الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النسر والسيف !

عادل عطية
كاتب صحفي، وقاص، وشاعر مصري

(Adel Attia)

2010 / 11 / 20
الارهاب, الحرب والسلام



كثيراً ما نكيل الاتهامات بدون حد أقصى للبطش الروماني ، ونتجاهل ما صنعه الغزاة الذين غزو مصر فيما بعد !
وكثيراً ما يلذ لأتباعهم ـ الذين يواصلون كذبهم ببراعة منكرة عندما يفتحون فمهم ـ ، أن يتبجحوا بالقول : أنه لولا السيف العربي ؛ لأفنى النسر الروماني الأقباط ، وماترك منهم في الوجود بقية !
وكأنهم يريدون أن يمحوا بكلمة واحدة :
تاريخاً من التواتر جيلاً بعد جيل !
وتأريخاً من المؤرخين ، منهم مسلمين ، من أمثال : البغدادي ، وابن القفطي ، والمقريزي ، وحاجي خليفة !
وأن يغسلوا كل ما تفوه به حاملي السيف أنفسهم ، عندما طالعتهم مصر بجمالها ، وعظمتها ، وخيراتها ، وهي تسقط في قبضتهم !
فهاهوذا عمرو بن العاص ، قائد الغزو العربي ، يقول عن رأسها : "فتحت مدينة لا أستطيع أن أصف ما فيها ، الاعراب يغطون عيونهم من بهر المرمر والطلاء" !
فماذا فعل ابن العاص بثاني مدينة في العالم بعد روما ، الغنية بسكانها ، البالغة أقصى درجات الجمال ، وعجائبها أكثر من أن تحصى ؟!..
لقد دك اسوارها ، وطرحها أرضاً ، وأضرم النار في ربوعها ، حتى تحولت إلى خرائب !
ومن منا لا يرثي في غضب وقور خسارة العالم التي لا تعوض ، عندما حرق المتبربرون مكتبتها الفائقة الفخامة ، بناء على إذن من عمر بن الخطاب : "إن كانت هذه المؤلفات تتفق وكتاب الله ، فلا فائدة منها ولا حاجة بنا إلى حفظها . وإن كانت تخالفه ، فهي ضارة ويجب إعدامها" !
وبعد أن انزوت مدينة الاسكندرية في وادي ظلال الموت ، يلتفت عمرو بن العاص إلى جسد مصر الطاهر النقي ، ويغازلها في رسالة إلى ابن الخطاب : "فبينما مصر يا أمير المؤمنين لؤلؤة بيضاء ، إذا هي عنبرة سوداء ، فإذا هي زمردة خضراء ، فإذا هي ديباجة رقشاء ، فتبارك الله لما يشاء" !
ويلاحقه ابنه عبد الله ، بالقول : "من أراد أن ينظر إلى الفردوس فلينظر إلى أرض مصر حين تخضرّ زروعها ، ويزهر ربيعها ، وتكسي بالنوار أشجارها ، وتغني أطيارها" !
ولكننا نكتشف أنه غزل شرير ، يمكننا اختزاله في قول عمر بن الخطاب ، عندما حاقت المجاعة بالمدينة المنورة : "خرّب الله مصر في عمران المدينة وصلاحها" !
وهل هناك خراب أكثر من هذا ، أن تتحوّل جنة الله على الأرض ، من مزرعة غلال العالم كله إلى أرض المجاعات !
وأن يقضى على آلاف السنين من الابداع العبقري للحضارة المصرية !
وأن يباد شعبها ليصل إلى أقل من الربع ، ليودّعوا هويتهم ، ولغتهم ، وحريتهم الدينية !
لقد كان للرومان حضارة وثقافة ورقي وتحضر ..
وكان ضميرهم ملفوفاً داخل قطعة من علمهم المرشوش بالماء المقدس ،
أو الذي كان الكهنة يسمونه مقدساً .
ورغم انهم استخدموا العنف تجاه ذوي الاديان الأخرى غير الرومانية ،
إلا انهم لم يلغوا هوية الآخرين ، أو ثقافتهم .
وقمة احتلالهم لم يصل بهم إلى الاستيطان كما فعل العرب .
فماذا يمكن أن تنتج الصحراء غير القسوة والتوحش وإزدهار ثقافة الغزو والسلب والنهب التي كانت ملمحاً مهماً في حياة العرب سواء قبل الإسلام ، أو بعده !
،...،...،...
في مأساة النسر والسيف ، سيبقى الماضي ، حاضراً ..
يدعمه الواقع الأليم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممزق الأحشاء وفاقد البصر.. الشاب الغزاوي رامي ضحية جديدة للا


.. فيضانات ودمار خلفه إعصار خلال مروره بجزيرة بربادوس في البحر




.. إعصار كارثي محتمل يضرب الولايات المتحدة


.. خارطة بالقواعد الأميركية المنتشرة في الدول الأوروبية.. وعدد




.. الخارجية التركية: جهود تركيا ومواقفها الراسخة من أجل الشعب ا