الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكاية جثة عراقية

علي جاسم

2010 / 11 / 14
حقوق الانسان


حكاية حدثت ليلة امس ،ليست الاولى من نوعها وليست غريبة في تفاصيلها بل انها قصة عادية جداً ، حدثت ولا تزال تحدث في بلد اسمه العراق..
بعد ان عاد "عدي" الى بيته في منطقة الشعب ببغداد كان متعباً ارقاً شاحب الوجه ، زوجته كلمته لكنه يخبأ ألمه خلف وجهه المتعب ، مريض بالربو ، يبدو ان وضعه الصحي يحتاج الى طبيب ، الساعة تجاوزت العاشرة مساءً وفي بغداد لا يبقى اي طبيب في عيادته الخاصة الى هذا الوقت ، اخذه اخوته الى مستشفى في مدينة الصدر"الچوادر" لاجراء الفحوصات الضرورية ، الشوارع مزدحمة نقاط التفتيش تملأ المكان، الضجة والحركة العشوائية اثقلت جسده ، وصل الى المستشفى ، أدخل الى غرفة الطوارئ، اخوته ينتظرون نتيجة الفحص ،وانا اجلس بقربهم انتظر ، جاء الطبيب خلع مناظره وقال " مات المريض" ببساطة يقولها ، بدأ الجميع بالصراخ اجرينا اتصال مع بقية اهله ، امه ، زوجته ، ابنتاه الصغيرتين ، عمره لم يتعدى الثلاثون ، تحولت صالة الطوارئ واستعلامات المستشفى الى اشبه بالفوضى تضاف الى الفوضى التي هي عليه ، كل شيء مؤلم ، الجميع يبكي وانا اجلس وحدي انظر الى قساوة هذا الزمن الذي يظلم ابنائه..
زوجته بكت وابكتنا ،حدثت الله معاتبة ، هل هذه هي هدية العيد التي بعثتها الي؟ كيف سأبقى وحيدة بعده؟ من يربي ابنتي؟ الغريب في الامر ان زوجته تبكي وقربها يجلس اثنان من عناصر الامن من الجيش العراقي تحديداً ، هذا العنصران كانا يمسكا هاتفيهما الخلوي ويلعبان ويضحكان وكأن شيء لم يحدث ،العاملون في المستشفى كانهم قالب ثلج لم ينفعل احد لم يحزن احد لبكاء زوجته او امه ، الطبيب اصر على عدم اعطاء الجثة الى اهله حتى يتأكد من سبب وفاته لم يقتنع ان الربو وحده كان سببٌ لوفاة هذا الشاب ، رغم محاولات اهل الميت والاتصالات التي اجروها الا ان الطبيب لم يرضخ لضغوطاتهم ، اعجبني جداً التزام الطبيب باخلاقيات مهنته وهي حالة تعد نادرة الان في مهن الطب بالعراق، وقفنا قرب الثلاجة التي وضعت فيها الجثة كان مشهداً حزين، المكان في طرف المستشفى حيث الظلام والروائح الكريهة ، الحيوانات التي لم تعد اليفة "البزازين والكلاب" تلعب بين التوابيت التي تنتظر الجثث، لا يوجد حتى دورة مياه اذا شاء الانسان ان يقضي حاجته، لم اشعر ان ادارة المستشفى تحترم مراجعيها لا بل حتى انها لا تحترم جثث الموتى ، الامر الذي يعكس مدى تراجع الواقع الصحي بالعراق ، ادركت ان سبب وفاته الحقيقي دون ان اعرف نتيجة تشريح الجثة ، لم يكن الربو وحده السبب ،الجميع ساهم في موت هذا الشاب وغيره ، مشاق الحياة ومتعابها ساهمت بجزء، والازدحامات والاختناقات المرورية التي اخرت وصوله الى المستشفى ساهمت ايضاً ، قلة المراكز الصحية جزء من المشكلة ، سوء واقع المستشفيات ورداءة التعامل الطبي والتشخيصي من قبل الطبيب يتحمل الجزء الاكبر ، اعتماد المستشفيات على اطباء خفر من الخريجين الجدد قليلي الخبرة وعدم وجود اطباء من ذوي الاختصاص والخبرة ايضاً كان عملاً مساهماً في موت "عدي" ، وبعد موته لم نقدم له الاحترام ،قبلنا ان يوضع في مكان اشبه بمقلع النفايات والروائح الكريهة..
رغم هذه الليلة السوداء والحزينة الا ان موقف طريف واحد جعلني اضحك بسري دون ان اشعر الاخرين ، واصل هذا الموقف هو انه ونحن نتوسل بالطبيب ان يسلمنا الجثة واجرينا معه كافة الطرق والحيل الا انه رفض ظهر شاب طويل ملتحي يرتدي "تراكسود وشحاطة" وطلب من الطبيب ان يسلم الجثة الى اهلها بدأ بالتسول لدرجة كاد ان يقبل يدي الطبيب وبعد ان فشلت كل محاولاته اخذ يتحدث بلغة التهديد مع الطبيب الذي طلب منه الخروج من الغرفة وتحول المكان الى فوضى ، نحن الاقربون تنازلنا عن طلبنا باخذ الجثة لاننا ادركنا الغاية العرفانية للطبيب لكن الشاب صاحب "التراكسود" ظل يطالب ويتكلم بصوت عالي ، وعندها اقتربت منه وشكرته عن وقوفه المتحمس ودفاعه المستميت عن الميت ،سالته من يكون؟ قال انا صاحب سيارة حديثة وظيفتي هي نقل التوابيت من المستشفيات الى بيت الميت وبعدها الى المقبرة ، هززت رأسي وشكرته ثانية ، الموت في بلادنا اصبح تجارة لا قيمة له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العزيز علي المحترم
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 11 / 14 - 17:45 )
تحيه لك وانت تكتب وانا اقراء وتحيه لك حين مسست المكان في الفؤاد
مسكين ذلك المتعب الشعب ومسكين من بقى منه حياً ولو كله أقرب الى الجثث..اي واقع مزري واي حياة بين صراع المتصارعين على البقاء بأي ثمن وصراع الطبيعه التي وجدت نفسها وسط ذلك النباح المخيف من اكلة الأثداء والتاريخ والحب والسلام والأمل
كان الوحيد الصادق مع الأحترام هو ابو التركسود وقبله الراحل..انها واقع ومنها تستخلص معاني حتى ولو شكك البعض بوقوعها ولكن مثلها الكثير كل يوم يحصل ويمر ويذهب ويمحى وينسى
كيف السبيل مع الا سبيل ..لا اجد ضوء حتى بعد نهاية النفق..ولا اجد حيود ضوء لشمس مغتصبه وتفكر بانها مغتصبه وتخاف العقاب
تحيه لك ودمت

اخر الافلام

.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان


.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو




.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ


.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا




.. فوضى عارمة في شوارع تل أبيب بسبب احتجاجات أهالي الأسرى