الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الخطأ- الحلقة السابعة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 11 / 20
الادب والفن



تغيّرَت مُعاملة فراس تجاهي، فأصبح انسانا لطيفا يحاول ارضائي، وقد شجّعني ذلك وأمدّني بشيء من الإرتياح. وكانت فادية وزوجها أشرف صديقين حقيقيين لنا، وقد ساعدنا ذلك على تخطي أزمتنا. فعشت شهرا كاملا بسعادة وأمان... الى ان تلقّيت اتّصالا مفاجئا من عامر، اتصالا أربكني كثيرا، وطلبت منه الا يعاود فعل ذلك فقد انتهى كل شيء بيننا. وقد أزعجني قوله بأنني أضحي بنفسي من اجل رجل لا يستحقني، اذ أحسست انه على حق. فتملكني الضيق وشاع في نفسي الحزن والقلق.

ترى، هل فعلت الصواب حين عدت الى فراس؟ تساءلت في نفسي مرارا. هل سأكون سعيدة؟ هل تغير فراس حقا؟ ام انه سيعود الى سابق عهده؟ لم أملك الأجوبة لتلك الأسئلة الكبيرة، التي باتت تراود تفكيري، وتقلق نفسي.

وبعد مرور اسبوع، وجدته يتّصل بي مرة أخرى. فوبّخته قائلة: "ألم أقل لك الا تتصل بي؟ ماذا تريد مني؟ لِم لا تنساني وتكمل حياتك؟ صدّقني هكذا افضل لك... ولي."

"كي ترتاحي مني؟" قال والحزن يلوح من صوته. "الى هذا الحد بات صوتي يزعجك؟"

"عامر، ارجوك! لقد انتهى كل شيء بيننا، وما تفعله الآن، فعلا، يزعجني جدا. انا امرأة متزوجة!"

"متزوجة... ولكن... هل حقا انت سعيدة؟"

أجبته محاولة اخفاء اضطرابي: "انا سعيدة باختياري، وراضية عن نصيبي، فلماذا تريد ازعاجي؟"

فقال: "عزيزتي، انا لا اريد ازعاجك ولا بأي شكل، ولكنني اريد الإطمئنان عليك، فأنا لست مرتاحا لزوجك ابدا. أحس انه يضايقك، كما كان يفعل في السابق."

"لا تكن قلقا بهذا الشأن، فقد تغيّر فراس كثيرا ولم يعد... لم يعد كما كان."

فوجدته يسألني: "أهذا يعني... انك بدأت تحبينه؟"

فوجئت به، ولم أرد على ذلك. لزمت الصمت، وفي داخلي أتعجّب لِم يهمّه الأمر الى هذا الحد! بل ويقلقه!

وجدته يعتذر عن نفسه بعد لحظة: "انا آسف. لم يكن من حقي ان أسألك ذلك."

"عامر، ماذا جرى لك؟ هل انت بخير؟ أحس فيك بشيء غريب."

"اي شيء؟"

"لا ادري. لم أعرف فيك الصفاقة من قبل."

"ربما. ولكن... كلما فكرت... انك تحبينه... لا أدري ماذا يحصل لي!"

"عامر، يجب ان تنسى! انت ترى اي وضع ألزمني للعودة اليه. هل تريدني ان أعيش بقية حياتي تعيسة؟"

"بالطبع لا! أريدك ان تعيشي بسعادة وامان وراحة بال."

"اذن دعني أعِش حياتي كما اخترتها، أرجوك! وانت، انتبه لنفسك وحياتك، وابحث عن سعادتك."

بعد ذلك الحديث لم يعاود الإتصال بي.

مضى أسبوعان.

وذات يوم، وجدت فادية تأتي لزيارتي في بيتي، ومعها خبر يطير له العقل. انها حامل! وأخيرا بعد طول انتظار!

فرحت لها كثيرا، واحتضنتها بشدة، وسالت لها دموعي، فقد كنت أعلم كم كانت تتوق الى الأمومة، وأدرك مدى معاناتها طوال هذه السنوات بلا اولاد.

جلسنا جنبا الى جنب نفضفض همومنا وآلامنا ونسبك أحلامنا وأمنياتنا، وانا أحسست بداخلي أن الله جزاها خيرا، هي وزوجها، على صنعهما الخير معنا. وبعد ان عاد فراس وأشرف من النادي الذي يتدربان فيه، خرجنا كلنا معا للإحتفال بهذه المناسبة السعيدة، فجلسنا في مطعم اختاره فراس لنا لتناول العشاء.

وفجأة، رأيت امرأة بين الجالسين اهتز لها كل كياني، وأعادتني الى أيام الألم والقلق. كانت هذه المرأة هي التي أضرمت النار بيني وبين فراس وبالكاد أودت الى طلاقنا. امرأة ذات شعر أشقر طويل، مسترسل، قامة طويلة، دقيقة التكوين. كانت تشبه بملامحها النساء الروسيات الجميلات، الا انها كانت تتحدّث العربية بطلاقة. كانت جالسة مع جماعة مكونة من رجال تبدو عليهم سمة رجال الأعمال، ونساء لابسات بأناقة فائقة، لا يخفى على العين ثراؤهن. وكانت تتأمل نحونا بنظرات مستطلعة وابتسامة خبيثة تلمع على شفتيها.

أطرقت رأسي ساهمة وشعرت بانفجار مبهم في رأسي.

"ماذا حدث؟" همست فادية في أذني سائلة.

"لا شيء." كان ردي باقتضاب. لم تكن فادية تعرف تلك المرأة، وربما زوجها أيضا، فلم يحسا بأي شيء غريب. ولكن فراس بدا كأنه لمحها، وطغت على ملامحه علامات الإرتباك، ولم يجرؤ على النظر الي.

مضت بقية السهرة على صمت وضيق واضطراب، وعدنا في نهاية المساء الى منزلنا، دون ان ينبس احد منا بكلمة طوال طريق العودة. دخل فراس الى غرفة المكتب، وأغلق على نفسه الباب. شعرت باضطرابه الشديد طوال المساء، حتى انه لم يبادلني كلمة واحدة. ذهبت لوضع ليلى في فراشها، وانقضت عدة دقائق حتى نامت. ثم أويت الى الفراش، ولكن النوم أبى ان يأتيني. أحسست بالقلق يسري تحت جلدي والهواجس تضجّ داخل صدري. قمت أذرع الغرفة جيئة وذهابا.

أيُعقل أن تكون علاقتهما مستمرة؟ لماذا جلست في هذا المكان بالذات في ذلك الوقت بالذات؟ هل هو من محض الصدفة؟! وهل كانت، وربما ما زالت، ترتاد ذلك المكان مع فراس؟ أيكون قد أخبرها بذهابنا الى هناك؟ لا! كيف يخبرها ويجعلها تتواجد هناك في نفس الوقت الذي نحن فيه؟ لقد كان مضطربا لرؤيتها.

أحسست كأنني أختنق في الغرفة. ذهبت لشرب كوب من الماء. وبينما كنت مارة بالقرب من غرفة المكتب في طريقي الى المطبخ، سمعت صوت فراس وهو يتحدّث، واستوقفني الكلام الذي وصل الى مسمعي. أجفلت أصغي واجمة.

"ليس هذا ما اتّفقنا عليه!" سمعته يقول، وخمّنت أنه يتحدث على الهاتف. "انت تتصرّفين بغباء شديد ... لا، لا، انا لا أصدّق هذا الهراء. لقد سبّبت لي احراجا شديدا لدرجة انني لم اعرف اين أذهب بوجهي ... كفي عن هذا! أتظنين أني لا اعرفك بعد كل ما كان بيننا؟! ... لا، لم تكن صدفة! ولا تحاولي اقناعي بعد الآن فأنا لن أصدّق كلمة واحدة مما تقولين!"

لم أسمع أكثر من ذلك، فقد عدت بسرعة الى غرفتي، وأنا أحسّ بجسمي كله يرتعد، وقلبي يخفق بقوة جنونية، وكأنني كنت شاهدة على جريمة مروّعة.


يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الى الكاتبة المبدعة حوا سكاس
غيورغي فاسيلييف ( 2010 / 11 / 20 - 08:17 )
الصديقة الغالية والأخت العزيزة حوا سكاس
ارفع لك قبعتي واحني امامك قامتي حبا واحتراما وتقديرا
أقول لك بكل صدق انت كاتبة وانسانة نادرة في وقت عصيب ونادر
ما تكتبين ابداع كبير بحق. الكلمة الانسيابية العميقة والصورة المركزة الغزيرة
والتفاصيل الدقيقة تعطي لكتاباتك بعدا جديدا لا توسع مفهوم البعد والأفق
بورك قلمك وبوركت الكلمة التي تكتبين وبوركت حياتك
بانتظار المزيد
وتقبلي عميق محبتي واحترامي وتقديري


2 - اتمنى نهاية جميلة
ماجدي ماجد ( 2010 / 11 / 20 - 09:04 )
تحية طيبة
الحقيقة لم اقرأ سوى الحلقة السابعة حيث انني بالصدفة شاهدت هذا المقال ولكن سوف احاول قراءة باقي الاجزاء بالترتيب
لكن سؤال ربما يكون غريب
هل لي ان اعرف ما هي جنسيتك ؟

شكرا


3 - عزيزي غيورغي
حوا بطواش ( 2010 / 11 / 20 - 11:41 )
كلماتك غمرتني بسعادة كبيرة كادت ان تطلق الدمعة من عيني من شدة تأثري برأيك الذي أعتزّ به الى ابعد حد. أحس بمدى صدق كلماتك ومشاعرك النابعة من نقاء قلبك رغم انك لا تعرفني الا من خلال الكلمات
تحياتي الصادقة لك
دمت بألف خير


4 - اخي ماجدي ماجد
حوا بطواش ( 2010 / 11 / 20 - 11:45 )
اشكر لك مرورك. انا جنسيتي اسرائيلية أعيش في قرية اسمها كفر كما لا تبعد عن بحيرة طبريا كثيرا
تحياتي لك
دمت بخير وصحة


5 - عزيزتي حوا سكاس المحترمة
ليندا كبرييل ( 2010 / 11 / 20 - 16:56 )
سرني أن أعرف أنك اسرائيلية وتتقنين اللغة العربية كأبنائها , تتمتعين بمقدرة حبك الأحداث وتسلسلها بعفوية ودون تعقيد , أتابع سلسلتك وأرجو لك النجاح . تحياتي


6 - عزيزتي ليندا
حوا بطواش ( 2010 / 11 / 20 - 18:22 )
انا أتقن اللغة العربية لمحبتي لها منذ الصغر ومحبتي للعرب ولثقافتهم. لغتي الأم هي اللغة الشركسية. انا من الطائفة الشركسية المسلمة التي تعيش داخل دولة اسرائيل في قريتي كفر كما في الجليل الأسفل والريحانية في الجليل الأعلى ويبلغ عددهم حوالي اربعة آلاف نسمة فقط. سأكتب مقالة عن قريب أعرفكم فيها اكثر عنهم
تقديري واحترامي لك
دمت بخير


7 - مشوق وممتع
سهيل كيوان ( 2010 / 11 / 21 - 08:48 )
تحياتي لك الكاتية حوا سكاس ..ممتع ومشوق ما تكتبين ..اضافة للتعليقات التي اقراها ايضا بمتعة على قصتك..بانتظار المزيد .يعطيكي العافية يا حوا..


8 - العزيز سهيل كيوان
حوا بطواش ( 2010 / 11 / 21 - 14:58 )
سلمت على تعليقك الجميل الذي اسعدني جدا وارجو ان اكون دائما عن حسن ظنك
تمنياتي لك بكل الخير والسعادة
دمت سالما


9 - يا حضرة الكاتبة المحترمة حوا سكاس
ميريام نحاس ( 2010 / 11 / 23 - 08:27 )
يا عزيزتي قصتك ممتعة وأنا أقرأها دائماً مع كل حلقة وأنتظر ظهور الحلقة التانية متل ما أنتظر مسلسلات التلفزيون لأن لغتك بسيطة وقصتك من واقع حياتنا بتصدقي ؟ صديقتي عندها نفس المشكلة ؟لكن لا أعرف كيف سنكون النهاية في قصتكي , قرأت في تعليقكي الرابع أنك جنسيتك اسرائيلية فهل يعني فلسطينية حاملة جنسية اسرائيلية أم أصلك هكذا ؟ كما قرأت أنك ستكتبي عن هذا الموضوع أظن يا عزيزتي أنه سيكون موضوع ممتاز وغريب ومشوق جداً أرجوكي اكتبي فيه بسرعة أنا أعيش بينكم , وأحب أن أسمع رأيكي بكل شي وشكراً ,


10 - عزيزتي ميريام
حوا بطواش ( 2010 / 11 / 23 - 16:01 )
اجمل تحية لك مني . انا سعيدة للغاية بأن قصتي تعجبك ولا شك ان المشكلة المطروحة فيها هي مشكلة تواجه الكثيرين في كل المجتمعات. اما بالنسبة لموضوع جنسيتي فهذا الأمر يعود الى كل واحد كيف يرى الأمور، اما الواقع فيقول اني ولدت وترعرعت وما زلت اعيش هنا في قريتي كفر كما وكل اهلي واقربائي يعيشون هنا مثلي تماما ولدوا وترعرعوا هنا وجميعنا نحب قريتنا ونرتاح فيها لأنها هادئة وجميلة ولا نعرف مكانا آخر نعيش فيها.
تمنياتي لك بكل الخير والسعادة
وشكرا لمرورك

اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا