الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مل ء الفر اغ

محمد سيد رصاص

2004 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


عَنَتْ وحدة 1958 السورية- المصرية تغلب مصر عبد الناصر على عراق نوري السعيد في لعبة ملء الفراغ الذي تولّد في منطقة آسيا العربية عن هزيمة لندن وباريس في (السويس)، التي كانت حصيلة لانحسار نفوذهما الدولي بعد عام 1945 لصالح واشنطن وموسكو.
لم يكن طرح الرئيس أيزنهاور، في الشهر الأول من عام 1957 بعد قليل من (السويس)، لمشروع (ملء الفراغ) آتياً من فراغ، وإنما كان محاولة ليس فقط لإثبات الزعامة العالمية ضد موسكو عبر بوابة منطقة الشرق الأوسط التي وصفها الرئيس الأميركي ذاته بأنها "أَقيمْ قطعة عقار في العالم"، وإنما أيضاً ضد مصر، كقوة إقليمية، بدأت فعاليتها بالإمتداد إلى منطقة آسيا العربية.
ظهر هذا الامتداد في دمشق 1958، وفي بغداد بين تموز 1958 وآذار 1959 ضد الشيوعيين وعبد الكريم قاسم، و في كويت 1961، وفي شمال اليمن بعد الإطاحة بالإمام في عام 1962 وفي جنوبه ضد البريطانيين بين عامي 1963-1967، فيما كاد عبد الناصر أن يحتوي دمشق ثانية بين 8آذار –18 تموز 1963، وبغداد بعد انقلاب عارف على البعث في خريف 1963، وقبل ذلك في استلام حزب البعث للسلطة ببغداد في صيف 1968.
كانت هزيمة 1967 إرجاعاً لعبد الناصر إلى حدوده: ظهر ذلك أولاً في صنعاء عبر إسقاط السلاّل (5ت2 67) وفي عدن عبر تسليم لندن السلطة إلى خصوم عبد الناصر في "الجبهة القومية" (30ت2 67)، وبعد ذلك في استمرار تناقض عبد الناصر مع سلطة صلاح جديد بدمشق تجاه قبول القاهرة بمبادرة روجرز (23تموز70) وتجاه أحداث أيلول 1970،وقبلها في استلام حزب البعث السلطة في بغداد بصيف عام – 1968 - .
تكرّست، مع السادات، عملية استقالة مصر من شؤون آسيا العربية إلى أن تتوجّ ذلك في عام 1978 مع (كامب دافيد): حاولت ثلاثة قوى عربية (السعودية في عهد الملك فيصل بين عامي 1973 –1975 + سوريا عبر البوابة اللبنانية بعد عام 1976+ العراق بعد اتفاقه مع شاه إيران في عام 1975) ملء الفراغ المصري في آسيا العربية من دون جدوى، فيما انتقلت قوى صغرى بين هذه المحاور أو ضد بعضها، مثل الأردن نحو دمشق بعد قرار مؤتمر الرباط (1974) حتى عام 1979 عندما ابتعد عن سوريا باتجاه بغداد، ومنظمة التحرير المتصادمة مع سوريا في عام 1976 قبل أن يقربها الصدام مع بغداد في عام 1978 [وابتعاد (الجبهة اللبنانية) عن سوريا في نفس العام]، من دمشق إلى أن حاولت الأخيرة السيطرة على القرار الفلسطيني عبر انشقاق (9أيار 1983) كنوع من التعويض عن فقدانها لبيروت في صيف 1982 قبل أن تستعيد ورقتها اللبنانية مع حرب الجبل (أيلول 1983) و(6 شباط1984) وما أديا إليه من إسقاط اتفاق (17 أيار 1983) اللبناني مع إسرائيل، فيما استخدم العماد ميشيل عون الورقة العراقية بقوة في ربيع 1989 ضد دمشق.
كانت المحاولة الإسرائيلية، في صيف 1982، لاستخدام المنصة اللبنانية من أجل اختراق آسيا العربية نافرة، وسرعان ما تراجعت عنها تل أبيب في عام 1985 نحو (الحزام الجنوبي)، فيما أظهرت حرب 1991 عدم السماح الأميركي، والإقليمي، للإسرائيليين بالاشتراك في حرب رسمت ملامح الشرق الأوسط القادم، ولكن بالمقابل إذا أخذت الدول العربية (مؤتمر مدريد) ، وبعضها مثل سوريا أخذت إزاحة ميشيل عون أيضاً، فإن تفشيل واشنطن لـ(إعلان دمشق)، الذي أعلن في الشهر التالي لانتهاء الحرب، قد عنى عدم السماح الأميركي لدمشق والقاهرة بأن تأخذا أدواراً في الخليج، وكذلك في بغداد التي وضعت في براد الانتظار عبر (الاحتواء المزدوج) مع إيران، قبل أن تتجه الولايات المتحدة إلى (الاحتواء المنفرد) لبغداد منذ 1999 ومن ثمّ الاتجاه إلى ضرب العراق والسيطرة عليه منذ عام 2001.
