الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسلمة الجزيرة (3): الإيديولوجية في خدمة الملعوب!!!

شبلي شمايل

2010 / 11 / 19
الصحافة والاعلام


في عام 1985 أصدر الفقيد فرج فودة كراسا صغيرا سهل العبارة واثق المراجع اسمه "الملعوب"، ويروي أكثر من صديق له أن هذا الكراس كان وراء قرار اغتياله من الإسلاميين لأنه كشف الألاعيب المالية لهم، هم الذين كانوا يعطون الدروس في الأمانة والأخلاق، واستثمروا ذلك بشكل جيد للوصول إلى قلوب الناس وادخاراتهم، واستطاعوا أن ينهبوا الفقراء والمعدمين في عملية بناء أغنياء الإسلاميين التي بدأت في مصر منذ وفاة الراحل جمال عبد الناصر.
ولعل السؤال الذي طرحه فودة قبل رحيله يعود الآن ليتصدر ما يفكر به خنفر وشركاه: "ماذا يربح الإسلامي لو كسبت الجزيرة وخسر هو الجلد والسقط؟".
عندما وصل وضاح خنفر إلى الدوحة مديرا، كان رئيس مجلس الإدارة حمد بن ثامر لا يخفي استياءه من صفقات جاسم العلي مع عدد من المنتجين والمحررين. والخوف من أن يصبح الفساد مدرسة معتادة في قناة الجزيرة. وكان أمير قطر يعتبر الجزيرة لعبته المفضلة وإنجازه الأكبر، لذا لم يبخل في وضع ميزانية خيالية لنجاح هذا المشروع. ولم تكن الغاية الربح التجاري، فبكل المعايير الجزيرة مشروع اقتصادي غير قابل للربح، والعملية الاقتصادية الوحيدة المربحة في تاريخها كانت مباريات كأس العالم الأخير وليس من الأسرار القول أن من أشرف على الصفقة الاقتصادية لم يكن السيد خنفر ولا مستشاريه.
يقول الشاعر الشعبي على لسان أبو زيد الهلالي سلامة: "تحدث عن البركة كأنك أبلغ البلغاء في تهامة، وارفع إصبعك إلى السماء في عزة وكرامة، ثم اخطف أموالهم وأنت منتصب الهامة، فإذا أزفت الآزفة وقامت القيامة، فانطلق إلى جزر البهاما".
هذا هو حال المدير الجديد عندما نظر حوله فإذا بالمال كما هو حال أهل الجنة، وديان وأنهار، وفهم أن بالإمكان أن يصرف ما يشاء إذا لم يقع في أخطاء سابقيه. فهناك من المراسلين من أسس شركة تجارية باسم زوجته، وهناك من وقع شيكات مالية مزورة باسم طالبان ماتوا أو باكستانيين لا عنوان لهم، وهناك من يقول القائد العسكري الفلاني مستعد لمقابلة مقابل مبلغ كبير، وهناك من يثبت فواتير مهمات وفنادق حسب الطلب في لندن أو بيروت، إمكانية السرقة والفساد كبيرة، لذا اختار الأمير ورئيس مجلس الإدارة تعيين "شخص سلفي متدين يكره المال مديرا ماليا" (كما جاء في رسالة من اقتصادي عربي أثق بمعلوماته يعيش في الخليج العربي). وكان هذا المدير يحاول أن لا يكون هناك مصروفات غير أمينة الصرف كما أكد أكثر من شاهد، وكان لا بد من التخلص منه عبر النقطة الحساسة: المال الحرام الذي يوافق عليه مجلس الإدارة ويوقع عليه المدير المالي. تقدم السلفي القطري بعد أن طاف الكيل باستقالته تاركا المنصب لشخص من أقارب وضاح خنفر بدأ بمرتب خارق للمعتاد. باسم نظرية جميلة تقول إذا كان المرتب كبيرا قلت السرقات (هنا وقع حادث استوقفني كثيرا، فقد نشر موقع قطري للأنترنيت العقد المالي مع قريب وضاح خنفر فجرى إغلاق الموقع فورا، وهذا دليل ملموس على أن الأمير والحكومة يعرفان كل شئ).
ليس لمبدأ المرتبات العالية في اقتصاد السوق رأس ولا أساس، لأن من يسمى حاميها كان حراميها، ولأن التفاوت بين العقود القديمة والعقود الجديدة يظهر الفارق الهائل بين سرقات الأمس وسرقات اليوم. كل موظفي وضاح يبدؤون بدروس أخلاقية من نمط، "عندما استلم المدير، كانت الجزيرة ماخورا للسرقة"، "عندما جاء وضاح اكتشف سرقات خيالية".. كل هذا لبيع دروس في الأمانة والأخلاق لتغطية العصابة الجديدة للملعوب المؤسلم.
ليس من الصعب على صحفيين عملوا في بي بي سي، المجلات والصحف والتلفزيون من لبنان إلى دبي، ملاحظة القدرات المحدودة والخبرة المتواضعة للمدير الجديد، فهو ابن مدرسة إخونجية متواضعة في الإعلام أسسها الترابي في الخرطوم، مع تكوين تنظيمي حماسي (معروف أن حماس أقل منظمة إخوانية في العالم العربي فيها مثقفين ومفكرين نسبة لمجتمع غني ومعطاء هو المجتمع الفلسطيني)، وإذا فقد منصبه، فلن تقبله البي بي سي مدير مكتب لها في عمان. من هنا كان لا بد من القيام بعملية تنظيف لكل ما يمكن أن يشكل رجلا ثانيا أو ثالثا محتملا لاستلام منصب المدير، فتمت تنحية أسماء جد هامة وتهميش شخصيات إعلامية مشهورة عربيا، وخلق كل الظروف للإقالة والإستقالة مع استبدال الأشخاص بإسلاميين مطواعين أو نفوس تقبل بالسكوت عن سياسته. ولم يبق حوله إلا أشخاص غير إعلاميين جرى إغراقهم بعقود لا يستحقوها لضمان الولاء الكامل لشخصه، أو صحفيين غير قابلين للترقية مثل السوري الطالباني أحمد زيدان أو مخضرم المشهد العراقي وإسلاميي لندن. بعد ذلك تمت عملية أسلمة البرامج بحيث يكون أفضل من ينفذها أصحاب العلاقة.
في رسالة وصلتني قبل أيام من كاتب عربي معروف: "عندما تسلم وضاح خنفر باعت الجزيرة في العام نفسه 690 مليون دولار ثمن أخبار حصرية بالقناة (خاص بالجزيرة exclusive) وفي 2010 لم يتجاوز بيع الجزيرة لهذا النوع من الأخبار ستة ملايين دولار، ما عليك إلا أن تدرك مدى انحدار المستوى الصحفي للجزيرة بهذا المثل البسيط، وهلم جرا"..
يعتمد المدير الفهلوي على حماية فريق القرضاوي له، ودعم راشد الغنوشي وعماله في الجزيرة، والكرم الحاتمي لعدد من الأقلام والمروجين (فهمي هويدي، ياسر الزعاترة، بشير نافع، رفيق عبد السلام..). وقد صحح لي أحد الرفاق الأرقام التي ذكرتها لمقالات فهمي وتعويضات بشير نافع. ويعد مرتب وضاح نفسه، أكبر مرتب لمدير مؤسسة إعلامية في العالم العربي. وهو أكبر من مرتب مدير البي بي سي الرئيسية. وأشكر من زودني بأدلة مصورة عما أقول بالريالات القطرية ومعادلها بالدولار، لكي أقدمها لإدارة "الحوار المتمدن" في حال تجرأ أحد شخصيات "الملعوب" القطري إقامة دعوى قضائية على هذا الموقع، لأن أخلاقي الماركسية لا تسمح لي بالكذب والنصب، وللأسف بين الأسماء ذات التسعيرة الخاصة مثقف عربي كبير كنت أحترمه إلى عهد قريب هو عزمي بشارة؟.
لا يستغرب القارئ، أنني عندما بدأت التحقيق في أوضاع الجزيرة، كان طموحي معرفة أسباب تراجع شعبية القناة وتراجع مستوى برامجها في وقت يدّعي فيه الفريق الإخونجي أنها تتقدم بشكل كبير. عبر عمليات إعلامية مفرغة من المضمون (مركز دراسات استراتيجية بدون بحاثة في الاستراتيجية، دائرة حقوق وحريات بدون حقوقيين وديمقراطيين..). لقد اكتشفت أن هناك أوركسترا كاملة لنفخ الجزيرة والتغطية على تراجعها عبر تصوير دعوة الإسلاميين والأكاديميين استجابة للنوعية والشعبية في نفس الوقت. في تروية على سياسة الحزب الواحد والإيديولوجية الواحدة (أستاذ جامعي بدون لون سياسي وصوت سياسي إسلامي)، وعندما تتم دعوة قومي فهو عزمي بشارة المختص بدايتون ورام الله والإسرائيليين، أو حسنين هيكل المختص بالماضي، في حين لا نرى مسؤولا يساريا واحدا أو تقدميا واحدا أحيانا في ستة أشهر، أما بالنسبة للماركسيين فهذا الكفر الصراح. وبذلك تحولت الجزيرة إلى أهم منبر للرأي والرأي نفسه.
إن كل الدلائل تشير إلى أن سقف الأمير اليوم ليس أعلى من سقف الإخونجية، وأنه تعب من معاتبات الحكام العرب وطلباتهم، فلبى لمن لا يستطيع رفض طلب بعد صمود جيد نسبيا (السعودية التي وقعت معه اتفاق جنتلمن) وبلدان الخليج وإيران ما ابتعدت عن الشأن الخليجي إلخ. وعندما أمر الأمير، سكت الخفر والطلراطير. فمن من السذاجة ليعتقد أن مثقفا جعل سقفه الفكري والنضالي إمارات النفط يهمه أي تنوير أو تغيير؟؟
لكي يحتفظ الإخونجية بماء الوجه الإيديولوجي، يتحدثون عن المقاومة والممانعة ويحاربون سلطة من لا سلطة له (محمود عباس)، أي ينظرون للاستراتيجية العالمية من ثقب إبرة حماس. وبالأمس ظهرت ضحالتهم ووضاعتهم عند نشر تقرير الخارجية الأمريكية حول الحريات الدينية، تناسوا عمدا إسرائيل وما كتب التقرير عنها، ودعوا عدة أشخاص للحديث عن النقاب والمآذن في أوربة.. عندما كتبت أن تهويد القدس في التحليل الأخير يتم ببركات الإخونجية، كتب لي أحدهم أنني أبالغ في التحليل ؟؟
لم يعد للجزيرة، كمنبر حر، أي دور تقدمي وديمقراطي في ظل الإدارة الحالية وعلى الأغلب بعدها، ومن الضروري لكل صحفي كبير، التفكير جديا بضرورة تعدد المنابر والقنوات، لتوفير فرص التعبير لأصحاب التنوير والتجديد، حتى لا نسقط من جديد في ما سقطت به قناة العربية مع الراشد، والجزيرة مع خنفر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهدد بحرب واسعة في لبنان وحزب الله يصر على مواصلة ال


.. المنطقة الآمنة لنازحي رفح | #غرفة_الأخبار




.. وثيقة تكشف تفاصيل مقتل الناشطة الإيرانية نيكا شكارامي عام 20


.. تقرير إسباني: سحب الدبابة -أبرامز- من المعارك بسبب مخاوف من




.. السعودية تسعى للتوصل لاتفاقيات شراكة أمنية مع الولايات المتح