الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الحماية الدولية لحقوق الإنسان 1/2

هايل نصر

2010 / 11 / 18
حقوق الانسان


مقدمة ذات صلة
قبل التعرض للحماية الدولية لحقوق الإنسان في التشريعات والقضاء, لابد من الإشارة أولا إلى أننا في الوطن العربي. وثانيا إن معالجة مثل هذه المواضيع في هذا الوطن حساسة جدا. خطوط حمراء. وان ذلك يتطلب مقدمة قد لا تتناسب "طولا" وتوازنا أكاديميا مع الموضوع, ولكن ( ليتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود كما يقال), ولتجنب قدر الإمكان ما يمكن الذهاب إليه بهذا الاتجاه أو ذاك, في موضوع تختلط فيه الحقوق بالسياسة, وحسن النوايا بسوئها, والانتهازية بالجهود الحقيقية , والديماغوجية بالمنطق, والغاية بالوسيلة, والجعجعة حول تلك الحقوق بالانتهاكات الصارخة واليومية لها.
ومع ذلك يمكن رصد تباينات في تكنيك الأنظمة السياسية العربية حول المسألة ,فهناك:
ـ أنظمة ترفض أساسا طرح مثل هذه المواضيع. وتُعاقب عليها بعقوبات تتراوح بين السجن مدى الحياة والسجن المؤقت, والتعذيب الوحشي, أو الإخفاء أو التشريد. معتبرة إياها مساس بأمن الدولة وسيادتها.
ـ أنظمة تحارب حقوق الإنسان علنا ودون التواء أو مواربة. لا تكلف نفسها, صلفا, عناء البحث عن مبررات, ولا تضيع وقتها الثمين في ذلك (وعلى من لا يعجبه ذلك في الداخل والخارج "شرب ماء البحر").
ـ أنظمة تنكر أساسا إن الإنسان فيها مضطهد أو بحاجة للبحث عن حقوق. فلا ضرورة أصلا لطرح مثل هذه المواضيع التي تفتت الوحدة الوطنية. وفيما يتعلق بسجناء الرأي لا يوجد سجين واحد فيها بهذه الصفة. وللعدالة كلمتها الأخيرة. سويسرا بأرقي كانتوناتها.
ـ أنظمة تدعي بأنها مع حقوق الإنسان وغيورة عليها. ولكن ليس على الطريقة الغربية فللإنسان العربي خصائصه وصفاته المختلفة عن الإنسان هناك. وتماشيا مع منطقها ومع عدالتها , على تلك الحقوق ان تتلاءم وتتناسب مع التميز والتكوين الخاص للإنسان العربي وغير العربي الذي يعيش حضارة العربي.
ـ أنظمة "مزادوة" حتى على الغرب في هذه المسألة, تحيل الباحث, دون رفة جفن, إلى دساتيرها التي يحتل فيها الإنسان مكانة سامية, حقوقه مصانة صيانة لا غبار عليها. وعليه استحدثت وزارات لحقوق إنسانها المقيم والمغترب. تتفانى لإيصال ممثلين لها للمنظمات الدولية المعنية, وكل المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان. فهي لا تعمل جاهدة فقط على حماية هذه الحقوق في إقليمها, وإنما يؤرقها أن تجد تلك الحقوق منتهكة في أية قارة من القارات الخمس. ومن أجل ذلك تدفع الرشاوى السخية للمشاركة والمساهمة في الفعاليات الإنسانية. كما ترسل طلابا لتحضير رسائل ماجستير ودكتوراه في مفهومها عن تلك الحقوق( تحت مواضيع مثل حرية الإنسان في فكر الزعيم فلان. العلمانية في الفكر السياسي للحزب الفلاني. النصوص الدستورية المكرسة للحريات الأساسية وحقوق الإنسان وتفسيراتها في البلد الفلاني. الأبعاد الإنسانية في فكر القائد الفلاني...) يعود هؤلاء الطلاب بشهادات مباركة ومعتمدة من انتهازيي الغرب. لينافحوا عن المفاهيم الجديدة للإنسان الذي ينتظر بفارغ الصبر عودتهم.
