الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البيان في أحوال الإنسان

مصطفى الحاج صالح

2010 / 11 / 13
الادب والفن


أخذت الصورة؛ جسدتها امرأة كاملة لا تختلف عني إلا في جنسها ؛كنا متساويين ؛ كانت جميلة لا نقص فيها ؛ لم تكن قاصرا ولا ناقصة عقل ؛ لم تكن لا شرقية ولا غربية ؛ لم تكن سافرة ؛ لم تكن منقبة؛ كانت امرأة فحسب ليس في ذهنها غيري ولم يكن ذهني يتسع لشخص آخر غيرها ؛ حدث ذلك أمام نهر الفرات ؛ في مكان عودتي إلى الحياة ؛ محمولا على جناح نفسي ؛ كنت على وشك ممارسة الحب مع المرأة ـ الصورة ؛ في الماء ؛ أمام السماء ؛ بين الأسماك ؛ حين أعرب الفرات عن غيرته ؛ أرسل موجا جرف الصورة ؛ ضاجعها أمامي على سرير دوامة ؛ أنجبا سمكا وزبدا ؛ انجبا دعوة لم ألبيها ؛ مكتفيا من الماء بالإحساس ومن النهر بالهدير ؛ هدير ذكرني بما عن يميني؛ ذكرني بالكتاب ؛ كتاب لا يختلف في مظهره الخارجي عن بقية كتب العرب ؛ يبتديء من اليمين إلى اليسار ؛ كان جلده عاديا من ورق ؛ حين تلمسته شعرت بطمأنينة؛ انتابني حب ؛ شعرت بالمعرفة؛ اتسعت قابليتي للتعلم ؛ نهرت قشعريرة المساء عن كاهلي ؛ كنت بصدد تقليب صفحاته فلم أفطن إلى شكوى الرمل تحت أقدام الغزاة ؛ جنود الشعب؛ أمة الجمهور؛ أطفال بلا طفولة ؛ ثياب سوداء فضفاضة تضم داخلها نساء ـ والله أعلم ـ فتيان بلا فتوة ؛ فتيات ملفوفات بعباءات متشابهة ؛ رجال مسلحون بالغضب وتسعة عشر عنصر أمن ينتمون إلى تسعة أجهزة من أجهزة أمن البلاد فمن يقرأ كتابا بلا عنوان..؟ كتاب مكتوب بحبر لا يراه فاسد أو مرتش ؛ قاطع شجر أو محطم مقعد ؛ مراب أو مزور؛ مهرب أو غشاش؛ قوادة أو أمي جاهل يضع نضارات شمسيه سوداء. ضممت الكتاب إلى جناحي ؛ صار جزءا من جلدي فلم يره المتربصون عند أطراف الرمل؛ أسفل الجسر ؛ عند الطريق الصاعد نحو ذات المدينة؛ المدينة التي سلبت مني روحي الريفية البسيطة رجما .

لم يكن الكتاب قرآنا؛ لم يكن إنجيلا ولا توراة ؛ لم يكن بيانا شيوعيا ولم يكن ( بيانا من أجل الديمقراطية) . لم يكن ديوان شعر لم يكن رواية ؛ كان كتابا في الحب ؛ حروفه ككلماته عربية فيها نزعة إسلامية تبديها أشكال الخطوط وهي تتنافس في استدارتها الرشيقة لتشكل مزيجا سحريا يسلب الألباب بشكله قبل معانيه ؛ بالصور قبل مضامينها ؛ بالتشكيل قبل غايته ومن عجائب هذا الكتاب أحرفه الحية وكلماته المشعة بألق لم أعهده لا في حياتي الأولى طوية الأمد ولا في حياتي الثانية التي ابتدأت على ضفة النهر قبل حين غير معدود، في أعلى الصفحة الأولى ظهرت بسملة هي البسملة ذاتها كما عهدتها وعرفتها لكنها لم تكن كذلك تشابه يتجاوز بعضه بعضا ؛ أشكال حية من الحياة ؛ بشر وكواكب ؛ دبيب أرض وشهب ؛ كأنها أكوان ومجرات ؛ بسملة عربية تقرن اسم الله بالرحمة ؛ كأني بها وهي تستدير عارضة نفسها تنكر صفات أخرى لا تليق بخالق مفترض لأكوان لا متناهية .. كان ذلك حقيقة عرضها تمهيد من صفحة وبعضا من صفحة أخرى.

تمهيد عربي رقيق المعاني فيه الألف أنثى والباء بحر متوسط اليقين كالموقع كجغرافيا المكان كالنبي ( محمد) الذي ارتضى الوسطية ولم يبشر بالتطرف أبت نفسي النكران ثم رأيت حروف التمهيد قلقة ألا ينبئك ذلك بخبري ؛ إعلم إنك من الغافلين.. وأني من المرسلين ؛ أرسلت نفسي إليك فتوجه جهة يرتضيها قلبك .. كنت منهمكا في تفكيك طلاسم التمهيد عندما عرض الله على نفسه في صورة من صور الطبيعة ؛ في صورة مما خلق ؛ أرض مكسوة بالعشب والورود؛ أرض تشبه أرض ميلادي قبل أنْ تطالها يد العاصرات المجففات ؛ سألته عن وجوده فأنبأني وحيا أنّه موجود وأنـه حي في الطبيعة متماه فيها كانت تلك أفكاري أنكرت نفسي وأنكرته من جديد ثم عدت إليه نادما في الصفحة التالية من التمهيد وفيه إشارة إلى صفات الطبيعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه


.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة




.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح