وحريته الشخصية، أو من سقط أخلاقياً إلى الدرك الأسفل ويعيش فاقداً القِيَم ولا يستطيع العطاء بنزاهة، بل هو من يقوم بتفعيل الانتماء والسلالة وبأحط أشكالها كتعويض عن الفراغ الذي يعيشه. المتعصب هو إنسان يهرب من مسئولية الحرية الشخصية المستقلة، ويختبئ في لباس "مُثير" يخفي تحته جحيم قضية كئيبة بائسة، أو أنه يحشر نفسه مع هذا البؤس الفكري متحملاً العراء الكامل في مواجهة العالم مما يُزيد ضعفه وتبعيته لبؤسه، وهذا بالتالي ما يُزيد غضبه وحقده على العالم. وهكذا يهرب الكثيرون البسطاء من الحرية نحو الغموض والسكوت، وعالم السكوت والغموض هذا يصبح صحراء ثلجية للتعصب والتعاطف معه من قبل الجماهير.
إن اللاجئين المحبطين والعاجزين عن فعل أي شيء يصبحون منتجات شرعية لمجتمع التعصب الشمولي المغلق، وهنا يفرز هذا الواقع عصابات شابة من المجرمين والذين يصبحون أدوات سياسية ودينية ترفد بؤر التعصب بحياة جديدة. وهكذا تظهر من جديد رايات وشعارات المتطرفين على أرضية عشائرية مذهبية قديمة رغم تخطيها زمنياً وحضارياً، وتصبح حتى الكوارث الطبيعية للغير مصدر سعادة وشماتة من المتعصب.
بقدر ما تضعف مسئولية فهم وحماية الحرية والهروب من ممارستها بشكل شخصي وجمعي، بقدر ما تتزعزع أسس الأخلاق الإنسانية وحضارتها وتزداد أعداد المتطرفين والمتسيبين الكسالى الغائبين فكرياً وسياسياً.
التعصب إذاً هو الجانب الآخر من المجتمع اللا مبالي الخامل، وهو أيضاً الدرجة المتدنية من وصول الحرية إلى الهمجية والفوضوية ضمن هذا العالم الحر –كما يفهم الإسلامويون الحرية في أوربا- وأعتقد أنه لابدّ من إعادة النظر بدرجة الحرية التي تتعامل بها أوربا والعالم الحر مع التعصب والمتطرفين، وإعادة صياغة مفاهيم الديمقراطية والليبرالية والحرية بشكل عام (لاحظ أزمة الإرهابي أبو حمزة المصري في بريطانيا، رغم كل دعواته الإرهابية وتحريضه من لندن لدعم المجرمين في كل مكان في العالم إلاّ أن محاكمها منعت سحب الجنسية البريطانية منه بحجة قوانين حقوق الإنسان، والدفاع عنه كشخص ينتظره التعذيب في بلده الأصلي وتجاهل تحريضه للعنف والعنصرية والإرهاب!). يكمن خطر الهمجية أيضاً عندما يصبح مجتمع الاستهلاك لا مبالٍ من قضية التعصب، عندها تقوى عضلات التطرف ويصبح ذو شأن سياسي فكري وليست حالات فردية.
يعتبر التعصب والتطرف وهو حاضنة الإرهاب من أكبر الأخطار التي تواجه البشرية، وهو باختصار، الاعتقاد الأعمى غير العقلاني الإقصائي القاصر مع شعارات وأفكارٍ -دينية تُبرر وتدعم هذا السلوك. ومن يعرف مميزات ونفسية المتطرف لا أعتقد أنه يهرع راكضاً بعدها لتأهيل نفسه كي يصبح مدافعاً عنه ومبرراً عدوانيته وهمجيته!.
إنها موضة التدمير الذاتي في أوربا تحت عنوان التعامل السياسي التسامحي "الصائب" وتقبّل الأوربيين للآخر، وساعد ذلك التسامح على تعميق جذور التعصب، تلك الجذور المستوردة مع المهاجرين العرب والمسلمين بشكل خاص من بلدانهم، جذور الأزمات الاقتصادية والأخلاقية والفكرية والنفسية الكبيرة والتي تفرزها مجتمعاتهم الأصلية، وموقف المهاجرين من مسألة العلمانية وفهمهم لترتيب النظام الإلهي والقيم والعادات المتأصلة هناك وهنا، أي أنه التباين الحضاري التربوي الأخلاقي –اجتماعياً ودينياً-. والأوربيون يتكلمون بكل صراحة في جو من الديمقراطية عن أي مشكلة كانت، لكن أكثريتهم يتأدبون كثيراً عند الحديث عن الإسلام ويتحفظون الانتقاد حتى وقت قريب، وقد أعطت العلمانية في العالم الحر فرصة لاندماج المهاجرين على أساس المواطنة، لكن الموروث المتجذر في العقل الباطن وفي بقايا العقل الظاهر يقف حائلاً دون ذلك، وهذا ما سيدفع أوربا لاستعمال عقلها أكثر من ليبراليتها وديمقراطيتها. وبدأ الأوربيون يدركون أنه من السذاجة التصور أن المسلم المتعصب يستطيع التأقلم والاندماج، وسيبقى الأوربي دائماً في نظره "كافراً جيداً" بأحسن الحالات مقابل الأمريكي الكافر السيئ.
المتعصب المتشدد من المسلمين في أوربا هو مرشح إرهابي، أو إرهابي نائم يمكن إيقاظه في أي لحظة –هكذا بدأ الكثير من السياسيين والمفكرين الأوربيين وحتى عامة الناس أيضاً يعتقد-. ويستخدم المتعصبون الإسلاميين المضايقات التي تواجه بعضهم لغسلها مع القذارات التي يقومون بها، وينتهي بهم الأمر مع آخرين لاستحضار بعض الآيات القرآنية التي تدعو للسلام، وطرحها للأوربي الذي يلتقطها بكل سذاجة، على اعتبار أن الله محبة كما تمارسه مذاهبهم المسيحية.
كل الدلائل تشير إلى أنه وكما استحالة نهوض قارة أتلانتيس من جديد، كذلك لن تنفع الابتهالات والأسلحة وكل وسائل الإرهاب والتفجير لفرض الإسلام المتطرف الإقصائي!..

