الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول أسباب عدم انتصار الثورة الاشتراكية في البلدان الامبريالية و مستقبل الحركة الشيوعية العالمية

رفيق حاتم رفيق

2010 / 11 / 14
مقابلات و حوارات


لقاء صحفي مع الأمين العام للحزب الشيوعي الايطالي ( الجديد )
ترجمة

في 3 أكتوبر 2010 مرت ست سنوات على تأسيس الحزب الشيوعي الايطالي الجديد ، و نغتنم هذه المناسبة لطرح بعض الأسئلة على الأمين العام للحزب تتعلق بالمسار الذي ستقطعه البشرية خلال السنوات القادمة .
سؤال : لكي نضع حدا للازمة الراهنة يجب تشييد الاشتراكية ، و لكن خلال الموجة الأولى للثورة البروليتارية ، أي خلال القسم الأول من القرن الماضي ، إبان الأزمة العامة الأولى للرأسمالية لم يتمكن الشيوعيون من بناء الاشتراكية في أي من البلدان الامبريالية ، فهل تتصور أنهم سينجحون في ذلك اليوم ؟
جواب : الشيوعيون الذين سبقونا لم ينجحوا في إقامة الاشتراكية في أي من البلدان الامبريالية ، لا في الولايات المتحدة و لا في ألمانيا و لا في ايطاليا أو غيرها من بلدان أوربا الغربية ، و ذلك أساسا لأسباب ثلاث مترابطة و متداخلة .إنها حدود فهم أوضاع و أشكال و نتائج الصراع الطبقي التي أعاقت الشيوعيين عن خوض الكفاح حتى النصر ، و قد وقفنا على تلك الحدود و استنتجنا منها الدروس : لقد بلورنا تصورا للعالم أكثر تقدما و هو التصور الماركسي اللينيني الماوي ، و لهذا يمكننا التقدم نحو تحقيق النصر.
فما هي تلك الأسباب الثلاثة و الدروس المستفادة منها ؟
‍ أولا : في كل البلدان الامبريالية و بفضل ثورة أكتوبر 1917 و الأممية الشيوعية ( التي تم تأسيسها سنة 1919 ) تكونت أحزاب شيوعية على قاعدة الماركسية الللينينية ، و قامت تلك الأحزاب بالارتقاء بالنضال ضد البرجوازية إلى مستوى أعلى على مختلف الأصعدة ، مقارنة بالمستوى الذي وصلته أحزاب الأممية الثانية (1889/1914 ) ، و لكنها ظلت وفية لتصور خاطئ عن الكيفية التي ستحدث وفقها الثورة الاشتراكية ، لقد كانت إستراتيجيتها خاطئة ، إذ كانت تعتقد أن المجتمع الرأسمالي سينفجر عاجلا أو آجلا .
كانت الأحزاب الشيوعية تعد نفسها لاستغلال المناسبة حتى تبني الاشتراكية ، هكذا كانت تتصور قيام الثورة البروليتارية ، و في انتظار ذلك الحدث كانت الأحزاب الشيوعية تفضح على أوسع نطاق مساوئ الرأسمالية و تنشر الشيوعية و الاشتراكية كمرحلة أولي للشيوعية ، و طورت النضالات المطلبية ( النقابية و غيرها ) للجماهير الشعبية ، و بالأخص العمال في مواجهة الأعراف و سلطاتهم و أنشأت منظمات جماهيرية مطلبية و ثقافية ملتفة حول الحزب الشيوعي الذي كان هيئة أركانها .
و حيث كان النظام يسمح بذلك و لا وجود لأنظمة فاشية كانت تلك الأحزاب تشارك في الحراك السياسي الذي تساهم فيه أيضا الأحزاب البرجوازية ، و كانت تعتقد أنه عاجلا أو آجلا و على اثر أحداث و أوضاع محددة تخلقها الطبقة المهيمنة نفسها ، و بعد العمل التحضيري من طرف الشيوعيين ستنطلق انتفاضة شعبية على نطاق واسع يتمكن خلالها الحزب الشيوعي بفضل العمل الذي قام به في السابق من استلام السلطة و تطبيق الاشتراكية ، و هكذا يبدأ الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية . هذه هي إجمالا الإستراتيجية التي كانت مهيمنة حتى قبل ذلك في الأممية الثانية ، و دون جدوى دق فريدريك أنجلس سنة 1895 ناقوس الخطر ، مبينا أنه على خلاف ما حدث بالنسبة إلى الثورات البرجوازية ضد الملكيات المطلقة و الأنظمة الإقطاعية ، فإن الثورة الاشتراكية من حيث طبيعتها يجب أن تقوم بها الحركة الشيوعية الموجودة في أحشاء المجتمع البرجوازي نفسه .
ان قيام الاشتراكية لا يمكن ان يحصل إلا كنتيجة لحرب من طراز جديد ، على الطبقة العاملة و بقية الجماهير الشعبية خوضها قبل ذلك داخل المجتمع الرأسمالي ، على الشيوعيين استنهاض و تنظيم الجماهير الشعبية للقيام بهذه الحرب حتى خلق ميزان قوى يمكن من القضاء نهائيا على سلطة البرجوازية و تأسيس سلطة الطبقة العاملة ، باعتبار ذلك قاعدة و نقطة انطلاق الاشتراكية .
لقد برهنت ليس فقط تجربة الموجة الأولى للثورة الاشتراكية و نجاح الحركة الشيوعية ، و إنما أيضا و بصورة واضحة الهزائم التي منيت بها الحركة الشيوعية في البلدان الامبريالية ، برغم النضالات البطولية ( لنتذكر فقط في الحرب الأهلية في اسبانيا 1936/1939 و المقاومة خلال الأربعينات في ايطاليا و فرنسا ) على صحة وجهة نظر فريدريك أنجلس . و قد أوضحت الماوية في شكلها المكتمل أطروحة أنجلس و نادت بالحرب الشعبية الثورية طويلة الأمد ، هذه الحرب ذات الطراز الجديد . إن ذلك يمثل استراتيجيا الثورة الاشتراكية الصالحة لكل بلد ، الاستراتيجيا الكونية التي على الشيوعيين تطبيقها في كل بلد بطريقة خاصة ، و على ضوء أوضاعه الخاصة .
إن الحزب الشيوعي الايطالي الجديد ، بإتباع هذه الإستراتيجية سينجز الثورة الاشتراكية في ايطاليا ، و قد أشار الحزب إلى هذه الإستراتيجية في برنامجه ( الفصل 3 .3 ) المطبوع سنة 2008 من طرف منشورات العلاقات الاجتماعية . و دون استراتيجية صحيحة فإن الحزب الشيوعي سيقاوم عشوائيا و من الصعب أن ينتصر ، و هذا خاصة في بلد امبريالي حيث البرجوازية أشد قوة ، إن التصور الخاطئ للثورة الاشتراكية هو إذن أول تلك الأسباب الثلاثة و قد زاد غياب الإستراتيجية الصحيحة الأسباب الأخرى خطورة .
ثانيا : يتعلق السبب الثاني بما للأحزاب الشيوعية من تصور خاطئ حول الأزمة خلال المرحلة الامبريالية للرأسمالية ، لقد حدد لينين في بداية القرن العشرين طبيعة المرحلة الامبريالية و الخصائص الجديدة التي أضحى عليها النظام الرأسمالي ، و مع ذلك فإنه لا واحد من الأحزاب الشيوعية في البلدان الامبريالية قد استخلص الدروس من ذلك على صعيد طبيعة الأزمة العامة للرأسمالية . لقد ظلت تلك الأحزاب مركزة نظرها على الشرح الذي قدمه ماركس للأزمات الدورية العشرية التي عرفها النظام الرأسمالي خلال القسم الأول من القرن التاسع عشر ، مستعملة دغمائيا فكرة ماركس .
و اليوم أيضا و في خضم الأزمة العامة الثانية للرأسمالية فإن الكثير من الأحزاب و المجموعات الشيوعية بما في ذلك بعض المجموعات التي تنسب نفسها إلى الماوية تكرر في مواجهة الأزمة الراهنة ما قاله ماركس عن الأزمات الدورية خلال القرن التاسع عشر . إنهم يصرون على ترديد أننا نجتاز أزمة دورية مثل تلك التي تحدث عنها كارل ماركس ، هذا رغم ان أنجلس قد بين بوضوح سنة 1886 أن آخر الأزمات الدورية قد انفجرت سنة 1867 .
