الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مكر السؤال : من نحن أم من أنت؟

عصام عبدالله

2010 / 11 / 21
العولمة وتطورات العالم المعاصر


السؤال الذي طرحه الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي في مقاله "من نحن؟.. أو من نكون؟، عالمية أخلاقية وخدع اقتصادية"، عبر من الناحية الفلسفية عن "القلق الفكري" لعصرنا، وقد لا يفهم كامل معناه ومبناه خارج مقولتين (متناقضتين) طبعتا العقد الأخير من القرن الماضي، الأولي هي مقولة "النهايات": نهاية التاريخ، نهاية الأيديولوجيا، نهاية الفلسفة... إلخ. والمقولة الثانية هي "الصدام أو الصراع": صدام الحضارات، وصراع الهويات والثقافات والأديان.

ولنبدأ بالمقولة الثانية، التي بلورها "صمويل هنتنجتون S.Huntington في مقاله المعنون بـ"صدام الحضارات" The clash of civilizations ? الذي نشر عام 1993 في مجلة (شئون خارجية) Foreign Affairs ? ثم طورها في كتاب يحمل نفس الإسم فيما بعد.

ولعل سر ذيوع وانتشار مقولة هنتنجتون، رغم كل ما قيل عنها، هو أن جميع أطراف الصدام أو الصراع، منذ نهاية الثمانينيات من القرن العشرين وحتي اليوم، كان راغبا - ولا يزال - في تصديق هذه النبوءة التي حققت نفسها بنفسها!

لقد أقدم هنتنجتون، الخبير السابق في إدارة "ليندون جونسون" لمحاربة التمرد في فيتنام، ومدير مؤسسة الدراسات الاستراتيجية في هارفارد علي نشر مقولته تلك، رداً علي المنظر المنافس في وزارة الخارجية الأمريكية، الأمريكي من أصل ياباني "فرانسيس فوكوياما" صاحب أطروحة "نهاية التاريخ"، وهي المقولة الأولي التي سرت سريان النار في الهشيم عقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار جدار برلين، الذي بدا وكأنه انتصار ساحق ماحق للرأسمالية والديمقراطية الليبرالية علي غريمتها الشيوعية والنظم الاستبدادية.

بالنسبة إلي هنتنجتون، فقد وضعت هزيمة الاتحاد السوفيتي حداً لجميع الخلافات الأيديولوجية لكنها لم تنه التاريخ . فالثقافة وليست السياسة أو الاقتصاد ، هي التي سوف تحكم العالم. والعالم ليس واحداً. "الحضارات توحد العالم وتقسمه .. الدم والإيمان، هذا ما يؤمن به الناس ويقاتلون ويموتون من أجله ".

والنزاعات بين الحضارات هي المرحلة الأخيرة من النزاعات في العالم الحديث. ففي العالم الغربي كانت النزاعات، بعد معاهدة "ويست فاليا" عام 1648 قائمة بين الأمراء والملوك والأباطرة . وبعد الثورة الفرنسية عام 1789 وقعت النزاعات بين الأمم. ونشبت في القرن العشرين بين الأيديولوجيات (الشيوعية ، والاشتراكية القومية، والديموقراطيات الليبرالية). وكانت الحربان العالميتان ( 1914 - 1945 ) حروباً أهلية غربية ، وكذلك الحرب الباردة التي انتهت عام 1989، وحلت اليوم المواجهات بين الحضارات.

والحضارة هوية ثقافية تحددها عناصر موضوعية (اللغة والدين والتاريخ والعادات.. إلخ)، وعامل ذاتي، ألا وهو الهوية التي يقررها الأفراد لأنفسهم.

ولعل أخطر ما تطرحه أطروحة هنتنجتون هو: إذا كان السؤال المطروح في النزاعات الايديولوجية: "مع أي جانب تقف؟ "، ومن ثم كان بوسع الناس اختيار معسكرهم وتعديله ، فإنه في النزاعات بين الحضارات يكون السؤال "من أنت؟"، وعندئذ لا يكون التغيير ممكناً.

هنا بالتحديد نصل إلي "لب" الصراع نفسه في عالمنا المعاصر، بدءًا من يوغوسلافيا السابقة في العقد الأخير من القرن العشرين مرورا بزلزال 11 سبتمبر عام 2001 وحتي اليوم، فالسؤال : من أنت ؟.. تزامن ظهوره مع السؤال: من نحن ؟ أو من نكون ؟ الذي طرحته مجلة " ديوجين " العدد 177 - 117 في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وعرضنا له في المقالات الأربع السابقة في هذا المكان.

ومنذ الآن فصاعدا ستغدو "الهوية الثقافية" بالمعني الدقيق و"التعددية الثقافية" بالمعني الواسع هما محور "السجال" داخل الشرق والغرب علي السواء، وكإحدي معضلات عصر العولمة وحقوق الإنسان، وستطرح علي بساط البحث مسألة السيادة والدولة القومية والأقليات والاندماج والمواطنة العالمية.

وحسب المفكر الفرنسي "باسكال بونيفاس" فإن قيمة أطروحة هنتنجتون الأساسية : أنها ألقت الضوء مجدداً علي أهمية العوامل الثقافية والدينية في العلاقات الدولية ، وأن الثقافة قد تكون سبباً في التعصب والحروب وليست مقوماً للتسامح والسلام كما هو شائع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أبدعت دكتونا الفاضل
أ. دلال القدافي ( 2011 / 1 / 25 - 15:53 )
تميزت وأبدعت دكتور عصام في كل مقالاتك المتميزة صراحةً ... إستفدت كثير منها . كما استفدت من المجلة التي اعطيتها ليه .-أطياف -صديقنا جاك دريدا ياريت دكتورنا الفاضل تعطيني فكرة اكثر وضوحاً عن مفهوم الديمقراطية من وجهة نظر جاك دريدا... تحياتي لك


2 - شكرا
بنت مصر ( 2011 / 5 / 15 - 15:23 )
انا طالبة لديك يادكتور فى قسم الفلسفة احترم اراء حضرتك واقراء جميع مقالاتك حتى استفيد منها فهى تعجبنى والمادة التى تدرسها لى رائعة وكنت اتمنى دراستها حتى اساعد فى بناء حضارة مصرية حديثة كشابة من شابات مصر ولكنى لم افهم ما اراده صامويل هنتنجتونج من هجومه الغير موضوعى على العالم الاسلامى وكيف صور او تكلم عن نبى من انبياء الله وقال عنه انه اقام الدين بالحروب (الجهاد فلا احد يعرف الاسلام او قراء ايه من القراءن يقول انه دين دموى او ان اتباعه يعشقون سفك الدماء انا اراه غير موضوعى فى نظرته للاسلام والنبى محمد صلى الله عليه وسلم هو وجميع اخواته من الانبياء

اخر الافلام

.. روسيا تعلن أسقاط 4 صواريخ -أتاكمس- فوق أراضي القرم


.. تجاذبات سياسية في إسرائيل حول الموقف من صفقة التهدئة واجتياح




.. مصادر دبلوماسية تكشف التوصيات الختامية لقمة دول منظمة التعاو


.. قائد سابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية: النصر في إعادة ا




.. مصطفى البرغوثي: أمريكا تعلم أن إسرائيل فشلت في تحقيق أهدف حر