نسوق هنا ابتكارا حديثا, كمثال, على التكنيك الرسمي يُسجل توجه غير مسبوق لزعيم غير مسبوق, منفتح حديثا على الإنسانية (ولكل زعيم فتحته) يحث فيه على وحدة الشعوب في "الفضاءات" العالمية, يعطي للإنسان الذكر في دولته الحق في مصاهرة الدول الغربية والزواج من فتياتها ليمتزج النسل, ويتفتح الإنسان, وتترسخ حقوقه, ملقحة, وتنتهي العنصرية, في القارات و"الفضاءات" عن طريق اختلاط الدماء, وليس فقط اختلاطها في سفحها عند حدوث فراق أو طلاق.
إلى التوجهات والتكنيكات المشار لبعضها أعلاه, تتضافر على الإنسان مفاهيم وسياسات وعقائد تنظيمات, أو منظمات, أو هيئات أو مراكز تأخذ من التطرف الديني مدخلا لحقوقه. فهو ليس الا مجرد إنسان "مشروط", شيء, لا أكثر, مسير بإرادة الله التي تصله خالصة عن طريق المتطرفين المعتمدين بوكالات إلهية, لا يدرك مضامينها وأبعادها وألغازها غيرهم. لهم بموجبها إن يرشدوه إلى طريقة تفكيره, وماهية وأبعاد حقوقه, والشروط والقيود التي تقع عليها. طريقة مأكله ومشربه ولباسه, وعلاقاته الخاصة جدا في غرف نومه. و "وبيت الأدب". وإقناعه بان حقه في الحياة ليس حقا مطلقا غير مشروط. عليه التخلي عنه نزولا على نداء الأمة, نداء لا يُقبل ولا تجب الاستجابة له إن لم يكن بصوت المشايخ وحجج الله وآياته, لدحر الكفر والكفرة ليوم الدين. تخليه عن حياته ليس مجانيا ودون ثمن. فهو سيستلمها خالدة في الجنة. ومن لا يرغب باستبدال حياة فانية, غالبا, إن لم يكن دائما ما تكون بائسة, بحياة خالدة في النعيم؟. حيث الحقوق غير محدودة, ليست وضعية وإنما قيمتها فوق ملائكية.
تتضافر كذلك, زيادة على ما سبق, للنيل من الإنسان "المتميز" وحقه, العادات والتقاليد التي أصبح العديد منها فوق القوانين الوضعية, وأكثر قدسية من الدساتير. عادات وتقاليد تطلب من الفرد أن يتخلى عن حقوقه الشخصية, عن فرديته, لمصلحة الطائفة وشيخها, أو القبيلة وزعيمها. ومن الإنسان/المرأة يُطلب زيادة على ذلك, التخلي عن حقوقها في الميراث. وحرية التعبير. واللباس. واختيار الزوج والمصير. و إلا أصبحت فاجرة, أو ناشز, تجلب العار لذويها, وخارجة كليا عن الأديان وعن الأعراف والتقاليد التي ترفد الكثير المفاهيم الدينية وتوجه سيرها وأحكامها. فالإنسان بجنسيه الذكر والأنثى موضوع تحت وصاية كاملة ودائمة.
وصاية تعمقها التربية الأسرية بنزع فردية الفرد من كيانه, فهو خاضع وتابع لوالده. يقبل يده, طفلا وبالغا, صباحا ومساء, لا يرفع عينيه في وجهه. لا يخرج عن رأيه حتى ولو تعلق الأمر بمستقبله. وتزداد الطاعة حدّة واتساعا في حالة الأنثى التي لا تزيد عن كونها مجرد شيء .لا تسأل عن رأيها دائما في مستقبلها ومصيرها, في زواجها وطلاقها, في سفرها وإقامتها.
وصاية تثبتها وتعمقها المدرسة التي ما زال يُضرب التلميذ فيها صفعا وبالعصي (وبالفلق), ويكبر على الخوف من معلمه ومديره والآذن. يقف في الصباح قبل دخول صفه ليردد قسم الولاء لزعيم بلده. يلقن في منهاجها أصول الطاعة والخنوع , وعدم المناقشة والمنافسة, ويُأمر بترك الأمور لأولياء الأمور. يتبعه كل هذا إلى الثانوية والجامعة, باستثناء الصفع والفلق, حيث ينتقل هذا التكنيك إلى أقبية المخابرات غير البعيدة عن المدرسة والجامعة والوظيفة, وعن أي مكان. يكبر على انه كفرد لا قيمة له,
ولا حقوق, إلا تلك التي تحددها السلطة والجهات التي اشرنا إليها أعلاه.
أمام السلطة الشمولية بوسائلها القمعية, أمام الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانهيار العديد من القيم, أمام انتشار الأمية والجهل والفقر والمرض. أمام موجات التطرف الديني والطائفي. أمام رفض الآخر. أمام عادات وتقاليد بالية لم تعد من عصرنا ولعصرنا. أمام اسر لا تستطيع في تربيتها الإفلات من ضغط السياسية والاقتصاد والعادات والتقاليد وكل ما يؤثر في وحدتها وقيمها. أمام مدرسة ليست للتعليم وكسب المعارف والمهارات بقدر ما هي للترويض على الطاعة وثقافة التعايش السلمي مع الاستبداد, وتمجيد المستبدين, على اعتبارهم قدر هذه الأمة وآباؤها, وليس مجرد ساسة ورؤساء (وكما لا يمكن تغيير الأب, لم يعد ممكنا تغير الزعيم الأب, إلا حين يأخذ الله أمانته, بابن وريث, مشروع أب شرعي جديد).
أمام كل هذا هل يمكن أن يلد الإنسان المطالب بحقوق له كانسان؟. حقوق لا يعرف ما هي, لم يرها يوما , ولم يسمع بوجودها من عقود وعقود, حتى لا نقول من قرون, مع اختلاف الدرجة وليس المحتوى؟.
هل يمكن لإنسان أن يصل على حقوقه بغير صحوة حقيقية تقوده إلى بناء دولة القانون والديمقراطية, التي لم تبن بشكل صحيح في المنطقة طيلة تاريخها ؟.
هل يمكن أن تُقدم للإنسان ــ في مثل هذه الظروف وتضافرها ضده, وضمن تلك الشروط الحياتية ـ دراسات, أو مجرد معلومات عن حقوق الإنسان والضمانات الدولية التشريعية والقضائية, إلا إذا كان الكاتب شديد التفاؤل؟ حتى لا نقول شيئا آخر.
ومع ذلك سنفعله إيمانا منا بان إنساننا ليس اقل وعيا من ذلك المتواجد في العالم حولنا. وان التاريخ يؤكد لنا أن إنسان العصور الوسطى في أوروبا عاش انتهاكا ت لإنسانيته لا تقل قسوة وبشاعة وهمجية عما يعيشه إنسانا الحالي. وان عالم اليوم غير مغلق ولا يمكن إغلاقه وإغلاق تجارب شعوبه ومجتمعاته في كل المجالات, بما فيها تجاربه في بناء الحريات الأساسية وحقوق الإنسان, وبناء دولة القانون والديمقراطية. وكما ان من المستحيل حصر نتائج وثمار التطور العلمي والتقني في المجالات المادية بالمكتشفين والمصنعين فقط ـ استخدام وسائل الاتصال والمواصلات, والابتكارات الدائمة في مجالات المعلوماتية أصبحت في خدمة الإنسان أينما كان مما جعل العالم قرية صغيرة ــ فان من المستحيل أيضا حصر الأفكار والثقافة المرافقة لها والمترتبة حتميا عليها, بما فيها ثقافة حقوق الإنسان وغلق الأبواب للحيلولة دون دخولها إلى كل مكان للإنسان يتواجد فيه الإنسان.
وعليه يصبح التعرض لمواضيع حقوق الإنسان, والحماية الدولية لها, ليس فقط ضمن الإمكانية, وإنما ضرورة لا بد منها
يتبع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار