الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماهر

أمينة النقاش

2004 / 9 / 17
الادب والفن


رغم الملل الذي تثيره عادة البرامج الدينية في التليفزيونات والفضائيات العربية، حيث تحولت إلي خطب وعظية وإرشادات تافهة تحذر وتنذر وتتوعد، وتبث الرعب في قلوب المشاهدين، وتثير الفرقة بين الشعوب وتهدد وحدتهم الوطنية وعيشهم المشترك، رغم ذلك، فقد كسر برنامج «الشريعة والحياة» علي قناة الجزيرة الفضائية هذه القاعدة. فتح البرنامج نافذة ضوء واسعة عامرة بالمحبة للإنسان في كل وقت ومكان ومفعمة بالتسامح. فتش البرنامج علي كل ما ينفع الناس ويتوافق مع زمانهم في الشريعة وأزاح عنه الغبار، مؤكدًا في كل حلقة من حلقاته أن الدين يسر لا عسر، وأنه لا تعارض بين ما يصلح للناس وبين الشرائع السماوية التي تنطوي علي قيم رفيعة تمجد العدالة والمساواة والحرية والإخاء والتسامح، وهي قيم يصعب علي المتطرفين وضيقي الأفق والجهلة ممن يتصدرون لتقديم البرامج المماثلة رؤيتها.

وما كان لهذا البرنامج (الشريعة والحياة) أن يتخذ هذا المنحي، لولا شخصية معده ومقدمه الإعلامي الفلسطيني البارع ماهر عبد الله (45 عامًا)، وظف ماهر ثقافته الرفيعة في التراث العربي والإسلامي ليجعل حواراته العميقة مع ضيوفه متعة خالصة تتسم بسعة الأفق وتلتزم بآداب الحوار، وتنتقل بيسر وسهولة بين الشعر والنصوص الدينية والتراثية، لإبراز جمالها، وتوضيح ما غمض من معانيها، وتأكيد قدرتها الفذة، -لمن يريد أن يري-، علي التوافق مع العصر ومع مصالح البشر.

أضفت شخصية ماهر عبد الله، التي تتسم بالتواضع والهدوء ودماثة الخلق، جاذبية أخري علي هذا البرنامج، فهو يحل عليك ضيفًا بنبرات صوته الناعمة، فتحسبه أخًا أو ابنًا أو صديقًا، ليقول بأبسط الكلمات أكثر الموضوعات تعقيدًا.

عندما ذهب ماهر عبد الله إلي بغداد لينقل لمشاهديه اللحظات الأولي للغزو الأمريكي للعراق، حرص علي أن يفرق في رسائله بين الدعاية السياسية وبين القواعد المهنية والحرفية، التي تلزم الإعلامي تحري الدقة وسرد الحقائق كما هي وتسليط الضوء عليها، والكشف عن وجوهها المتعددة من مصادرها الأصلية.

لم يبهره أبدا في أدائه الإعلامي المتميز، أن بعضًا من زملائه في الفضائيات العربية، قد بني شهرته الإعلامية علي تزييف الحقائق وتلوين المعلومات وتأجيج المشاعر ومخاطبة العواطف والغرائز الدنيا، وليس العقول.

أصبح ماهر عبد الله، الذي ولد في جنين بالضفة الغربية، لاجئًا مثله مثل 5 ملايين من أبناء شعبه بعد عام 1967، حيث تنقل بين الأردن الذي تلقي فيه دراسته في الهندسة الميكانيكية، وبريطانيا، التي عمل فيها في الصحافة العربية المهاجرة، إلي أن استقر به الحال في الدوحة للعمل في قناة الجزيرة عام 1998، بعد عامين فقط من إنشائها.

خاطب ماهر عبد الله في برنامجه الشريعة والحياة وفي تقاريره الإعلامية عقول الرأي العام وضمائرهم وبمهارة فائقة، تغيب في معظم الأحيان عن إعلامنا العربي السائد.

لم تكن الحياة بالنسبة له كريمة بما يكفي، لتفسح له المجال، لكي يواصل عطاءه.. مات ماهر عبد الله في حادث سيارة عابر في العاصمة القطرية الدوحة قبل أيام ليترك فراغًا قل من يملؤه. يعود ماهر إلي جنين المحتلة جثة هامدة، بعد أن حرمته الخيبات والمرارات والهزائم من أن يعود إليها وهي حرة!

كان الإمام علي كرم الله وجهه يقول: «لو كان الفقر رجلا لقتلته».. وعسانا نقول: «لو كان الموت رجلا لقتلناه».. فكم أضنانا.. وأهلكنا و كم التهم من أحبائنا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