الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوراق مهربة ( ضحايا حسن النية ) ج5 جهنم التعليمات

الاء حامد

2010 / 11 / 13
أوراق كتبت في وعن السجن


بعد مرور واحد وستين يوما ودع كريم تلك الزنزانة وفي نفسه حاجة للاطلاع على أمور من كانوا يسكنون بجوارهِ والذين كان يشاهدهم بعد كل وجبة طعام دون إن يستطع التحدث إليهم.
لكنه ودد ذات مرة لو إن هناك كوة ولو صغيرة بين زنزانة وأخرى لتتصل بينهما الأسباب خصوصا حين يطبق الليل الرهيب في الزنزانات فيشعرون بالوحشة والغربة تكاد تمزقهم.
اقتادوه إلى مكان أخر لا يبعد كثيرا يختلف من حيث السعة والتصميم فعند الدخول يستقبلك ممر ممتد تقع على احد جانبيه مجموعة من الزنزانات وعلى الجانب الأخر أعدت لممارسة التعذيب يقابلها ممر أخر على جانبيه الزنزانات.وما يدهش العقل حقا هو عند دخول احد النزلاء الجدد هو إن السجناء بمجرد أن يسمعوا صرير الباب وهو يفتح حتى ينهضوا مسرعين ثم يستقبلون كل واحد منهم الجدار واضعا جبهته عليه رافعا يديه إلى الأعلى وبهذا الاستقبال تقدم السجان نحو احدهم فضربه على ظهره ضربا مبرحا بأنبوب مطاطي صلب بدعوى انه تأخر عن استقبال الحائط ولم ينبس السجين ببنت شفه ولم يرفع رأسه. ثم راح السجان يطوف عليهم مزمجرا يشتم الجميع دون استثناء محذرا إياهم من مغبة مخالفة التعليمات"

وقد ساد القاعة جو من الرعب والصمت الرهيب بعدها أمرهم السجان إن يستديروا إلى الإمام ثم أشار بأصبعه نحو كريم قائلا: (عليك إن تدقق في وجوههم ثم تخبرنا أن كنت تعرف احد منهم) فأخذ ينظر إلى وجوههم الواحد تلو الأخر فلم يعرف منهم أحدا وإذ به يسأل بأعلى صوته وهل تعرفونه؟. فردوا عليه وبأعلى أصواتهم بالنفي أيضا..

وهذا الإجراء يمر به كل قادم إلى هذه القاعة لأول مره فيشترط إن لا تكون بين نزلاء القاعة معرفة سابقة إما استقبال الحائط فذاك مرتبط ارتباط مباشرا بباب القاعة فالتعليمات الصارمة تقضي إن يكون السجين متحفزا على الدوام فمجرد إن يشعر أن باب القاعة على وشك إن يفتح يتعين عليه ترك كل شي ويلتصق بالجدار ومن دون أدنى تأخير, والتأخير هنا يعني انه آخر من يستقبل الحائط فعليه أن لا يتململ أو يلتفت يمينا وشمالا أو يرفع جبهته عن الجدار !!

وقد نلتفت معا إلى صورة أخرى لعلها أقبح صورة من صور الإذلال وهي عندما يستدعون الضحية إلى التحقيق وغالبا ما يكون ذلك بعد منتصف الليل لما هذا الوقت من الخصوصية , يعصب الجلاد عينيه ثم يأمره أن يطأطئ وينحني وكلما انحنى أكثر ما هو عليه عند ذلك يقبض بيده على رقبته ويأخذ به على هذه الحال إلى أن يدخله غرفة التعذيب.

كما تقضي التعليمات بأن يخلد السجناء إلى النوم عند الساعة العاشرة ولا يجوز النوم والاسترخاء إثناء النهار فبعد الإفطار يطوي السجين بطانيته ثم يجلس عليها ولاشك إن ذلك من المزعجات ولكن ما هو أكثر إزعاجا وإيلاما النوم من دون وسادة!!

والحقيقة نظن لم يجرب أحدكم يوما ما إن يعمد إلى النوم بهذه الطريقة ولم يقدر إن في ذلك صعوبة بالغة إلا من أرغم عليها بل أنها لون من ألوان التعذيب وحينما يرغمان عليها السجناء في تلك الشعبة فلا يظنون أن هذا الأسلوب من أساليب التعذيب تفطن إليه حتى الشياطين المعروفة بمكرها وعدائها للإنسان,, ولئلا يحتال السجين ليجعل من إحدى البطانيات وسادة له يزود ببطانية واحدة لا غير لا يعرف كم هو عمرها ألا أن أثارها تدل على إن مئات السجناء قد تعاقبوا عليها حتى يشعر إن إضلاعه وعظام رأسه تلامس الكتلة الكونكريتية الخشنة التي فرشت بها مساحة القاعة كما أن أعصاب رقبته في حالة تشنج دائم !!

والواقع أن الممارسات اللانسانية التي يراد منها إيذاء السجناء وإذلالهم كثيرا إلا إننا نأتي على أقساها فلا يمر أسبوعين على تلك القاعة ألا واخرجوا من فيها إلى غرفة مجاورة ليحلقوا رؤوسهم ولحاهم ولا بأس إن كانت الحلاقة بماكنة كهربائية او يدوية على الأقل !! ولكن بشفرة ( موس) ولازالت رؤوس السجناء لم تنم بعد وليست بحاجة الى حلق مما يعني انها عملية عقاب أخرى وكل واحد منهم كان يتم حلق رأسه وذقنه بنصف شفرة ومن دون رفق وعناية مما يسبب له ذلك جروحا وتلك الشعبة لا تعرف التعقيم ولا المبيدات والمنظفات ولا حتى الدواء فتلك أمور تعد من الكماليات فأسراب القمل اتخذت من ملابسهم مأوى لها ومن دمائهم قوتا تدفع به غائلة الجوع والرائحة النتنة تزكم الأنوف والبطانيات التي يأوون إليها فارقت أشعة الشمس والى الأبد !!

وربما يتبادر الى ذهن القارئ تلك البيجاما الحقيرة والوحيدة فلابد أنها بحاجة إلى غسل وتنظيف لا ريب غير ان القاعة لا تملك سوى صحون الطعام وأقداح الشاي المصنوعة من البلاستك وكل ما عدها من الممنوعات والمحرمات !! وما دام ان السجين بوسعه ان يضع بيجامته على أرضية الحمامات ثم يفتح الماء عليها ليذهب بالعرق منها ثم يجففها داخل القاعة على حبل صنعه السجناء من خيوط البطانيات المهترئه فلا حاجة حينئذ إلى المنظفات ولا إلى إناء لغسل الملابس!!

للحديث بقية في الجزء السادس .. انتظرونا قريبا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المحترمه آلاء
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 11 / 14 - 16:25 )
تحيه وامتنان وتقدير
وصف دقيق وحقيقي وكنانكم عايشتم تلك القاسيه وعشتوها
واود ان اضيف شيء اذا سمحتي وهو:
حلقات اولقاأت السمر التي تتم اثناء التبادل ب(تكَصيع) الكَمل التي يتناوب عليها الأبرياء وهم يتهامسون ويبتسمون ويضحكون في تلك المرعبات القاسيات
تحيه لك ولهم والى المزيد من هذه الصور المعبره وذلك الأسلوب الشاد


2 - كل الشكر لك والعرفان
الاء حامد ( 2010 / 11 / 14 - 21:00 )
شكرا لك اخ عبد الرضا حمد متابعتك مقالاتنا واشادتك بنا نعتز بها .وحقيقة ما يتصل بحديثنا هنا هو هنالك مذكرات رواها لنا سجناء كانوا يحتفظون بها من ذكريات مؤلمة ومشاهد محزنة محفورة في النفس والوجدان . .

وأيضا ما نسطره هنا ليس إنشاء صحفيا إنما هو حديث ذو شجون ومحنة امتدت نيف وعقدين من الزمن يعجز اللسان الفصيح والخطاب البليغ عن وصفها ذلت فيها الرجال وماتت فيها الآمال دعتنا إلى اقتحام باب التدوين والتعبير عما في النفس بباع قاصر.
اعجبتني اضافتك بليال السمر في جلسات السجناء اتنمى ان تسمح لي ان اجد لها محل اضافة في الاجزاء القادمة.. مع جزيل الشكر لك والاحترام

اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر