الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا قال نيتشه عام 2010

عصام عبدالله

2010 / 11 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لو أن «نيتشه» قد ظهر بيننا عام 2010، تري ماذا كان سيقول عن عالمنا؟ .. هذا السؤال طرحه الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي في مقاله «من نحن؟.. أو من نكون؟، عالمية أخلاقية وخدع اقتصادية»، وأجاب: أن «نيتشه» كان سيرفض هذه اليوتوبيا الكانطية التي تطابق بين المجتمع الأخلاقي والأنواع البيولوجية . وسيقول في جرأة إن هذا المشروع منافٍ للعقل أكثر مما كان منذ قرن مضي ذلك لأن هذا المشروع، حتي إذا كان مرغوبا، فإنه غير عملي أو ملائم. في عام 1900 عندما كان هناك نصف بليون من البشر في العالم، وعندما كانت هناك غابات علي سطح الأرض وأسماك في البحر، كان يمكن لهذا المشروع الذي ينطوي علي المساواة ان يكون له بعض المعقولية - أما في عام 2010 فسيكون لدينا سبعة بلايين من البشر، ولا غابات تقريبا ، ولا أسماك إلي حد كبير! . وهكذا يمكن ان نتصور «نيتشه» يقول: إن المساواة الديمقراطية كان يمكن إن تكون فكرة طيبة في عام 1900 أما الآن فلا يمكن ان يتقدم بها إنسان علي أنها اقتراح عملي.

رورتي يشرح هذه النقطة الجوهرية عند «نيتشه» بإسهاب: لقد كان ذلك الجزء من العالم (أوروبا) الذي رعي المسيحية وحركة التنوير محظوظا علي نحو متميز والافتراض بأن مجتمعنا الأخلاقي يجب أن يتماثل مع أنواعنا البيولوجية، من (الممكن) أن يتحقق لأناس يعيشون في مجتمع الوفرة، يتمتعون بحظ طيب يكفي لأن يكون لديهم من السلع المادية أكثر مما يحتاجونه في الحقيقة، لكنه افتراض (مستحيل) بالنسبة لهؤلاء البؤساء من البشر الذين يجب عليهم ان يصارعوا (الندرة والفقر والعوز) من أجل البقاء: ان العالمية الأخلاقية من ابتكار وابتداع الأغنياء.

إن المناطق الغنية من العالم ، هي التي حققت بالفعل بعض أحلام حركة التنوير، وهي أيضا المناطق التي انطلقت منها التكنولوجيا، فالتكنولوجيا هي التي جعلت أوروبا (غنية) قبل ان تبدأ حركة التنوير في جعلها (ديمقراطية).

وهؤلاء البشر الأغنياء هم بالفعل متميزون، ومن ثم يشعرون بالأمن بشكل متميز ، فضلا عن أنهم استطاعوا ان يأخذوا فكرة الديمقراطية مأخذ الجد، والتي هي نموذج مصغر من الديمقراطية العالمية . فالمثالية الأخلاقية ترافق النجاح الاقتصادي وتتزامن معه، والواضح ان النجاح الاقتصادي ليس شرطا كافيا للأول، وإن كان شرطا ضروريا كما قال «نيتشه».

ويؤكد رورتي: ان أية اجابة علي سؤال «من نحن ؟»، يجب ان تضع (المال) في الحسبان . وقد يكون «كارل ماركس» مبالغا عندما قرن الأخلاقيات بمصالح طبقة اقتصادية معينة ، ولكن كانت له رؤيته ( السديدة )، وهي: أن أي مشروع محتمل أو ممكن سياسيا لإعادة توزيع الثروة بشكل متساو وعادل، يتطلب أن يكون هناك أموال كافية لتضمن أن الأغنياء - بعد إعادة التوزيع سوف يظلون قادرين علي ان يظهروا أنفسهم، وان حياتهم تستحق ان يعيشوها، والطريق الوحيد الذي يمكن ان يفكر فيه الأغنياء علي أنهم جزء من المجتمع الأخلاقي نفسه مع الفقراء، هو الإشارة إلي بعض السيناريوهات التي تقدم الأمل لأطفال الفقراء دون حرمان أطفال الأغنياء من الأمل نفسه.

رورتي ينهي مقاله المهم في العدد 173 - 117 من مجلة ديوجين التي تصدر عن اليونسكو بهذه الفلسفة الجديدة، يقول: «أنا لا أحاول أن أتنبأ كما أنني لا أقدم توصيات للعمل، بل إنني أقدم حججا فلسفية تقوم علي ثلاث مقدمات منطقية: الأولي هي أن السؤال الفلسفي المبدئي ليس ماذا نكون؟، ولكن «من نحن ؟». والثانية هي أن «من نحن؟» تعني: إلي أي مجتمع من الثقة المتبادلة ننتمي ؟.

والثالثة هي أن الثقة المتبادلة تعتمد علي الإمكانية كما تعتمد علي النية الحسنة ، وما أخلص إليه من هذه المقدمات هو ان التفكير في الآخرين كجزء من «نحن» ذاتها، لا يعتمد فحسب علي الرغبة في مساعدة هؤلاء الناس، بل أيضا علي الاعتقاد بأن الإنسان قادر علي أن يساعدهم وعلي وجه الخصوص فإن اجابة السؤال «من نحن؟»، ومفادها: «نحن أعضاء في مجتمع أخلاقي يضم الأنواع البشرية»، يعتمد علي قدرتنا علي الاعتقاد بأننا يمكن ان نتجنب أولا الحيل والخدع الاقتصادية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤول إسرائيلي: حماس -تعرقل- التوصل لاتفاق تهدئة في غزة


.. كيف يمكن تفسير إمكانية تخلي الدوحة عن قيادات حركة حماس في ال




.. حماس: الاحتلال يعرقل التوصل إلى اتفاق بإصراره على استمرار ال


.. النيجر تقترب عسكريا من روسيا وتطلب من القوات الأمريكية مغادر




.. الجزيرة ترصد آثار الدمار الذي خلفه قصف الاحتلال لمسجد نوح في