ترافقت الهيمنة الأميركية (ووحدانية وجود واشنطن بالمطبخ الذي أُعِدّ من خلاله "العراق التالي") مع انفراد فلسطيني في (أوسلو)، وانفراد أردني في(وادي عربة)، مما أدى إلى ترك سوريا وحيدة ضمن خط (دمشق-بيروت)، ولم تنفع محاولات إحياء ثالوث (القاهرة- الرياض-دمشق)، وخاصة بعد محاولة الملك حسين بإيحاء أميركي إنشاء أوضاع جديدة في بغداد بعد هرب حسين كامل صيف 1995، في كسر هذه المعادلة الأميركية الجديدة في آسيا العربية، ولا في منع إنشاء تقسيم سياسي جديد للهلال الخصيب عبر فصل خط (عمان-أريحا) عن الشمال من أجل جعل هذا الخط معبراً إسرائيلياً إلى الخليج و"العراق الجديد"، وفقاً لمعادلة مشروع شمعون بيريس، الذي طُرح آنذاك، حول "البينيلوكس الثلاثي".
ربما ساهمت عملية فشل التسوية مع صعود ناتنياهو، ثم مع باراك في صيف 2000 بكامب دافيد، في عدم تسريع هذه العملية، إلا أن اعتراض واشنطن على فتح خط كركوك- بانياس في أواخر التسعينات قد أوحى باستمرار هذا الاتجاه الأميركي، إضافة إلى أن اتجاه القيادة الفلسطينية، عبر (الانتفاضة)، لم يتجاوز معاني (أوسلو) وما تعنيه من "انعزالية" فلسطينية عن العرب كان أبو مازن من أكثر المعبرين عنها، إلى أن أتت الحرب الأميركية الأخيرة على العراق لتعطي دفعاً قوياً في الاتجاه الأميركي المذكور نحو "شرق أوسط جديد"، يراد إعادة تشكيله عبر "البوابة العراقية"، أو بالأحرى استكمال ما جرى تشكيله منذ عام 1991.
أكدت معطيات مرحلة (ما بعد بغداد) على استمرار الاتجاه الأميركي إلى تهميش مصر، ليس فقط على صعيد آسيا العربية وإنما أيضاً في قضايا الجوار عبر استبعادها من المشاركة في حل أزمتي (لوكربي) و(جنوب السودان)، فيما هناك استهداف أميركي واضح للسعودية وإيران، مع اتجاه إلى إضعاف الدور السوري بالمنطقة، يترافق مع اتجاه إلى تعويم الدور التركي بالمنطقة رغم ممانعة أنقرة تجاه الحرب الأخيرة .
من الواضح أن (بغداد) و(رام الله) ستكونان بوابتين لإعادة "تشكيل" المنطقة، ولكن إذا لم يستطع أبو مازن أن ينجح فإن سقوف الآخرين ليست خارج إطار (أوسلو)، بما فيهم أبو عمار، ليبقى مفتاح (التسوية) في يد الإسرائيليين الذين أصبحوا مقتنعين، بغالبيتهم، بأن التوازنات القائمة تتيح مجالاً لإعطاء الفلسطينيين اتفاقاً أقل مما أعطاه رابين لعرفات قبل عقد من الزمن، وخاصة في ظل عدم إرادة واشنطن المنشغلة بالعراق لفرض حل على تل أبيب، بعد اطمئنان الأميركان إلى عدم وجود قوة فعالة عربياً ، بعد عزل مصر عن آسيا العربية ، واحتلال العراق ، وفصل القسم الجنوبي من بلاد الشام عن الشمال سياسياً ، وعزل مصر والهلال الخصيب عن منطقة الخليج .
هل اقترب جورج دبليو بوش من إتمام تحقيق (مشروع أيزنهاور)؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخبار الساعة | بايدن يؤكد نيته عدم الانسحاب من الانتخابات وف


.. متحدثة البيت الأبيض ترد على نيويورك تايمز: بايدن لا يعالج من




.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