الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزيرة في المغرب والمغرب في الجزيرة

سعيد هادف
(Said Hadef)

2010 / 11 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


أؤمن أن الحياة يصنعها الإعلام بمفهومه الواسع، فلو افترضنا أن مدينة نيو يورك احتضنت ندوة لمدة أسبوع وحضرها ألف شخص، وأطّرها ساسة متميزون، لكن ذلك كان خارج التغطية الإعلامية، فهذه الندوة بالنسبة للرأي العام النيويوركي لا وجود لها، كما لو أنها لم تحدث؛ بالمقابل لو أقام بضعة أشخاص لقاء في مكان خال، وسجلوا ترهاتهم وبثوها عبر اليوتوب، ثم تناقلت أهم الوكالات والفضائيات منا بثّه اليوتوب، وتناولته بالشرح والتحليل، فبطبيعة الحال، فإن هذا اللقاء سيشد إليه الرأي العام العالمي وسيخلف من ورائه ضجيجا وعجيجا....
وقناة الجزيرة منبر إعلامي لايستهان به، فقد استقطب أهم الكفاءات الإعلامية العربية، وأمدها بكل الإمكانات وسمح لها بمساحة واسعة من الحرية والإبداع، ولكن داخل خطوط مختلفة الألوان، لا مكان فيها للحياد، وحتى الحياد في حد ذاته هو شكل من أشكال الانحياز.
ذات يوم - ونحن نتابع هذه القناة- قال لي :"ألم تلاحظ شيئا في شعار الجزيرة". قلت له :" لم أفهم قصدك"، فرد علي :" الشعار يظهر لنا الكرة الأرضية تغرق في البحر، وفي الآن ذاته تصعد الجزيرة دون أن يظهر الكوكب" ثم أضاف :"كما لو أن الشعار يقول: في الوقت الذي يغرق العالم تزدهر الجزيرة". الحوار دار بيني وبين الشاب المغربي، وبدا لي أن تأمله السيميولوجي ينطوي على جزء كبير من الصحة، فهو تأويل، حتى وإن اختلفنا معه، لا يقبل الدحض.
ثمة مواضيع طغت على الساحة هذه الأيام، وكان لتعليق نشاط قناة الجزيرة بالمغرب، قسط وافر من النقاش والتنديدات والتعاليق. من حق قناة الجزيرة أن يكون لها موقع قدم على أرض المغرب، وكان لها ذلك، كما من حق أي منبر إعلامي أن يكون له وجود في أي بلد من هذا العالم. وما دام من حق قناة الجزيرة أن يكون لها موقع قدم على أرض المغرب ففي نفس الوقت من حق أي مواطن مغربي أن تكون قناة الجزيرة في خدمته، وأن تكون المنبر الذي ينقل صوته، دون إفراط أو تفريط. فهل حرصت الجزيرة على صون هذه المعادلة؟
تحرص الجزيرة على نقل رسائل أسامة بن لادن والظواهري مثلا، رغم اختفائهما الكلي؛ والسؤال المطروح: ما الذي يلزم الجزيرة بذلك؟ أو من الذي يجبرها على ذلك؟ إن أقوال بن لادن، ستكون بلا أهمية إذا لم يتناولها الإعلام، ولن يسمع بها أحد؛ فعندما تسارع الجزيرة إلى بث تصريح لاقيمة له، وتعمل على معالجته تقنيا، وبالمؤثرات الصوتية والبصرية، فهذا لا يعني سوى شيء واحد: التأثير في المتلقي، وإيهامه أن الحدث جلل وجدير بالاهتمام، وبالتالي الحرص على تمرير رسالة ما، من أجل مقصد ما، ولمصلحة جهة ما. فهذا الاهتمام الكبير من الجزيرة بتصريح بن لادن مثلا، يقابله اهتمام بارد بأحداث أخرى، وأحيانا التجاهل الكلي. فالجزيرة تعاملت، على مضض، و بخجل واضح مع ملف مصطفى سلمى، كما لو أن مبادرة الرجل لاتستحق انشغالها الإعلامي، أو ما يحدث في المغرب الكبير بسبب المافيا السياسية وعدائها الممنهج للشعب المغاربي، لا يستحق ضوءها الإعلامي المقدس.
لقد حظيت الجزيرة بالترحيب المغربي، في وقت بقيت غير مرحب بها، خارج أسوار عدد من الدول العربية، و لايمكن للقناة أن تنكر أنها كانت واحدة من أهل الدار وفق الشروط المتاحة، فالمغرب الدمقراطي ينتمي إلى محيط متخلف ومفخخ بالأزمات، كما أنه – داخليا – يبادر ويبحث عن بدائل لمعالجة الذهنيات المتحجرة التي لم تستوعب بعد فلسفة العهد الجديد، و يصارع الفلول المتبقية من أعداء الدموقراطية وحقوق الإنسان؛ ويبدو أن الجزيرة لم تكن مؤهلة لفهم هذه المعطيات، وهذا ما جعلها أسيرة الفهم النمطي الذي ظل يتحكم في سياسة المنطقة، وهو فهم "لاتاريخي" بالقياس إلى النسق السياسي للتاريخ عامة، والتاريخ المعاصر خاصة.
لقد ظلت صورة المغرب في مرآة الجزيرة مبتسرة، إن لم نقل مفارقة للحقيقة، ولعل ما كتبه المحلل السياسي عبد الرحيم المنار السليمي يوضح جزء هاما من المعضلة التي ظل يعاني منها المتلقي العارف حينما يجلس إلى الجزيرة وهي تقص عليه سيرة المغرب؛ وهي معضلة ظلت تعاني منها القناة التي لم تتفهم انشغال هذا المتلقي الذي ظل يحاورها بكل دمقراطية، ويعاتبها بود، فكان لا بد من هذه النهاية. فإذا تجاهلت الجزيرة جوهر العلاقة المبنية على تبادل المنافع المشروعة طبعا، وما دامت الجزيرة لا تحترم مصالح المغرب المشروعة، فما الذي يلزم المغرب الدمقراطي على اختضانها؟ هل من الدمقراطيبة أن أفتح بيتي لمن لا يحترم قواعد الدمقراطية؟؟؟؟ ما حدث هو خسارة للقناة وليس للمغرب، فالقناة تستمد قوتها من سعة انتشارها، وما دامت هذه القناة لا تتحرى الحقيقة في تعاملها مع الملف المغاربي، وبالطريقة التي ترجع بالنفع على الشعب المغاربي، فليس من حقها أن تغضب من القرار المغربي، وليس من حق المنددين أن يلقوا باللائمة على وزير الاتصال المغربي إلا في إطار ما يعزز التوجه الدمقراطي للسياسة الإعلامية في المغرب.
إن حرية الإعلام جزء من كينونة المجتمع الدمقراطي، ومطلب كل منافح عن حقوق الإنسان، غير أن هذه الحرية بوصفها حقا فهي تلزم صاحبها بواجب الامتثال إلى حق الآخر الذي يريد لصوته أن يصل بنفس المعايير التي يريدها لحريته هو، والعكس صحيح. وعلى الذين أدانوا هذا التعليق أن يتحروا الحقيقة في إدانتهم وأن يراجعوها قبل أن تصبح مشاعا في حقل التداول الإعلامي والسياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاعلام و الدول
محمد يوسف ابن يعقوب ( 2010 / 11 / 15 - 17:18 )
شكرا سيدي على المقال الرائع.واود ان ادلي برايي المتواضع في هذا الصدد.فالجميع يعلم كيف تنحاز الجزيرة الى الفلسطينيين خاصة حركة حماس مستغلة تعاطفنا كشعوب عربية.وكيف يقمع صحفييها بعض المستجوبين الاسرائيليين.وكيف اججت الراي العام العربي و من ورائه العالمي ضد اسرائيل اثناء العدوان على غزة.ورغم كل ذلك لم تغلق اسرائيل مكتب الجزيرة.كما ان الجزيرة لا تحاور من المصريين الا المعارضين.والصحفيين المصريين من داخل القناة يظهرون حنقهم على حكومتهم.ورغم ذلك لم تغلق مصرمكتب الجزيرة.ونفس الشيء بالنسبة للاردن.اما بالنسبة للمغرب فقد فتح الدار للجزيرة .وبمقارنة تقاريرها حول المغرب يظهر جليا ان ابراز الجانب السلبي للمغرب هو الطاغي.كما ان الخبر حول المغرب يعطى بعناية تامة حيث المؤثرات الصوتية و الانارة و غيرها تكون اكثر اثارة في المواضيع التي تشوه صورة الدولة .لكن كل هذا لا يبرر اغلاق المكتب. بل العمل على خلق اعلام مستقل ينافس الجزيرة على الساحة العربية .خاصة ان شعبيتها لا محال ستتدنى ويل لمن اشارت اليه الاصابع.


2 - قناة الوسواس وقتل الشباب.
امازيغي وطني وحدوي ( 2010 / 11 / 15 - 19:58 )
النقد حين يصبح حرفة يقرا المقروء من العنوان...قناة الترترة والمسمات زور بقناة الممانعة طوز على الممانعة والقرسطوية متعششعة في قطر...وحين يكون هناك تموقع في موقع اللاموقع يصبح النقد حرفة....قناة الجزيرة قناة التطرف ونصرة المتطرفين وتميع المعارضة وهي التي تستضيف الصهاينة ليطلوا علينا وهي التي خدرت الشباب وقسمتهم الى برصويين ورياليين ،تخدم اجندة خارجية نكسها المغرب من ارضه لا يجد مراسيلها الا اكياس الازبال والتغر ليصوروا تعاليقهم البئيسة،صحيح ان الحريات في المغرب هشة وصحيح ان هناك ضعف تنموي ولكن على الاقل ان يحترمونا بقدر ما يحترمون غيرنا...

اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح