الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سبل الحل التوافقي الممكن في الصحراء الغربية

عبدالله تركماني

2010 / 11 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد معقولاً ولا مقبولاً، ونحن نشاهد ما يجري في العالم، أن نواصل التعامل مع قضايانا التاريخية وإشكالياتنا السياسية بالطرق التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه اليوم. فهل يُعقَل أن لا تميّز النخب السياسية في الجزائر والمغرب اليوم بين شروط نشأة وتطور أزمة الصحراء الغربية في لحظات تشكلها، وبين مآلها الراهن في علاقاته بالمتغيّرات الجارية سواء في المغرب الكبير أو في العالم ؟
من المفارقات في هذه القضية المعلقة، أنّ الطرفين لا يرحبان بأية جهود أو وساطات عربية لحلها، ولم يسبق أن أُدرجت هذه القضية على جدول أعمال أية قمة عربية. أما بقية دول المجموعة المغاربية، فتبدو وكأنها تخشي التدخل في الخصام بين الدولتين الكبيرتين، خشية أن ينعكس ذلك على أوضاعها الداخلية واستقرارها الإقليمي. أي أنّ المشكلة تحولت إلى ما يشبه القنبلة النائمة، التي يخشى ذوو القربى الاقتراب منها مخافة أن تنفجر.
إنّ نظرة مستقبلية وواقعية إلى مسار العلاقات الجزائرية – المغربية يمكن أن تجنّب البلدين معاً مخاطر الحساسيات المفرطة، في حال توجهت نحو الفرص المتاحة والتحديات الحقيقية.
ومن الواضح أنّ أي حل من شأنه أن يحظى بالقبول، لا بد أن يراعي عدة مقتضيات وشروط أساسية أبرزها:
(1) - إجماع الأطراف الإقليمية المعنية وهي: المغرب والجزائر وموريتانيا.
(2) - التوصل إلى صيغة توافقية بين مطالب الصحراويين الاندماجيين، والصحراويين الانفصاليين (البوليزاريو)، بعد اتضاح لا واقعية ولا جدوى المسار الاستفتائي المفضي إلى أحد خياري الاستقلال التام أو الانضمام التام.
(3) - توفر الغطاء الدولي للتسوية المنشودة، المرهون بتوافق ثلاثة أطراف محورية، هي إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية.
ومن أجل إنجاح مساعي الحل التوافقي ينبغي إطلاق نقاش معمم ومعمق في موضوع مشكلة الصحراء من مختلف أبعاده، يستند على قاعدة نقد المرجعية السياسية والتاريخية التي ساهمت في تشكله. ونحن نتصور هنا أنّ مرجعية نظام الحرب الباردة تحدد المدخل المناسب لفهم المواقف، وإذا كنا نعي جيداً النهاية الفعلية لأيديولوجيات الحرب الباردة فإننا نفترض أنّ الفعل السياسي البشري في التاريخ قادر، في حال توفر الإرادة السياسية التاريخية والمسؤولة، على تفتيت المكوّنات الصلبة للجغرافية الطبيعية بهدف تحويلها إلى أداة لخدمة المشاريع التاريخية الأكثر مطابقة لطموحات شعوب المنطقة.
ومن أجل إنجاح هذه المساعي أيضاً، أما حان الوقت لأن تبادر قوى المجتمع المدني المغاربي إلى فك العزلة التي تطوق الشعبين الشقيقين بسبب جريمة إغلاق الحدود، وإلى أن تضاعف إطلاق مبادرات التواصل والتبادل، خاصة وأنّ أوروبا الجار الجغرافي والشريك الاقتصادي والتجاري أضحت تبحث، لخلق منطقة للتبادل الحر في المغرب العربي، عن شريك تجاري واقتصادي وسياسي مغاربي متجانس ؟ أليست هذه القوى مجتمعة مطالبة، اليوم، بلعب دور تاريخي من خلال بلورة رؤى مشتركة للتعاطي مع الإشكاليات المستعصية التي تواجه البلدين: فقر، وبطالة، وعنف سياسي، وحريات عامة، وإكراهات قادمة من الاقتصاد المفتوح وتدخل سافر للقوى الأجنبية في إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، وأزمة الهوية داخل المجتمع، والحركة المتنامية للمواطنة الباحثة عن حلول استعجالية لمعضلاتها، ومواجهة الأنظمة والدفع بها إلى دمقرطة المشهد السياسي وبناء المؤسسات الوطنية الديمقراطية القادرة وحدها، ومن ورائها القوى الاجتماعية بكل ألوان الطيف الذي تمثله، على تقرير مصير الشعوب المغاربية.
إنّ الطرح المغربي، المبني على الواقعية والمرونة، يمكن أن يجنّب مضاعفات وخيمة. وترجع مصداقية هذا الطرح إلى أنه يتحرك من أجل تأمين مصالحه، ولا يهدف إلى إقصاء الغير، ولا إلى الاستفراد بالمزايا. ويستمد مشروعيته من المنطق الذي أصبح يضبط العلاقات الدولية، وهو الطاعة الواجبة لتداخل المصالح. فلا يوجد عاقل يتصور أنّ مستقبل المغرب يمكن أن يُبنى على حساب الجزائر، أو العكس. وينبغي التأكيد دائما أنّ انعدام التفاهم بين المغرب والجزائر، يفوّت على البلدين وعلى المنطقة المغاربية فرص الحاضر، ويهدد المستقبل، ويجر المنطقة إلى أن تهدر وقتاً وجهداً، ويمكّن الآخرين من رسم خارطة الطريق بدلا من/أو بدون مشاركة مغاربية فعالة.
إنّ الحل السياسي المطروح، إذ يروم منح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً موسعاً، يكون في جانب منه قد حقق للصحراويين وضعاً خاصاً، تستطيع الجزائر أن تطمئن إليه في حال اعتبار تبنّي قضية الصحراء من منطلقات مبدئية. وبالتالي في إمكان التجربة، في حال نجاحها، أن تشكل أنموذجاً جديداً في التدبير السياسي، يضع حداً للتوتر القائم من جهة، ويفتح باب الأمل الديموقراطي واسعاً أمام شعوب المنطقة.
وفي حال نجاح الحل فإنّ منطقة المغرب العربي تشكل سابقة في انفتاحها على الطرائق العصرية في توزيع الاختصاصات بين المراكز والأقاليم، كما في حال تجارب متقدمة نقلت الدول الأوروبية إلى مصاف التقدم، عبر تكريس نظم الحكم الذاتي في إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وغيرها.
وقد لا يكون الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب مستوفياً كل سقف الشروط التي تطرحها جبهة بوليساريو، من قبيل الجدل حول مفهوم تقرير المصير، بيد أنّ مجرد التئام حوار حول المشروع بين الصحراويين، على مختلف مشاريعهم واتجاهاتهم وميولهم الفكرية والسياسية، يعني تمكين السكان المعنيين بحق الاختيار الديموقراطي من إسماع أصواتهم وانتقاداتهم ومطالبهم. ففي أي حال لا يمكن حجب الطابع الديموقراطي لحوار الصحراويين حول قضيتهم بمجرد القول إنّ هناك من يريد تقرير المصير والاستقلال، لأنّ أبجديات تقرير المصير تتعرض للانتهاك حين يتم ربطها بالاستقلال فقط في ضوء معطيات لم تستند إلى أية استشارة شعبية، بيد أنّ الآفاق التي فتحها الحكم الذاتي، من خلال إسناد البحث في معطياته القانونية والسياسية والإدارية إلى السكان المعنيين الذين يشكلون الغالبية، تنم عن توجه يكفل الانتقال بقضية الصحراء من صراع إقليمي إلى قضية ديموقراطية، تتماشى مع النزعة الكونية السائدة لناحية تكريس الحلول الديموقراطية للمشاكل والنزاعات.
إنّ حل قضية الصحراء الغربية يفتح الأفق أمام إقامة التطبيع الكامل بين الجزائر والمغرب، وبالتالي تفعيل بناء الصرح الوحدوي المغاربي، الذي يحتاج بدوره إلى ثورة حقيقية قوامها: تحوّل الأنظمة المغاربية أنظمة ديموقراطية فعلياً، وبالتالي تخليها عن احتكار الوطنية والقبول بنقاش حر وعلني، حول القضايا التي تعيق بناء الاتحاد المغاربي، داخل الهيئات الوطنية المنتخبة في صورة ديموقراطية. فهل أنّ الجزائر والمغرب مستعدتان لإقامة سلام بينهما وحل هذا النزاع الإقليمي وفق رؤية مغاربية وحدوية شاملة ؟
انطلاقاً من الاعتبارات، الموصوفة أعلاه، فإنّ مقترح الحكم الذاتي، الذي قدمته الحكومة المغربية إلى الأمم المتحدة، يستجيب لتوجهين اثنين: أولهما، اعتبار أنه في كل صراع دولي ليس هناك غالب واحد يمكن أن يأخذ كل شيء، مهما كانت شرعية حقوقه، فهناك قاعدة لا غالب ولا مغلوب. وثانيها، أنّ هذا الحل يعتبر أنّ القضية يمكن أن تُحل على أساس أنه لا إلحاق ولا انفصال، بل هناك وضعية خاصة تسمح للسكان بتدبير شؤونهم اليومية دون الارتقاء إلى شخصية دولية منفصلة.
إنّ المنطقة المغاربية لا تحتاج إلى مغامرات، وإنما إلى قناعات تشدها إلى واقع أنّ المعركة من أجل الديمقراطية والتنمية والتكيّف مع تحولات العصر لا ينبغي أن يعلو صوت فوقها. فحرب الصحراء أهدرت قدرات المنطقة وطاقاتها واستنزفت مواردها، واستمرارها عطّل مشروع البناء المغاربي، وأفسح في المجال أمام التكالب الأجنبي الذي يزيد بقدر اتساع التوتر، ومن غير المقبول معاودة إنتاج الأفكار والآليات التي قادت إلى المأزق.
وعسى أن يتعزز الاقتناع بأنّ حل المشاكل الإقليمية والمحلية، من خلال البدء في إقرار تنظيمات اللامركزية هو الأفضل، وسواء اقتصر الموضوع في مرحلة أولى على إقليم الصحراء بسبب طول أمد النزاع أو تعداه في وقت لاحق ليصبح منهجية عصرية في إدارة الشؤون المحلية في أرجاء المنطقة العربية كافة، فإنّ التجارب الإنسانية التي نمت في هذا الاتجاه أوضحت الفرق بين انتكاس بناء الدولة المركزية، الذي يزيد في الأعباء كما في تجارب عدة دول عربية، وبين التطورات التي عرفها الاتحاد الأوروبي في ضوء الحفاظ على خصوصية مكوّناته وتنوعها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال واقعي وغير منحاز
عذري مازغ ( 2010 / 11 / 19 - 02:58 )
أحييك على هذا المقال الواقعي الذي يشكل وجهة نظر موضوعية حول افتعال الازمة، فالازمة بشكلها الحالي تفسح المجال لتعقيدات اخرى عنوانها التآمر الدولي حول المنطقة، والحل هو الإتفاق على الحد الادنى من التفاهم لتفويت الفرصة على الأطماع الإمبريالية، وانعدام هذه الرؤية هو في حد ذاته تآمر على بلقنة الوضع الذي لن يدفع ثمنه سوى شعوب المنطقة


2 - تحليل موضوعي إلى حد كبير
اتحاد المغرب الكبير ( 2010 / 11 / 19 - 08:28 )
تماما سيدي مقترح الحكم الذاني يبدو منسجما مع آخر ما توصلت له الممارسة السياسة التدبيرية المعاصرة؛ إن فلسفته تقوم على التوافق على أرضية المصالح المشتركة و على صيانة حرمة الدولة كذلك، لكن المشكلة التي تواجه هذا النزع كامنة كذلك في تواطؤ بعض اللوبيات العسكريو و المدنية مع أيادي التدخل الأجنبي، واضعة بذلك مستقبل شعوب بأكملها في مهب الريح.


3 - الحل السياسي ممكن
عبد الرحيم ازبيدة ( 2010 / 11 / 19 - 13:37 )
إن المقاربات التي اعتمدها النظام في تدبير ملف الصحراء والأخطاء القاتلة التي ارتكبها ، ابتداء بتصفية جيش التحرير المغربي وقمع صوت المعارضة واعتماد المقاربة الأمنية وتغييب حقوق سكان الصحراء ، كانت تزكي الأطروحة الإنفصالية .
لكن النظام المغربي ونتيجة للضغوطات الخارجية والداخلية ونتيجة للتغيرات الدولية الراهنة ونتيجة للباب المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات بين طرفي النزاع المفتعل ، خطى خطوة جريئة إلى الأمام بطرحه لمقترح الحل السياسي ، الذي يجب أن يكون حل سياسي نهائي للنزاع ، يضمن السيادة المغربية ويمكن سكان الصحراء من التدبير الواسع لشؤونهم ويجنب المنطقة المزيد من التشرذم والتشتت من جهة، ويوفر من جهة ثانية شروط تأهيل المنطقة المغاربية لمجابهة تحديات العولمة، وعدم فسح المجال أمام الدول الكبرى وخصوصا الولايات المتحدة الأمريكية لابتزاز دول المنطقة وعرقلة تطورها.

اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات