الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف والموقف

أبو الحسن سلام

2010 / 11 / 20
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


تحضرني واقعة النّظام المعتزلي – كبير المعتزلة – في موقفه الناقد لأبي تمام الشاعر، وهو من هو، إذ يقول له : " يا أبا تمّام ، لماذا لا تقول ما يفهم ؟!" فما كان من الشاعر الكبير إلاّ أن قال له: " ولماذا لا تفهم ما يقال ؟! "
ولأن لكل منهما حجيته فيما قال ، فيكون لكل منهما موقف من طريقة المقولة وهدفها ، باعتبار التطابق المفترض بين طريقة القول ومعناه.
ولأن اختلافا قديما متجددا عبر العصور الثقافية بين مؤيدي المضمون على حساب الشكل ، ومؤيدي الشكل على حساب المضمون ؛ لذا فقد وجد كل منهما طرفا يؤيد موقفه وطرفا يزجره . ولم يزعم أحد من مفكري عصرهما العباسي – القرن الثالث الهجري – متهما أحدهما بأنه بلا موقف ، ومن ثمّ فهو غير مثقف!!

لكن من الغريب في القرن الحادي والعشرين في عصر التفكيك والكليب الثقافي والاقتصادي والاجتماعي أن نقرأ في حديث – لا أجد له مناسبة – لأحد المثقفين المصريين ، يتهم فيه فنانا مثقفا مسؤولا ، بأنه غير مثقف محتجا بأن ليس له موقف !! ذلك أنه لا يوجد مثقف إلا وله إنتماء طبقي وليس هناك مثقف خاص بكل الطبقات، وإنما لكل طبقة من الطبقات مثقفوها المدافعون عن آمالها وأهدافها وتوجهاتها ، وهذا معناه أن كل فئة مثقفة تنتمي لطبقة ما إنما تنطلق من موقف ما محدد يدافع عن انتمائها ، وهو في الوقت نفسه معارض إن لم يكن مضادا لموقف غيرها من الفئات المثقفة لطبقة أخرى غير طبقتها. وفي هذه الحالة لن يكون ذلك كذلك .

وإذا اعتبرت نفسي – تجاوزا – في مكان ذلك المسؤول المنتزعة عنه ثقافته - وفق حجة المعتدي عليه بالادعاء - فإن تصنيف موقعي الحقيقي والطبيعي سيكون موقع المثقف العضوي ، لا مثقف الجماهير العريضة للطبقات الكادحة. ولما كنت فنانا مثقفا ومسؤولا في آن ، فضلا على انتماءاتي للحي الشعبي الذي ولدت ونشأت بين أهله ، ومازلت متواصلا معهم ؛ فيكون من الطبيعي أن تتداخل انتماءاتي بين واجبي مسؤولا عن ثقافة بلد حملت مسؤولية إدارة آليات عمله الثقافي تخطيطا لسياساته الثقافية وتشغيلا لدولاب خدمة العمل الثقافي تيسيرا لعرض منتجات المبدعين والمفكرين ونشرها بكل انتماءاتهم الوطنية القومية والليبرالية بأجنحتها المختلفة ما بين يسار ووسط ويمين ، يكون من واجبي أن أصنع سياسات متوازنة بين توجهات كل الانتماءات الفكرية والاجتماعية وهنا لا يحق لكائن من كان أن يتهمني بالتعاون مع نظام قمعي استبدادي في أي مكان بالعالم ، لأني لا أسعى فيما أنا قائم عليه إلى مصالح صغيرة أو ذاتية على حساب مصالح المواطنين البسطاء ، ذلك أن طبيعة عملي هي أيضا توفير وسائل المعرفة وتنمية ثقافة كل المواطنين . فإذا كنت - فعلا- قد أنشأت مئات المكتبات وعشرات البيوت الثقافية في النجوع والقرى والمراكز على اتساع خريطة الوطن بصعيده ودلتاه ، فضلا على عشرات المراكز المتخصصة في الأوان الإبداع المختلفة في مناطق أثرية كانت لمئات السنين أوكارا للحشرات وللحيوانات الضالة والمتشردين المجرمين والعابثين. ناهيك عن المتاحف .ولم يستطع كائن من كان أن يفرض على سياساتي الثقافية مبدأ التطبيع مع العدو الصهيوني ، ولا أقول موقفي في حماية مناضل من أجل تحرير وطنه وهو مطارد خارج حدود بلاده. فهل يكون منصفا والأمر كذلك ادعاء مثقف ما أنني لست مثقفا وليس لي موقف. فما يكون كل ذلك أن لم يكن مواقف وطنية مشرفة.
ومع أني لست مطالبا بإثبات كوني مثقفا ، فمن قال إن المحتم أن يكون المسؤول عن الثقافة مثقفا أو أن يكون المسؤول عن أمن البلاد ضابطا أو عسكريا أو المسؤول عن صحة المواطنين في بلد ما طبيبا أو المسؤول عن مالية البلاد مليارديرا ؟ ليس في دول العالم مثل ذلك أبدا. فكيف وأنا فنان ومثقف يتهمني من لا يملك حق اتهام أحد بأنني غير مثقف ؟ أليس يقال إن الثقافة هي الأخذ من كل شيء بطرف . أليس يقال إن الثقافة هي تشذيب الفكر قبل أن يستوحش وبعد استيحاشه ؟ فلماذا يستوحش من يتهمني بعدمية الثقافة ، ليس معي فحسب ، بل مع كل مثقفي مصر في اتهامه لهم بلا استثناء بأنهم خونة زعما مستندا على أنهم في لجان متخصصة بوزارة الثقافة ؟ أليس هذا استيحاش في السلوك الثقافي في مواجهة 700 مثقف هم أعضاء اللجان المتخصصة بالمجلس الأعلى للثقافة وهم نخبة مبدعي مصر وعلمائها ومفكريها ، ومعظمهم قضى ثلث عمره في المعتقلات دفاعا عن قضايا الفكر والرأي وقضايا الوطن المصيرية . هل أولئك خونة ، كيف أطاع ضميرهذا الصارخ في أحراش المدنية فاتهم أساتذته وزملاءه . وماذا فعل هو ، هل اعتقل يوما ؟ هل أهين . وهل مجرد كتابة مقال أو مقالين أو ثلاثة دفاعا عن مفكر أو صاحب رأي يعد موقفا مصيريا ، ويحسب في تاريخ النضال الثوري ، بينما يتهم من أمضى عمره دفاعا عن قضايا وطنية مصيرية بالخيائة لمجرد أنه اختير لكفاءته وخبرته عضوا في لجنة من اللجان الثقافية بالمجلس الأعلى للثقافة ، مع زعم بأنه يتقاضى مبالغ كبيرة . هل يعلم صاحب الادعاء بأن العضو /العالم أو المبدع يتقاضى 100 جنيه عن حضور اجتماع اللجنة الشهري وهو مبلغ لا يوازي ثمن تذكرة السفر من بلده قادما إلى القاهرة. ولما كل هذا؟ لأن هناك نقد وجه لعمل من إبداعه ، ينسب رواجه إلى سهولة لغته ، التي تناسب مستوى التعليم المتدني في أيامنا هذه ؟ ومتى يدل رواج عمل إبداعي ما ، توفر على كشف عورة النظام المصري في الستينيات على أن ذلك الرواج في بلاد أوروبية كانت لها مواقف عدائية معلنة من تجربتنا في الستينيات بإيجابياتها وسلبياتها متى يدل ذلك على أن العمل لاقى نجاحا وحفاوة يمكنها دحض وجهات نظر نقدية متخصصة . قد يكون من الطبيعي أن يحتفي الغرب بأي إبداع ينتقص من قدر جهود وطنية أخطأت وأصابت والمثل الشعبي يقول: " حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط " وطبيعي أيضا أن يستقبل بعض النقاد الأوروبيين عملا ينتقص من قدر سياسات مضادة لفكرهم وتوجهاتهم الفكرية السائدة، مسلحين بنظرية النقد الاجتماعي موجهين سهامهم إلى ما يغاير مواضعاتهم وفكرهم ، محتفين ومهللين لصور الفكر التي تجرح وتعري توجهات ماضية لنظام من الأنظمة الشمولية ، تأسيسا على غياب الحريات أو مزاعم اضطهاد الأقليات وما شابه ذلك من اتهامات؛ بخاصة إذا كان العمل المحتفى به منهم يكشف عن عورات نظام وطني إنفرادي له أخطاؤه المميتة ، التي أوصلتنا إلى نهش أعراض ممارسات بعضنا بعضا ، وجعلت أحدنا يدعوا غيره بممارسة اليوجا ، التي لو كان هو ممارسا لها لما تفرغ لاتهام غيره بعدمية الثقافة وانعدام الموقف ووصم مثقفي مصر دون أن يستثني منهم أحدا بالخيانة لأن القليل منهم في منحة تفرغ للنتاج الإبداعي نظير 1000 جنيه شهريا لمدة عام مطالب فيه بأن يقدم عملا إبداعيا أو لأن بعضهم أعضاء بلجان المجلس الأعلى للثقافة دون أن يحصلوا أولا على عضوية نادي اليوجا ، عملا بنصيحة سيادته !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الكلمة أمانة
د. أبو الحسن سلام ( 2012 / 8 / 26 - 00:27 )
لا يصبح المثقف مقفا بحق دون أن تكون له كلمة حق لا يحيد عنها . ولا يستحق الأديب أو الفنان لقبه دون مصداقية . وقد استفزني موقف الروائي الطبيب عندما هاجم كل مثقفي مصر الكبار الذين لولا إنتاجهم الإبداعي والفكري والعلمي ما كان يستطيع أن يخط ما كتب ، وإن كان ما كتب أدني من أقل رواية لروائي كبير مثل خيري شلبي أو الغيطاني .. . فأردت أن أردعه فمثل ذلك الشخص يجب أن يزجر حتى لا يتطاول على فنان كبير أو مفكر أو مسؤول كبر أو صغر ويجب أن يتعلم آداب الحديث عن كبار المفكرين والمثقفين

اخر الافلام

.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع


.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف




.. مظاهرات في العديد من أنحاء فرنسا بدعوة من النقابات واليسار ا


.. خلافات في حزب -فرنسا الأبية-.. ما تأثيرها على تحالف اليسار؟




.. اليمين المتطرف يتصدر نوايا التصويت حسب استطلاعات الرأي في فر