الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عباس والتلاعب بالاستحقاقات الوطنية

محمود عبد الرحيم

2010 / 11 / 21
القضية الفلسطينية


لا يمكن أن نأخذ على محمل الجد تصريحات رئيس السلطة الصهيوأمريكية محمود عباس ورجاله بشأن رفض استئناف التفاوض، فالعودة قريبة، في تصوري، للعبة العبث، حتى ولو لم يف الكيان الصهيوني بالحد الأدنى المطلوب لإثبات الجدية، وحتى لو أصر نتناياهو على مواصلة الاستيطان، والتعامل مع القدس كجزء لا يتجزأ من الدولة اليهودية المزعومة، وعاصمة موحدة مرتقبة، لها أولوية وطنية في هذه المرحلة من حيث الاستثمارات والخدمات العامة، فضلا عن إخراجها، بمنطق الأمر الواقع، هي والكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية من حسابات التفاوض.
وما يقوم به عباس وسلطته ليس سوى حلقة من مسلسل ممل غير مقنع، يسعى من خلاله لإظهار نفسه كزعيم لديه موقف ممانع وأوراق، غير أن الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق، فمع أقل ضغط سرعان ما يتراجع، كما جرت العادة، ويقبل بالإملاءات بشكل مهين، ويتم التلاعب من جديد بمصير القضية الفلسطينية المهدد بقوة في الوقت الراهن.
وما قيام الإدارة الأمريكية بإرسال رسالة لعباس عبر مستوى ديبلوماسي أقل حتى من مبعوث خاص، إلا تأكيد لمعنى الإستهانة والمهانة والنظرة الاستعلائية، التى يتعاملون به مع سلطة ورجال من صنعهم، ليس مطلوب منهم سوى السمع والطاعة.
وهذه نتيجة طبيعية لنهجه الاستسلامي وخياره الخاطئ الأقرب للخطيئة، الذي تثبت الوقائع يوما تلو أخر مقدار فشله، ومدى الخسارة الملحقة بالفلسطينيين من ورائه.
فحتى الآن، ورغم كل ما جرى ويجري من جرائم سياسية، لم يواجه نفسه ولا شعبه بالحقيقة المرة، ويبدو أنه لا يريد أن يتعلم من درس عرفات الذي تنازل حتى لم يبق لديه ما يقدمه، فحٌوصر وحيدا ذليلا، وتمت تصفيته بلا ثمن، كما لا يجرؤ عباس على الإعتراف أن المقاومة المسلحة، التى لا يمل من إدانتها وملاحقة رجالها، هي السبيل الوحيد لتحرير الأرض وإستعادة الحقوق، حيث أن خبرة التاريخ وتجارب الشعوب المحتلة تخبرنا أن لا أحدا يعترف بغير القوى، ولا شئ اسمه تفاوض من أجل التفاوض، ولا حقوق منتظرة بالمجان، دون أن تمتلك الإرادة الحرة والإيمان بعدالة قضيتك، وتسعى لتكبيد عدوك خسائر مؤلمة، تجعله ينظر إليك بعين الإعتبار، وإن تفاوض معك يتفاوض بندية، وليس بمنطق المنتصر الذي عليه أن يملي شروطه، والمهزوم المحصور في الزاوية.
وحتى الآن لازال عباس ينتظر ما يُلقي به الأمريكان إليه، حتى لو كان حركة وهمية تحت سياط الوعيد، لا تقدم وأنما تؤخر، في مقابل إسترضاء للكيان الصهيوني وتقديم حوافز جديدة له يصح وصفها ب "وعد بلفور جديد" وعلى نحو يؤكد من جديد وحدة الموقف والمشروع الصهيوأمريكي الذي تتوارثه إدارة أمريكية تلو إدارة، فما المبادرة الأمريكية الجديدة إلا نسخة حديثة من وعد بلفور القديم، تعطي للصهاينة ما يتطلعون إليه في هذه المرحلة الحاسمة، وما تعهدات أوباما إلا تأكيد لخطاب ضمانات بوش لشارون قبل سنوات، حيث التفاهم بين تل أبيب وواشنطن على شطب ما يسمي بالمرجعية القانونية الدولية للتفاوض، وإستبعاد كل الأطراف من أي تسوية مقبلة، ولا عودة حتى للتفاهمات المجحفة السابقة المُتوافق عليها إقليميا ودوليا، حول دولة على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ولا حديث عن حق العودة للاجئين، فضلا عن تكريس ضم القدس واقتطاع أجزاء استراتيجية من الضفة الغربية، ودعم سياسي وعسكري متزايد وحماية في المحافل الدولية بسلاح الفيتو، بالشكل الذي ينسف وهم إعلان الدولة عبر الأمم المتحدة، تلك الورقة المحروقة التى يلوح بها عباس بدون إدراك سياسي، أو قراءة واعية لمعطيات الواقع محليا وأقليميا ودوليا.
ورغم وضوح الرؤية لكل ذي نظر، يغض عباس ومن ورائه العرب الطرف عنها، ويتبرع كلاهما بمنح الإدارة الأمريكية وإسرائيل فرصة تلو فرصة، ليرتبا أوراقهما كيفما يشاءا، على النحو الذي يخدم مصالحهما، وليس المصلحة العربية والفلسطينية.
فبعد أن قررت لجنة المتابعة العربية، التى انعقدت على هامش قمة سرت الاستثنائية مهلة الشهر لإتخاذ موقف حازم، بعد سلسلة من الاجتماعات المؤيدة والتراجعات المخجلة والشرعنة لمفاوضات الوهم، ودعم رئيس السلطة الفاقد للشرعية، لم تجد ما تجتمع لأجله، ولم يعد في جعبة أعضائها مزيد من التبريرات، ولا قدرة على الإعتراف بالحقيقة، فلم تجتمع، وآثرت صمت الجبناء الأقرب للجريمة الأخلاقية، وإزاء الضغوط المزدوجة الصهيو أمريكية، أعلن عباس وسلطته عن مهلة مجانية جديدة، حتى تمر مرحلة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، التي ما إن انتهت بسيطرة أصدقاء الكيان الصهيوني من الجمهوريين اللكوديين على الكونجرس، حتى قامت الإدارة الأمريكية بمكافآة إسرائيل، وتكشير الأنياب للفلسطينيين الذين مازالوا يطاردون قبض الريح.
ورغم كل هذه المعطيات لازال الرهان على التفاوض واللهاث وراء العظمة الأمريكية وليست حتى قطعة لحم، في حين أن الرهان الحقيقي كان يجب أن يكون على الذات، والأولوية كانت يجب أن تكون للمصالحة الوطنية واستراتيجية العمل الوطني الموحد التي ينبغي أن يتصدرها آليات المشروع التحرري المقاوم، لمواجهة خطر تصفية القضية، مع ضرورة التبرأ من خطيئة التفاوض بهذا النهج غير الوطني، و تحاشي طريق الاستسلام الذي وصل إلى نهايته، ولم ينل أصحابه الا خفي حنين.
و أتصور أن عباس ورجاله لو أنتهجوا المنطق الوطني المخلص، وتعاملوا بنفس الجهد والجدية التى يمنحوها للتفاوض العبثي، مع ملف المصالحة، بل وأعطوها الأولوية على ما سواها، لتم إنجازه، لكن كلما خطوا خطوة تراجعوا عشر خطوات للوراء، لأنهم ومن ورائهم أمريكا وإسرائيل وعواصم أقليمية تابعة، لا يريدون مصالحة ولا تقوية للجبهة الداخلية ولا وحدة في الموقف الفلسطيني، وأنما تكريس للإنقسام وحالة الضعف والخضوع، حتى يتم إنفاذ كامل المخططات الصهيونية، ويصبح الخيار الوحيد هو التسليم بالأمر الواقع وإعتراف عام معلن أو ضمني بدولة يهودية عاصمتها القدس الموحدة حدودها تمتد إلى الضفة الغربية، والذي يرسمها الجدار العازل، وعلى الفلسطينيين أن يقبلوا بكونفيدرالية لما تبقى من الضفة مع الاردن، وإلحاق مسئولية غزة بمصر، أو البقاء على كيان مفتت ما بين غزة والضفة بلا سيادة ولا نوافذ على العالم، يمكن أن يحصل على مسمى (دولة) منزوعة السلاح والإرادة.
فأين الوطنية، هنا، ومتطلبات الزعامة ودور القيادة (إن وُجدت)، وسط التهرب من استحقاقات المرحلة الحرجة التى لا تقبل التأجيل ولا التراخي، وفيما القضية تتعرض للضياع والوقت داهم؟!.
*كاتب صحفي مصري
Email:[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-