الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جعلوني خروفا .. يًما أو انتخابات الرئاسة في السجن

مصطفى الحاج صالح

2010 / 11 / 21
أوراق كتبت في وعن السجن


أولا هذا من عجائب الدهو وغرائب الزمن أن يحاول نظام إرغام سجناء سياسيون معارضون له على المشاركة في ( انتخابات) الرئاسة .. كيف استوى الأمر عندهم ..؟ أي منطق يسوقونه لأنفسهم..؟ ولن نتسائل عن المنطق الذي يسوقونه لضحاياهم فهم قطعا غير معنيين بالمنطق بقدر ما هم معنيون بمزاولة السلطة ؛ ببمارسة القهر اللذين يلبيان حاجات النظام للاستقرار وحاجات أهله القائمين عليه إلى الانتقام والثأر من جهة وإلى الشعور بشبع معنوي تحققه ممارسات عنيفة أكثر مما تحققه ممارسات طبيعية في ظل غياب كل ما هو طبيعي من الطبيعة المرغمة على تلبية احتياجات أهل النظام بغض النظر عن النتائج الكارثية في المستقبل إلى انتخابات ( على المقاس ) رغم ذلك كان لابد من مزاولة القهر على الرعية ومن بين تلك الرعية سجناء سياسيون معارضون ( لا يحبون رئيس البلاد) فكيف ( ينتخبون) من لا يحبون.

من لا يعرف كيف تجري انتخابات الرئاسة في سوريا ؟ .. الغالبية العظمى المطلقة (99.99) من الشعب السوري في القرى وفي المدن ؛ في السجون وفي القطعات العسكرية يعرفون ويعلمون كيف تجري ؛ بالتالي لامعنى لوصفها على نحو تفصيلي لو أنّ الأمر تعلق بقراء سوريين أو لو أنّ الأمر تعلق بالحاضر أو بالأجيال التي عايشت (الأب الرئيس) كثير من العرب المقيمون في أوربا [ المهتمين بالسياسة والمعارضين لأنظمتهم] ينظرون إلينا نحن المعارضون والناقدون للنظام في سوريا شذرا !! فكيف ننتقد نظاما يقف في وجه إسرائيل وأمريكا ( هذا الموضوع سنعود إليه لاحقا لعلنا نسطيع إنصاف المعارضة السورية ومن قبلها أطراف في المعارضة العراقية التي ابتلعت الموس على الحدين فلا هي قادرة على إخراجه ولا هي قادرة على ابتلاعه) .. أغلب العرب تأخذهم المظاهر بعيدا عن الحقائق وقد يبدو منطقيا بالنسبة لهم أنْ يكونوا معنيين بمواقف النظام من التسويات القائمة ؛ الحد الأدنى أو ما يسمونه الممانعة ؛ الوقوف في المكان لا تقدم للأمام ولا تراجع نحو الخلف وهؤلاء العرب ما لم يكونوا مصرين أو عراقيين مروا بتجارب مماثلة لن يستطيعوا فهم ما نتحدث عنه بل ولن يستطيعوا تفهم معاناتنا مع نظام لا يجد سببا يدعوه إلى التنازل عن نسبة99.99

تجري الانتخابات الرئاسية في سوريا كل سبعة أعوام ؛ هل هي حقا انتخابات..؟ الانتخاب لغة اصطفاء وانتتقاء من مجموعة إذا لا يطلق اسم انتخاب على تصويت لمرشح واحد مع ذلك يسمونها انتخابات ضاربين عرض الحائط باللغة أولا وبالتجارب العالمية المختلفة حيث العملية الانتخابية نقوم على مبدأ أساسي انتقاء واختيار من بين عدد من المرشحين إما لمجلس ما أو لمقعد رئاسي في سوريا النظام : ( الجمهوري الوراثي ) لايوجد سوى مرشح واحد ؛ فيما مضى كان الأب والآن الإبن ؛ لا منافسين ولا حتى ( أرانب سباق) العملية برمتها اقتراع على شخص واحد مع ذلك لم تكن هذه العملية المحسومة النتائج سلفا وبنسبة عالية متكررة(99.999) تتم دون قسر وإرغام ؛ عنف واضطهد؛ كأنّ الغاية النهائية هي إذلال الناس ؛ قهرهم ؛ تخويفهم أو بالأحرى إعادة انتاج الخوف في حياتهم ..

قبل يوم الاقتراع المحدد تبدأ الاحتفالات المكلفة التي أمست بدورها مصدرا لنهب المال العام وللارتزاق ولاتخلو تلك الاحتفالات من مظاهر قمع بين و ممارسات قهرية لا تغيب عن بال بما في ذلك بال من يخططون لها فبالإضافة إلى التلوث السمعي والبصري الذي يواجهك أينما حللت ستجد نفسك بغض النظر عن قربك أو بعدك من أجهزة الدولة التي تعد ملكية خاصى للحزب الحاكم مرغما على القيام ببعض من مظاهر الاحتفال ؛ تعليق الأعلام والصور إذا كنت صاحب حانوت أودكان ؛ الحضور إلى بيوت الشعر أو السرادق المقامة في مثل هذه المناسبات إذا كنت موظفا عند الدولة ؛ الإنصات إلى خطابات الخطباء وترديد الهتافات وأنت تتلفت من حولك للتأكد من أنهم رأوك وأنك آمن .

في يوم الاقتراع وهذه عجيبة أخرى لا أدري إن كنت الوحيد الذي لم يستطع فهمها أم هناك أغبياء آخرين مثلي لا يفهمون لم تقوم الدنيا ولا تقعد في ذاك اليوم؛ يوم الاقتراع ؛ تستنفر الأجهزة الأمنية؛ يستنفر الجيش الرسمي؛ يستنفر الحزب الحاكم كل أعضائه وأفراده؛ تستنفر (المنظمات الشعبية ) التابعة للنظام كلها مع إنهم جميعا يعرفون النتيجة سلفا .. فما الغاية من كل ذلك ..؟ عند الصناديق سواء في القرى أو في المدن يجري تفقد رسمي وفق قوائم محددة سلفا فمن يجرؤ على عدم الحضور..؟؛ يجلبون المرض بسيارات الدولة بل ويحيون الموتى لمدة دقائق يصوتون ويعودون لقبورهم ..

النجاح مضمون ؛ النسبة غير المعلنة تتجاوز عدد السكان ممن يحق لهم التصويت فما الذي يدعو النظام أو جهازا من أجهزة النظام الأمنية إلى محاولة إرغام عدد قليل من السجناء على الإدلاء بأصواتهم لصالح المرشح الوحيد..؟ ألايوجد حدا أدنى من المعقولية يلتزم به أهل النظام وهل القهر غاية بحد ذاته عندهم ..؟ لا شيء يفسر محاولة إرغام حفنة من (الأسرى ـ السجناء)على التصويت.. هذا خارج على كل عرف ومنطق ولا يجد له تفسيرا سوى الحقد والضغينة والــ ...

في عام 1984داخل سجن حلب المركزي أحضر صندوق اقتراع و طلب من السجناء السياسين وهم في غالبيتهم من الشيوعيين الاقتراع والإدلاء بأصواتهم تعبيرا عن حسن نيتهم تجاه القائد ( كذا) الذي قد يتعطف بعد الانتخابات ويأمر بالإفراج عنهم .. عدد كبير من السجناء رفضوا المذلة التي لا تعدو كونها إكذوبة ؛ كان ذلك قبل اعتقالي بعام أو أقل من عام وما أرويه هنا سمعته بنفسي من أشخاص عاشوا تلك المحنة .. في الحال استدعيت( مفرزة قمع ) هكذا يسمونها ؛ مجموعة من عناصر ذات الجهاز ؛ غالبيتهم من أصول ريفية (!!) مسلحين بالعصي والسياط .. بالعنف .. بالجلد بالسياط .. أرغم السجناء على خلع ملابسهم .. ظلوا بالسروايل الداخلية القصيرة ؛ يصف " أبا نيروز ـ عمر" الذي قال جملته الشهيرة: ( جعلوني خروفا ..يـما ) [ صفونا وسط الجناح وهم عن يمين وعن يسار بأيديهم العصي والكرابيج] وعلى الخراف المسجونة الركض من أول إلى آخر الجناح والعودة ثانية ركضا وهو يهتفون .. من أبطأء أو رفض الهتاف انهالت عليه سياطهم وعصيهم .. ساعات من جحيم دام .. تناثرت فيه دماء السجناء على طول الممر ولم يكن الأمر يخلو من متعة عند القائمين عليه .. ما لم تهتف .. عليك الثغاء .. والثغاء أقل وطأة على قلب السجين من هتاف يدعو إلى إدامة حكم ساجنه وقامعه.. فكيف يستوون ؟؟ أليس الثغاء أفضل من نهيق يدعو للتضحية بالروح والدم من أجل شخص كانت فترة حكمه من أكثر الفترات دموية في تاريخ سوريا الحديث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - يا حلو كتابتك
محمد الحاج صالح ( 2010 / 11 / 20 - 22:34 )
يا حلو كتبتك أبو الحارث

اخر الافلام

.. طلاب جامعة كولومبيا.. سجل حافل بالنضال من أجل حقوق الإنسان


.. فلسطيني يصنع المنظفات يدويا لتلبية احتياجات سكان رفح والنازح




.. ??مراسلة الجزيرة: آلاف الإسرائيليين يتظاهرون أمام وزارة الدف


.. -لتضامنهم مع غزة-.. كتابة عبارات شكر لطلاب الجامعات الأميركي




.. برنامج الأغذية العالمي: الشاحنات التي تدخل غزة ليست كافية