بودابست، 13 / 11 / 2010.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعرية البائسين وحلفاءهم
ابراهيم الكبير ( 2010 / 11 / 13 - 19:39 )
العالم يدعو للانفتاح على كل شيء ويفتح ابوابه على بعضه منفعة للجميع واوربا صارت تقريبا دولة واحدة والمتعصبين الاسلامين يعملون على انغلاق الشعوب الاسلامية والعدوان على غير المسلمين , ويدعم ارهابهم شيوخ الجوامع المريضة , ان المتطرفون صارو يهددون كل العالم ومحاربتهم واجب الجميع لانهم لا يفهمون الا كلام السلاح ,لقد قتلو المسيحيين في العراق وشيوخ الجوامع تتفرج ولا تفعل شيء للدفاع عن المسيحيين وغيرهم
لن تصبح بلادنا متحضرة قبل القضاء على مرض التطرف الاسلامي والسلام على الشرفاء من كل الاديان وشكرا للسيد الخطيب على تعرية البائسين وحلفاءهم


2 - اخ فاضل اين اختفيت?
zahi asmar ( 2010 / 11 / 14 - 01:37 )
اخ فاضل اين اختفيت? منذ اسابيع وانا ازور رابطك الفرعي علني اقرا جديد لكنك اطلت الغياب واقلقتنا - المهم انك رجعت لنا ونتمنا ان لا تعيد الغياب


3 - أوربا تعيد قراءة نفسها وغيرها
فاضل الخطيب ( 2010 / 11 / 14 - 08:30 )
صباح الخير للسيد إبراهيم وللجميع: أوافقك الرأي في أكثر ما قلته، وأرى أن الحل الدائم لكل تلك السلوكيات العدوانية الإقصائية، والضمان لوجود وبقاء الإسلام مثله مثل باقي الأديان السماوية وغير السماوية هو الجرأة في التعامل وإعادة قراءة النصوص بعيون عصرية وعقل يعمل. وقناعتي أن تشذيب ما صار عائقاً من أفكار في طريق التطور والعيش المشترك هو خدمة لشعوبنا وحفظاً للإسلام..
أوربا غداً لا يمكن أن تسمح بالتساهل عن قيمها، والخاسر الوحيد هو المسلمون في أوربا والعالم..
شكراً لمرورك ورأيك


4 - الشكر للأسمر
فاضل الخطيب ( 2010 / 11 / 14 - 08:37 )
تحياتي للسيد زاهي أسمر: وشكراً على متابعتك وسؤالك ..
أتمنى عيداً سعيداً مليئاً بالخير والمحبة للجميع

اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه