الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في :(ثلاثية الحلم القرمطي ) د.محي الدين اللاذقاني- مكتبة مدبولي

كامل داود
باحث

(رويَ اêيçï المïèçل ئ الكêçè في الïيوçنيé)

2010 / 11 / 15
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



ليس من الغريب ان يتمكن المستشرقون من الوصول إلى دهاليز تاريخنا والكشف عن خفاياه ،وفيما يتعلق بالقرامطة فأن أول دراسة أكاديمية عن تلك الحركة قدمها الهولندي "ميكال يان دي خويه" في القرن التاسع عشر (1862م) وأول بحث لنيل الدكتوراه في أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية من إعداد الإنجليزي برنارد لويس (عام 1912م).
وبدلا من اتهام اؤلئك المستشرقين بالتآمر على العروبة والإسلام،لا بد من قراءة جديدة للتراث مع خالص اعتزازنا به ،كما يقول المفكر الجزائري الراحل محمد اراكون ،وما (ثلاثية الحلم القرمطي ) إلا من تلك القراءات الجادة ، وهي رسالة محيى الدين اللاذقاني لنيل الدكتوراه التي حاول بها الإجابة عن الأسباب التي أدت لظهور تلك الحركة الثورية المتهمة بالإلحاد والزندقة وأفتى مشايخ الإسلام بعدم قبول توبة أعضائها ،وانبرت لها الأقلام والسيوف وأضرمت النيران لحرق كتبهم وأفكارهم كل هذا ولم تمض على بزوغ الإسلام ثلاثة قرون .
ولو رجعنا قليلا في التاريخ قبل القرامطة لوجدنا إن الدولة العباسية قد استمدت شرعيتها ونجاح تنظيمها السري من مطالبتها بولاية (الرضا من آل محمد ) وكانت دعوتها تهدف العدالة الاجتماعية والمساواة بين المسلمين في الثروة والسلطة ولكن ذلك لم يتحقق وذهبت وعودهم أدراج الرياح .
وتحولت إدعاءات العباسيين، بالعمل بالكتاب والسنة إلى توظيف لهما ( الكتاب والسنة ) لتثبيت الحكم الاوليغاركي المطلق وتبرير استئثارهم بجميع السلطات، وضيقوا الخناق على أبناء عمومتهم الأمر الذي أشعل فتيل الثورات المستمرة بقيادة آل علي وامتداداتهم من الحركات السرية المنظمة ومنها حركة القرامطة في القرن الثالث الهجري .
ولعل حركة القرامطة من أكثر الحركات التي اكتنفها الغموض والإبهام ويبدو إن مرد ذلك يعود إلى ما في بطون كتب التاريخ من الافتراءات والتهم التي الصقها المؤرخون بروايات متناقضة يعتريها الاختلاف ولكن هؤلاء المؤرخين عادوا ليتفقوا على التحامل والتحريض ولم يكتفوا بوصف القرامطة بالخارجين على إمام زمانهم ، بل بلغ عندهم ذلك إخراج القرامطة من حظيرة الإسلام وعدم قبول توبة القرمطي إذا تاب حسب ما أفتى به الإمام الغزالي .
ان هذا العداء السياسي والمذهبي ابعد الكثير من المؤرخين عن موضوعيتهم في تقييم الواقع الاجتماعي والاقتصادي الذي إفرز الحركة القرمطية ومنحها القوة والثبات .
ولم تظهر الدراسات التاريخية العلمية التي بحثت في الحركة القرمطية إلا في القرن التاسع عشر الميلادي وكانت باكورة ذلك رسالة دكتوراه لمستشرق هولندي نبه إلى أهمية القرامطة ودورهم في التاريخ الإسلامي ، ثم توالت الدراسات سواء من المستشرقين أو من المؤرخين العرب المحدثين ولعل ذلك يعود الى انتشار الفكر الاشتراكي ومحاولة الربط بينه وبين الطروحات الاقتصادية القرمطية .
وبالرغم من كثرة تلك الدراسات ،إلا ان موضوع القرامطة لم يفقد بريقه وإغراءاته للباحثين حتى يومنا هذا ، فكانت دراسة الدكتور محي الدين اللاذقاني والموسومة ((ثلاثية الحلم القرطي )) محاولة جريئة في النبش بهذا المضمار .
جاءت هذه الدراسة على ثلاثة أجزاء ، تناول في الجزء الاول النشأة والتفسير والاطار التاريخي والجغرافي والمحتوى السياسي والاجتماعي حيث قسم القرامطة الى قرامطة العراق وقرامطة الشام وقرامطة البحرين وقرامطة اليمن للاستقلال النسبي لكل حركة تبعا لميدا نشاطها ، مرجحا ان أصل التسمية مشتق من كلمة قرمط والتي تعني(الفلاح) بالنبطية السائدة في جنوب العراق معززا رأيه بتأكيد الطبري ان مهنتهم هي الفلاحة او قد يكون اصلها من الكلمة اللاتينية التي تعني الحرف ،ولم يستبعد رأي انستانس الكرملي الذي افاد بأن قرمط بالأرامية تعني الخبيث او المحتال .
وتعرض الجزء الثاني للشعر القرمطي فأدرج اللاذقاني عددا من الشعراء ومنهم المتنبي مستشهدا بمجموعة من القصائد التي تناول بها الشعراء القرامطة اغراضا متنوعة تصب في جهد الحركة القرمطية ونشاطها الفكري والسياسي .
فيما غطى الجزء الثالث ما وصل من النثر القرمطي من كتب ورسائل وخطب ومحاورات وشرح للعقيدة ، مبدياً اهتماماً استثنائياً ب(رسائل إخوان الصفا ).
وأظهر اللاذقاني في هاتين الجزأين إهمال مؤرخي الأدب العربي للمنجز الثقافي القرمطي معللا ذلك الإهمال بالتحيز الذي أدمنه المؤرخون للسلطات الحاكمة وتجنب قمعها السياسي والفكري، كما إن الاسماعيلين قديما وحديثا (سطوا على تراث القرامطة ونسبوه إلى أنفسهم مستغلين التشابه في عقيدة الحركتين ) ص250
لقد رجح اللاذقاني عمل القرامطة السري ونشاط دعاتهم إلى أوائل القرن الثالث الهجري أما ظهورهم العلني فقد اعتمد في تحديده على رواية الطبري(ت310 هـ ) والتي يراها اقرب الروايات الى التصديق والذي أشار الى ظهور القرامطة في أحداث سنة 278هـ ، وقد عرف الطبري بأتباع المنهج الحولي الموضوعي في سرد تاريخه ، وقد اصاب اللاذقاني بذلك لأن الطبري كان معاصرا للحركة القرمطية وان لم يسجل لنا نشاطها قبل سنة 278هـ وبذلك يتأكد لنا ميل المؤرخين العرب الى الحط من شأن التنظيمات الراديكالية والذهاب بنسب قادتها الى اليهود وهذا ما لاحظه كولدزيهر (ص14)
وبالنسبة للقرامطة فقد لفت اللاذقاني الى كتاب المقدسي (احسن التقاسيم في معرفة الاقاليم ) والذي ادرج فيه المقدسي مرويات عن الرسول والخلفاء تنتقص من قدر الاحوازين وتشكك بوفائهم واراد اللاذقاني ان يثبت ان لقب الاهوازي الذي اطلقه المؤرخون على اول داعية قرمطي ( الحسين الاهوازي ) يراد به الغمز من مبادئه وتصغيره بعيون المسلمين .

علاقة القرامطة بالاسماعيلية
تواتر الخلط بين الحركتين عند الكثير من المؤرخين حتى أصبح من البديهيات التاريخية في كتب الاسماعيلين الجدد فيقول اللاذقاني في ذلك إنهم استماتوا في سبيل نسبة هذه الحركة إلى أجدادهم الأوائل(ص17) مشككاً بما يطلقون عليه ( الوثائق السرية ) التي لم يرها أحد ، ومما زاد من شكوكه تضارب الآراء والمعلومات التاريخية عند الكاتبين الاسماعيلين المعروفين مصطفى غالب وعارف تامر .
إن اللاذقاني قد أفنى الكثير من الجهد والتحقق في كتابه هذا ، ليفك ارتباط القرامطة من مزاعم الاسماعيلين بوحدة الحركتين ، ومن شواهده نكران الفاطميين لعلاقتهم بالقرامطة عندما انتزعوا الحجر الأسود من مكة ، بيد أن الفاطميين عادوا للإدعاء بالنسب المشترك حينما أصبح (القائد القرمطي الحسن الأعصم) ذا قوة عسكرية مؤثرة مكنته من احتلال دمشق والوقوف على أبواب القاهرة ، وكان الأعصم هذا قد خطب في دمشق قادحا بنسب الفاطميين ومتهما (ميمون القداح ) بأبشع التهم ، في الوقت الذي يجل به الفاطميون آل القداح أعظم الإجلال .
ولا ينكر اللاذقاني ان تكون هناك علاقة بين الحركتين في مرحلة من مراحل التنظيم السري وهذا أمر طبيعي عند متعاطي الساسة ، ولكن العلاقة بين القرامطة والاسماعيلين قد تقطعت أوصالها في معركة السلمية التي انتصر بها القرامطة ومنذ ذلك الحين بدأ القرامطة بالعمل لحسابهم الخاص .

إخفاق القرامطة في إقامة دولة في العراق
وإن اختلف المؤرخون في سرد تفاصيل الحركة القرمطية الا انهم اجمعوا على ان ارض السواد كانت مهدا للحركة وعلى ضفاف رافديه اندلعت أول انتفاضاتهم 274هـ ، واول ميدانا للصدام المسلح كان في جنبلاء (بين واسط والكوفة ) 289هـ والتي كلفت القرامطة ثمنا باهضا من القمع الذي خلق ردود أفعال عنيفة طفحت على سلوك المقاتل القرمطي في المعارك واقتحام المدن وقطع طريق الحجيج .
وكانوا قبل ذلك قد سلكوا الطريق الاقتصادية بذكاء منقطع النظير عندما فرضوا على اتباعهم خمسين صلاة في اليوم الواحد ،ومن الواضح ان ذلك الإضراب (المقدس) عن العمل لايجد عنده ملاكو الارض حجة لمنع فلاحيهم الاجراء (المؤمنين) من الصلاة حتى لو تحولت الارض الى خراب !!
لقد أفاد اللاذقاني في مواطن كثيرة من كتابه بأن قرامطة العراق يشكلون ثقل الحركة القرمطية ، وان انسحابهم أحدث كل تلك الانقسامات ، ولكنه لم يجب عن سر اخفاقهم في تأسيس دولة قرمطية بالعراق على غرار قرامطة البحرين واليمن او السلمية في الشام على الاقل ، ولم يقل لنا اللاذقاني هل ان العامل الجغرافي اخذ فعله في ذلك ؟ فالكوفة على مرمى حجر من مركز الخلافة ومقر القوات العسكرية وأفضل قطعاتها في التدخل السريع والدليل تجربة جنبلاء .
أم ان ذلك يتعلق بطبيعة المجتمع العراقي ذي التنوع الفكري والسياسي ؟
الواقع لم يشبع اللاذقاني تلهفنا لمبررات ذلك .

انتزاع الحجر الاسود ونقله الى هجر في البحرين
هذه الواقعة شوهت التاريخ القرمطي كثيراً، فقد اقتلعوا الحجر الأسود من الكعبة عام 317هـ وحملوه إلى البحرين ولم يعيدوه حتى عام 339هـ وقد اشتراه الأمير الفاطمي ،بحكم القرامطة بخمسين الف دينار وكان هذا المبلغ يشكل ثروة طائلة في وقت كانت العائلة تتمتع بالعيش الكريم بمبلغ 300 درهم سنويا .
يعلل اللاذقاني غزو الكعبة ونقل الحجر الاسود الى عدة اسباب :
1. ثأراً لقتلى معركة جنبلاء .
2. اذلال الخليفة والحط من هيبة الدولة العباسية .
3. فتوى الحج النظري التي اطلقها الحلاج ودفع حياته ثمنا لها .
4. الكسب الاقتصادي
وفيما يتعلق بالهدف الاقتصادي فقد استثمره القرامطة أيما استثمار وتمرسوا بما يعرف
( بذرقة الحج ) فقد كانت عملية قطع طريق الحجاج شائعة قبل القرامطة ، والبذرقة هي حماية تلك الطرق مقابل اتاوة مالية ، وقد بلغت اتاوة القرامطة من الاخشيد وحده حوالي 300 الف دينار لقاء ذلك ، اما علاقة ذلك بتدين القرامطة فيقول اللاذقاني ( ان المشكلة مع القرامطة وغيرهم من اصحاب الفرق المتناحرة في القرن الثالث الهجري انهم لا يتركون لنا المجال لنعرف مؤمنهم من كافرهم ) ص 74 .
ولم تتهم حركة بمثل الذي اتهم به القرامطة من المروق عن الملة حتى وصل الامر بالإمام الغزالي أن يفتي بعدم قبول توبة القرمطي اذا تاب لأنه يقول بالتقية ، ولكن اللاذقاني يروي نصا عن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد يقول فيه ان ابا حنيفة النعمان قد افتى بالقتال الى جانب القرامطة (ص82) وهو ما وفر للذاقاني الاطمئنان على ايمانهم!!! و فاته ان أبا حنيفة قد توفي عام 150هـ أي قبل ظهور القرامطة بأكثر من قرن .
قرمطيةالحلاج ( 244هـ - 309 )
يقول اللاذقاني (لقد اجمعت كتب التواريخ والادب والعقائد على قرمطية الحلاج ) رادا بذلك على اصرار بعض المستشرقين ومنهم لويس ماسينون(1883-1962م) بضرورة التفرقة بين القرامطة والمتصوفة) ص 123 ويريد ماسينون من ذلك ان يظهر تأثير التصوف المسيحي ، ولم يكتف اللاذقاني بالتأكيد على ان الحلاج على مذهب القرامطة بل هو يطرح استنتاجا جريئا فارضاً فيه ان الحلاج هو نفسه الداعي القرمطي الاول ( حسين الاهوازي ) ص125
وان فرضه هذا لا يقوم على تطابق الاسماء ومكان الولادة فقط بل يعتمد بالكثير منه على منطق التاريخ .
فأن ابا المغيث الحسين بن منصور الحلاج ولد في الاهواز عام 244هـ وانتقل الى البصرة وكانت اقامته فيها في قبيلة عربية عرفت بالتمرد والثورة وعندما اعلن صاحب الزنج ثورته، اشترك الحلاج فيها وهو ذو العشرين ربيعا ،واضطر بعد فشل الثورة الى الهروب والاختفاء في بغداد ولم يظهر حتى ثمانينات القرن الثالث عشر وتحديدا بعد القضاء على الانتفاضة القرمطية عام 278هـ .
ويذهب اللاذقاني بعيدا بهذه الفرضية التاريخية الفريدة بالاشارة الى تطابق الصفات الخلقية والسلوكية للرجلين من حيث الورع والتقوى ،فلِمَ لا يكون الحلاج هو الذي هرب من سجن الهيصم حسب الرواية المتواترة بأسم الحسين الاهوازي ، فقد كانت الاسماء الحركية معروفة عند القرامطة ،وان الحلاج تسمى بالكثير منها،وكانت الرشوة اسلوبا شائعا آنذاك سواء عند القرامطة او غيرهم ويرى اللاذقاني ان الرشوة اسلوب حلاجي !!
ثم يعود اللاذقاني ليغمز من دراسة لويس ماسينون فيقول (لقد اراد ماسينون ان يجعل من الحلاج شهيداًمسيحياً لأعتقاده بالتأثيرات المسيحية على التصوف الاسلامي )ص131
ويخلص اللاذقاني الى ان الحلاج سيد المسيرة القرمطية ولعب في دار الخلافة مثل راسبوتين في بلاط القياصرة ،ومن المؤكد ان الاشارة هنا الى علاقته بشغب ام المقتدر العباسي التي وقفت الى جانبه في سجنه ومحاكمته ،ولم يشر اللاذقاني الى احدى المحطات المهمة في حياة الحلاج المضطربة ، وهي الفترة التي ادعى فيها السفارة للمهدي المنتظر
واصطدم على أثرها بالحسين بن روح(السفير الثالث ) والشلمغاني الشخصية الأكثر غرابة (للمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع الى كتاب الدكتور جواد علي –المهدي المنتظر عند الشيعة ألاثني عشرية) .
ويقع اللاذقاني في خلط تاريخي في هذه الفترة عندما يقول (تغيب الحسن العسكري الامام الثاني عشر للشيعة في السرداب ودعوة الأتباع للانتظار ) ص60
وخلافا لهذه الهنات ،فأن هذا الجهد الفكري قاد المؤلف الى الترحال في مجموعة من المراجع التاريخية المعتبرة والمصادر الاصيلة في دراسة هذه الحركة المثيرة سواء ما كتبه المستشرقون او المؤرخون العرب المحدثون فجاءت( ثلاثية الحلم القرمطي )في العدل والألفة والمساواة ،انجازا ذكيا وشجاعا لتاريخ القرامطة واستخلاصهم من بوتقة المزاعم الإسماعيلية القديمة والمحدثة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتماع مصري إسرائيلي أميركي مرتقب بشأن إعادة فتح معبر رفح| #


.. المتحدث باسم الخارجية الأميركية لسكاي نيوز عربية: الكرة الآن




.. رئيس مجلس النواب الأميركي يعلن أن نتنياهو سيلقي كلمة أمام ال


.. أربعة عشر متنافسا للوصرل إلى كرسي الرئاسة الإيرانية| #غرفة_ا




.. روسيا تواصل تقدمها على جبهة خاركيف وقد فقدت أوكرانيا أكثر من