خلال المرحلة الامبريالية أضحت التذبذبات الدورية في الأوضاع الاقتصادية أكثر حضورا ، و لكنها متفاوتة من بلد لآخر ، و سرعان ما تنخفض حدتها : و بمعنى ما يتم حلها من بلد لآخر في إطار النظام الامبريالي العالمي ، و تنشأ عن تدخل الدول في الاقتصاد حلول مختلفة ، تمثل ترياقا لمداواة التذبذب بين القمة و القاعدة ( مخفضات اجتماعية ، الصرف العمومي ). يسير الاقتصاد هنا من خلال ارتفاع و هبوط أقل حدة ، و لكن ذلك يتسارع إبان الأزمات العامة من خلال فائض إنتاج مطلق للرأسمال ، هذه الأزمات سببها أن الرأسماليين لا يستعملون في إنتاج البضائع كل الرأسمال الذي راكموه ، لأنهم إذا فعلوا ذلك سيبتزون من العمال قدرا من فائض القيمة أقل من ذلك الذي يبتزونه عندما يستعملون فقط قسما من ذلك الرأسمال .

في الأزمات الدورية ينشئ انهيار المشاريع الاقتصادية بنفسه الظروف المساعدة على نهوض جديد للمشاريع : بالنسبة إلى الطبقة المهيمنة في كل بلد يتعلق الأمر إذن بمواجهة لفترة من الوقت بالمخفضات الاجتماعية و تدخلات أخرى عمومية تكون لها آثار شديدة السلبية و خطورة أكبر على الجماهير الشعبية و النظام العام و لكنها تقدم حلا على المستوى الاقتصادي . أما الأزمات العامة فعلى العكس من ذلك لا يمكن حلها إلا سياسيا من خلال اضطرابات النظم في مختلف البلدان و على صعيد العالم و تأسيس نظم سياسية جديدة سواء بالثورة أو بالحروب أو بالدمج بين الطريقتين ، و لأجل هذا فإن كل القرارات و المشاريع التي يراد منها حل الأزمات بالبقاء على صعيد الاقتصاد مآلها الفشل ، إنها وسائل فقط لربح الوقت بينما يتفاقم المشكل .
من حيث الطبيعة فإن الأزمات العامة هي أزمات طويلة زمنيا ، و الحرب الشعبية الثورية هي الإستراتيجية المناسبة في التعامل مع هذه الأزمات . و لم تكن الأحزاب الشيوعية في البلدان الامبريالية على وعي بطبيعة هذا النوع الجديد من الأزمة الخاص بالمرحلة الامبريالية ، و هذا قادها إلى إتباع خطوط سياسية غير ناجعة . إننا على وعي جيد بطبيعة الأزمة العامة الجارية الآن و قد استنتجنا و سنستنتج الدروس السياسية في خط كفاحنا السياسي، هذا هو السبب الثاني من بين تلك الأسباب الثلاثة و هو ما جعل من الصعب نجاح الأحزاب الشيوعية .
ثالثا : يتمثل السبب الثالث في التصور الخاطئ حول الأنظمة السياسية التي أنشأتها البلدان الامبريالية الأكثر تطورا بعد الحرب العالمية الثانية ، و التي تمكنت من خلال تلك الحرب من حل الأزمة العامة الأولى .
في مواجهة خطر الحركة الشيوعية فإن البرجوازية انطلاقا من الولايات المتحدة و منذ بداية القرن العشرين ( الفوردية التي ليست فقط تصورا لمجتمع المستهلكين بالاقتراض ، بل أيضا مجموع تصورات اقتصادية و سياسية و ثقافية ) وضعت تدريجيا نظاما من الإجراءات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و العسكرية للوقاية من تطور الحركة الشيوعية ، لكي تمنعها من تجاوز مستوي محدد : نحن الشيوعيون نسمي ذلك أنظمة الثورة المضادة الوقائية .
لقد استخلصنا الدروس من إخفاقات الموجة الأولى ، لذلك فإننا نتقدم بثقة نحو النصر ، و قد وصفنا تلك الأنظمة في برنامج حزبنا ( الفصل 1.3.3 ) و لا يمكن القيام بالثورة الاشتراكية دون أن نأخذ بعين الاعتبار تلك الأنظمة ، إن عدم فهم طبيعة تلك النظم الجديدة سيجعل النتائج المترتبة عن السببين المشار إليهما سابقا أشد خطورة .
نحن نشهد الآن ولادة جديدة للحركة الشيوعية في العالم كله ، و ليس فقط في بلدنا ، و هي تتم على أرضية امتلاك الوعي بأسباب الإخفاقات ، و كنتيجة لذلك بلورة تصور للعالم و خط ضروري بتجاوز الدغمائية ، التي سجنت الأحزاب الشيوعية في تصورات و خطوط غير ملائمة للأوضاع و لأشكال و نتائج الصراع الطبقي .
ذلك هو التصور الذي مكننا في الآونة الأخيرة ـ في مواجهة تسارع الأزمة العامة ، في مواجهة مرحلتها النهائية التي بدأت منذ سنة 2007 ـ من صياغة خطة تأسيس سلطة للكتلة الشعبية : كوسيلة واقعية بالنظر إلى المستوى الذي بلغه نهوض الحركة الشيوعية في بلادنا ، حتى نواجه التأثيرات الأشد خطورة للأزمة وبذلك سندعم الولادة الجديدة للحركة الشيوعية ، وصولا إلى بناء الاشتراكية التي هي الحل النهائي و الوحيد للأزمة الراهنة .
سؤال : و مع ذلك تظل هناك واقعة تتمثل في أن البلدان الاشتراكية الأولى التي تأسست خلال الموجة الأولى من الثورة البروليتارية انتهت إلى الفشل ، فعلى أية قاعدة تعتقدون أن البلدان الاشتراكية التي ستشكلونها ستظل واقفة على قدميها و ستنجز بنجاح مهمة الانتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية ؟
جواب : في الحقيقة إن البلدان الاشتراكية الأولى بعد فترة من التطور و النجاحات الكبرى ( فترة لينين و ستالين في الاتحاد السوفياتي و فترة ماو في الصين ) دخلت في مرحلة الانحطاط و في النهاية سقط معظمها ( الاتحاد السوفياتي و الديمقراطيات الشعبية في أوربا الشرقية ) أو غيرت لونها ( الصين ) هذه واقعة خطيرة و لكنها ليست مستعصية تماما على الفهم : التاريخ الإنساني لم ينته ، في التاريخ الإنساني كل ثورة لم تترسخ إلا من خلال محاولات متتالية ، و هي تتجاوز إخفاقاتها و هزائمها .
قبل مائتي عام من الآن في 1815 كانت الثورة البرجوازية تبدو و كأنها انهزمت نهائيا ، و ثبتت عملية إعادة البناء ( مؤتمر فيينا ) من جديد الأنظمة الإقطاعية في كل ركن في أوربا ، و لكن بعد زهاء ثلاثين سنة أي بدءا من 1848 انتصرت الثورة البرجوازية في أوربا كلها ، حتى حدود الإمبراطورية الروسية القائمة آنذاك ، و خلال بضع العقود ترسخت نهائيا .
إن الهزيمة التي عرفتها الحركة الشيوعية وضعت على كاهل البشرية و بشكل خطير المشاكل التي عليها حلها ببناء الاشتراكية ، و من حيث طبيعتها فإن الثورة الاشتراكية هي تغير أشد عمقا من الثورة البرجوازية ، إنها نهاية انقسام البشرية إلى طبقات مستغلة و أخرى مستغلة ، طبقات مضطهدة و أخرى مضطهدة ، هذا الانقسام الذي بدأ منذ ما قبل التاريخ و لا يزال يسود الحياة الإنسانية منذ خمسة آلاف سنة . إذن فإنه من طبيعة الأشياء أن هذه الثورة لن تنتصر نهائيا و على صعيد العالم إلا من خلال محاولات متتالية و هي تتجاوز هزائمها ، و على الإنسانية أن تكتشف و تتعلم كيف تتغير .
تطلق البرجوازية عقيرتها بالصياح قائلة إن الحركة الشيوعية قد انهزمت نهائيا وهذا سلاح حربي تريد من وراء استعماله الحيلولة دون نهوض جديد للحركة الشيوعية ، و الأشخاص ضعاف النفوس و القسم المتأخر من الجماهير الشعبية يتأثر بتلك الدعاية ، و لكن يتوجب على الإنسانية حل المشاكل التي ولدتها الأزمة الجديدة للرأسمالية و التي تنتشر على مستوى عالمي ، هذه الأزمة التي بدأت بوادرها منذ ثلاثين عاما و دخلت مرحلتها الأخيرة منذ سنة 2007 ، مع الأزمة المالية التي انطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية و التي أصبحت الآن أزمة اقتصادية عالمية .
و تضاف إلى هذه الأزمة العامة الأزمة البيئية ، و على الإنسانية إيجاد حلول أيضا لهذه الأزمة الأخيرة ، إنها المرة الأولى التي توجد فيها مثل هذه الأزمة في تاريخ البشرية ، و هي ناتجة عن التطور الذي عرفته الإنسانية في إطار النظام الرأسمالي ، و لا يمكن تحقيق هذا الحل في ظل هذا النظام ، و محاولات القيام بذلك ليست إلا إجراءات مؤقتة أو مشاريع معلقة في الهواء . و بالتأكيد فان انهيار البلدان الاشتراكية الأولى لا يشجع الكثير من الناس على قبول إمكانية تأسيس تجارب جديدة حتى لو يكن هناك أي بديل آخر للرأسمالية . غير أن محاولات تطبيق آفاق و بدائل أخرى للرأسمالية غير بناء الاشتراكية لم تفض و لن تفض في أحسن الأحوال إلا إلى إعادة اقتراح مشاريع مسودات قديمة لتحسين الرأسمالية ، و هو ما تم على يد الحركة الاشتراكية قبل ولادة الحركة الشيوعية منذ مائة و ستين عاما .
و بالنسبة إلى هؤلاء الذين يودون دراسة تجربة البلدان الاشتراكية الأولى لكي يتعلموا منها ، فان تلك التجربة تبين على عكس ذلك أنه يجب العمل على تحقيق نجاح البلدان الاشتراكية الجديدة ، و ان يكون ذلك تجاوزا نهائيا و على صعيد عالمي للرأسمالية .
لقد نشأت البلدان الاشتراكية الأولى في بلدان متأخرة من زاوية التطور الرأسمالي ، كانت بلدانا تنتمي إلى النظام الامبريالي العالمي ، و لكنها لم تكن في مقدمته بل كانت بلدانا مضطهدة في إطار النظام الامبريالي العالمي ، و بالنسبة إلى الحركة الشيوعية فإن الانتصار في هذه البلدان كان نسبيا أسهل من الانتصار في البلدان الامبريالية ، و بالفعل فقد نجحت رغم الحدود التي أشرنا إليها سابقا .
ان النصر في البلدان المضطهدة قد مكن من إعطاء دفع للحركة الشيوعية في العالم قاطبة ، بما في ذلك في البلدان الامبريالية ، و لكن ذلك لم يكن كافيا للانتصار على صعيد عالمي ، لقد نجحت البرجوازية و بقية الطبقات السائدة و المؤسسة الدينية و بالأخص الكنيسة الكاثوليكية ـ التي أصبحت بدءا من نهاية القرن التاسع عشر و تحت قيادة ليون الثالث عشر خادمة للبرجوازية ـ في التصدي للتهديد الذي كان ينيخ بكلكله على نظام الامتيازات و الاستغلال ، لأجل هذا فإننا اليوم إزاء الموجة الجديدة من الثورة البروليتارية ، و علينا بمعنى ما أن نبدأ من جديد ، و لكن انطلاقا من مستوى أرقى من التجربة و المعرفة : الماركسية اللينية الماوية .
إننا نعتز بالتجارب الاشتراكية الأولى ، و ندرك الدروس الأساسية التي قدمتها لنا و علينا الاستفادة من هزائمها و انتصاراتها ، علينا التعامل مع تلك التجارب كقواعد حمراء للانطلاق نحو الثورة البروليتارية العالمية ، و هي ستؤدي دورها على هذا الأساس لبعض الوقت ، و سينتج عن ذلك تطور الثورة الاشتراكية في البلدان الامبريالية و بقية العالم و قد رأينا لماذا لم يحصل ذلك سابقا .
و فضلا عن هذا على كل بلد اشتراكي أن يتطور بشكل يسمح بتجاوز العلاقات الاجتماعية السائدة ، و المضي نحو الشيوعية ، و كتحصيل حاصل عليه معالجة التناقضات الموروثة ، فما هو الأساسي بين تلك التناقضات ؟
نحن الشيوعيون نلخص ذلك في سبع تناقضات :
1 التناقض بين السادة و المسودين .
2 التناقض بين العمل الفكري و العمل اليدوي .
3 التناقض بين العمل التنظيمي و العمل التنفيذي .
4 التناقض بين المدينة و الريف .
5 التناقض بين النساء و الرجال .
6 التناقض بين الكهول و الشباب .
7 التناقض بين البلدان و الجهات و القطاعات المتطورة و بين البلدان و الجهات و القطاعات المتخلفة .
على كل بلد اشتراكي معالجة هذه التناقضات ، فحلها يمكن من تجاوز انقسام البشرية إلى طبقات ، بفعل نمط الإنتاج الذي تنشأ عنه ، و عن الأفكار و المشاعر التي يقيمها الناس في إطاره . إن انتصار الثورة الاشتراكية في البلدان الامبريالية كان سيساعد البلدان الاشتراكية الأولى على التقدم في تطورها الخاص بها .
تمثل الاشتراكية مرحلة انتقالية ، فترة من فترات تاريخ البشرية ، و بقيادة الطبقة العاملة و حزبها على الاشتراكية إيجاد الحلول الخصوصية و الملموسة في كل بلد و في كل لحظة لكي تمضي نحو تشكيل إنسانية جديدة شيوعية على نطاق عالمي . يتصف الجنس البشري بذكائه و بقدرته على التطور على مستوى الثقافة و الأخلاق ، و تطوير نظام علاقاته الاجتماعية ، و ليس هناك أدنى شك في أنه سيجد حلولا مناسبة و ضرورية لكي يواصل حياته ، و أعداؤه فقط لخداعه و الدفاع عن نظام الامتيازات بإمكانهم الادعاء أنه يستحيل عليه ذلك و أنه لن ينجح في تجاوز النقطة التي بلغتها الرأسمالية .
فقط الناس الذي هم على قدر من وضوح الفكر بإمكانهم الجزم بأن الحلول ممكنة و ضرورية ، و هي لا تنزل بالتأكيد من السماء فلا وجود لحقائق يوحى بها ، فالجنس البشري يبني تاريخه على قاعدة تجربته ، و التصور الشيوعي للعالم يمثل علم التغيير الجاري ، انه علم تجريبي .
سنجد أنفسنا مرة أخرى مضطرين لتقديم حلول برجوازية متخلفة لمشاكل المجتمع الاشتراكي فذاك ما تفرضه علينا العادة و التقليد السائدين ، حتى يتم حالة بحالة تسيير الأمور . لقد تمكنت البلدان الاشتراكية الأولى من مواجهة اعتداءات الدول الامبريالية بنجاح ، و لكنها انحطت بعد ذلك بسبب مضاعفة الحالات التي بسبب تأخر الشيوعيين ، و تحت تأثير البرجوازية ، قدمت خلالها الطبقات الحاكمة الجديدة حلولا برجوازية للمشاكل التي عرفتها البلدان الاشتراكية خلال تطورها .
لقد أكثر المحرفون المعاصرون بدءا من كروتشوف في الاتحاد السوفياتي سنة 1956 وصولا إلى دنغ سياو بنغ في الصين سنة 1980 بشكل منظم من اعتماد الحلول البرجوازية ، و عندما تضاعفت تلك الحلول و طال أمدها أدت إلى الانحطاط و في النهاية إلى السقوط أو تغيير اللون : لقد تحول الكم إلى كيف ، هذا هو الدرس الذي يقدمه الكفاح الذي خاضه الشيوعيون الصينيون بقيادة ماو تسي تونغ للحركة الشيوعية في العالم كله .
لقد مثل انحطاط و سقوط البلدان الاشتراكية الأولى مأساة حقيقية ، و لو لم يحصل ذلك ما وصلت الإنسانية إلى الوضع الذي هي فيه الآن ، في الاقتصاد و البيئة و الثقافة و الأخلاق و العلاقات الاجتماعية في مختلف البلدان و على مستوى العالم ، أي انه لو تمكنت الحركة الشيوعية في الوقت المناسب من تجاوز حدود فهمها للعالم و للتاريخ الذي تصنعه البشرية لكان الوضع مختلفا .
لقد أمكننا تجاوز تلك الحدود فقط بعد الذي حصل و بفعل تلك التجربة المأساوية و بإمكان البلدان الاشتراكية الجديدة تأدية مهمتها التاريخية بنجاح ، و من أجل هذا الهدف سنخوض الكفاح بثقة عالية في النفس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل صغيرة منسية.. تكشف حل لغز اختفاء وقتل كاساندرا????


.. أمن الملاحة.. جولات التصعيد الحوثي ضد السفن المتجهة إلى إسر




.. الحوثيون يواصلون استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل ويوسعون ن


.. وكالة أنباء العالم العربي عن مصدر مطلع: الاتفاق بين حماس وإس




.. شاهد| كيف منع متظاهرون الشرطة من إنزال علم فلسطين في أمريكا