الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألرئيس السوبرمان .. حين غاب عن العراق .

سهيل حيدر

2010 / 11 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كنت وانا اتطلع الى شاشات الفضائيات العراقيه ، وهي تنقل مباشرة وقائع الجلسة الاخيره للبرلمان العراقي ، حيث تم انتخاب رئيس الجمهوريه ، ورئيس الوزراء ، مبهورا بما آلت اليه الاوضاع في العراق ، من حيث تلك الانتقالة المبهجه ، من واقع كان فيه المواطن العراقي ، لا يقوى على توجيه كلمة عتاب محضه لاي مسؤول في الحكومه قبل عام 2003 ، ولا يتمكن كائن من كان ، حتى ضمن السلالم العليا للدوله ، في ان يعلن عدم ترحيبه باي قرار صادر من الباب العالي وحاشيته المقربين .. واذا بالحراك السياسي الحالي ، يفضي في الكثير من اركانه ، الى ان يعبر الناس وعلى اختلاف مواقعهم ، بآراء تتعلق بادق الحيثيات الرسمية وشبه الرسميه ، دون شعور بالخوف ، ولا تحسب لمكمن أمني قد يحملهم اجسادا حية تدفن تحت التراب .
لقد تذكرت حينها تلك الانتباهة المفاجئه ، وبعيون لا تخلو من اطلالة مفزعه ، بدت على وجه المذيعة في احدى القنوات العربيه ، وهي توجه سؤالا لاول رئيس عراقي اعقب صدام حسين بعد عملية التغيير ، وهو الرئيس عجيل الياور ، حيث ابدت المذيعة رغبتها بمعرفة المهام المستقبلية للرئيس ، وفي وضع كانت الدولة قد هدت بكامل اركانها على يد الاحتلال الامريكي
أجاب الياور وبثقة تجلب الانتباه ، بانه لا يمكنه التكهن بالمستقبل وعلى وجه الدقه ، وان الزمن الذي كان الرئيس فيه سوبرمانا يفعل اي شيء ، قد انقضى بلا رجعه ، فهو قبل ان يكون رئيسا للجمهوريه ، كيان آدمي له شطحاته الفكرية ، والتي قد تؤدي الى الاضرار بالبلد ، إن لم يرافقها عمل دؤوب لمستشارين متخصصين ، وان لم تباشر بتقويمها معارضة تحمل سمات الوطنية الحقيقية والنقية من شوائب حب السلطه .. حينها كانت المذيعة مرتاعة من جواب كهذا على لسان رئيس عربي .. فهي معتادة على ان الرئيس ، هو المعلم الاول ، والمهندس الاول ، والخبير الذي لا يطال مقدرته خبير ، وصاحب اليد الطولى في صنع اي قرار مهما كان يحمل من خطورة تحدد مصير بلده وشعبه والى أجل بعيد .
وحينما اقتضت الضرورة الدستورية الى ان يغادر الرئيس عجيل الياور كرسيه الرئاسي ، غادره بكل هدوء ، وغاب في احضان حياته الاعتيادية والخاصه .. ولم نسمع منه لحد الان تصريح سياسي او سواه ، تاركا غيره من الناشطين في العملية السياسية الجاريه ، يفعلون ما يريدون ضمن حراكهم المستمر .
جلسة البرلمان العراقي الاخيرة ، والتي تم خلالها اختيار الرئاسات الثلاث في الحكومه ، عرضت نموذجا لم يعتده العراقيون ، ولم يمارسوه ضمن عهود حكمتهم فيها انظمة مختلفه ، وكان الشعب العراقي ، كبقية شعوب المنطقه ، لا يعرف للديمقراطية سوى اسمها المتداول في بطون الكتب والتقارير المحبطة للنفس ، حيث تبدو من خلال ذلك انصع حالات الابتذال السياسي والفكري ، والمعتمد على النفاق والتزوير ، والاستهانة بحياة البؤساء .. كل ذلك في سبيل السطو على السلطة والتلاعب بالاموال العامه .. لم يعتد الناس في العراق ، شأنهم شأن بقية الخلق في الوطن العربي ، على ان يداس لوزير في الحكومة طرف ، ضمن ندوة عامة او خاصه ، ولم يعرف العامة في العراق ، كبقية العامة في البلدان العربية ، أي سبيل متاح يؤشر لرئيس دوله ، بان هناك مجرد دعاية بين البسطاء ، توحي بانتقاد لادائه الميمون في حيز عمله الرسمي ، فكل هذه وتلك من المحرمات ، لا بل من المقدسات التي لا يجوز الاقتراب منها دون ان يكون الموت هو اقل عقوبة لمن يصر على تجاوز خطوطها الحمراء .. واذا ببرلمان وطني ، يصرخ اعضاؤه بوجه هيئة رئاسته ، يطالبونها باستدعاء رئيس الوزراء الى جلسة استجواب برلمانية يعرفون من خلالها اسباب تقصيره في الاداء .. إنه تقليد غير محمود ، تقليد يساهم في هد اعراف عشناها لعقود طويلة من الزمن ، تعلمنا خلالها كيف نلبي نداء المذياع للخروج بالالاف ، ندوس بعضنا بعضا حتى الموت ، من أجل ان نتشرف بالاقتراب من منصة تحية الرئيس والتبرك بهزة ذراعه ، ولا بأس من ان تختصرنا تلك الذراع الى حدود الصفر .. فذراع الرئيس وهي تهتز بتبختر فوق رؤوسنا المشرئبة الى الاعلى حيث يقف ، لم تكن تحيينا في الحقيقه ، انها تتحرك لتكتمل اللوحه ، ولتصبح الارقام المسجلة في يوميات ديوان الرئاسة مشغولة بما يجعلها مملوءة بالعمل ليس الا .. وعلى حين غره ، وبلا مقدمات ، يظهر لنا رؤساء في منطقتنا العربية ، يتقرر تنصيبهم بالاقتراع الحر ، والواقعي ، اقتراع من نوع آخر ، لا تحيطه اجهزة القمع ، ولا تفرضه معالم التقديس .
منذ ان تم انتخاب رئيس جمهورية العراق ورئيس وزرائه في ذلك اليوم ، ضمن جلسة البرلمان العراقي الاخيره ، تيقن لدي بان الجمع اللاخير من الانظمة العربية المعادية للتجربة العراقية ، لديهم كل الحق باتخاذ مواقفهم التخريبية ضد العراق وشعبه .. فأي نوع من التسويق ، ذلك الذي يمكن ان يقبل في عالمنا العربي المجاور والبعيد ، وهو يحمل معنى من معاني التعددية في الحكم ، ويرفض كافة صور التفرد ، ويسمح لرئيس ان يقول وبالفم المليان ، انه ليس سوبرمانا ، ولا يحمل جلالة بعينها ولا فخامة .. وليس لديه الحق في سرمدية البقاء والتوريث ؟ ..
أنا واحد من اشد المعارضين لسلطة أحزاب الاسلام السياسي في العراق ، ولست ممن يستبشرون خيرا في مستقبل بلدي لو استمرت هذه الاحزاب في ذات المسار المعوق لعجلة التقدم الحضاري وفي اكثر من مفصل من مفاصل الحياة ، غير انني اجدني مضطر للشعور بالارتياح والتفاخر ، حين ارى وضعا جديدا لا تستطيع فيه اية جهة سياسية او دينية ان تنفرد في السلطه ، بل ان العودة للماضي الذي كان يحمل في طياته اقذر الصور لملامح العسكرتاريا عندما تستمرء الحكم ، فتعمد الى كسر شوكة الشعب بانقلاباتها المباغته ، أضحت اليوم في العراق مستحيلة تماما ، حتى لو قررت الولايات المتحدة الامريكية ان تحل معضلتها في بلاد الرافدين عن هذا السبيل ، كما اشيع مؤخرا ولبعض من الوقت .
إنها حقا حالة مشرقة ، يجب ان تستثمر وبالاتجاه الصحيح .. وعلى كافة القوى الفاعلة ، بكل توجهاتها ، دينية كانت ام علمانيه ، ان تدرك حجم الضرر الذي احدثته التجربة العراقية الجديدة ، في جسد النظام العربي الرسمي .. ومن ثم ضخامة رد الفعل لتلافي هذا الضرر ، عن طريق محاولات زعزعة اركان الحياة العامة ، وباي سبيل كان ، حتى ولو جاء عن طريق تفجير الاسواق العامة وهدم المدارس ونثر اشلاء الاطفال ..
فهل ياترى .. سنسعد وعلى الدوام .. بالنظر الى وجه رئيس لنا ، لا يمتلك صفة السوبرمان ، ويغادرنا متى ما انتهت مدة ولايته المحددة بموجب الدستور ؟ .
طابت اوقاتكم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - في الصميم
عبد القادر أنيس ( 2010 / 11 / 17 - 17:52 )
تحليل يعبر عن رؤية ناضجة جدا لقضايا العراق الديمقراطي. هذا رأيي دائما في العراق الجديد عندما أرى تعدد الفضائيات بتعدد المذاهب والاتجاهات وعندما أرى هذا التوازن في القوى الذي يستحيل معه فعلا العودة إلى الاستبداد. في هذه الأجواء تتعلم الشعوب وتهزم قوى الماضي المتدثرة بالدين والقبيلة والطائفية.
فعلا ليس من مصلحة كل الأنظمة العربية نجاح المسيرة الديمقراطية العراقية.
خالص تحياتي

اخر الافلام

.. تركيا: السجن 42 عاما بحق الزعيم الكردي والمرشح السابق لانتخا


.. جنوب أفريقيا تقول لمحكمة العدل الدولية إن -الإبادة- الإسرائي




.. تكثيف العمليات البرية في رفح: هل هي بداية الهجوم الإسرائيلي


.. وول ستريت جورنال: عملية رفح تعرض حياة الجنود الإسرائيليين لل




.. كيف تدير فصائل المقاومة المعركة ضد قوات الاحتلال في جباليا؟