الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكومونة والسوفييتات -1

أنور نجم الدين

2010 / 11 / 22
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


مدخل:

يعود تاريخ كتابة هذا الموضوع الى عام 1992م، ولقد قمت بتنقيح ونشر قسم من الموضوع في الحوار المتمدن تحت عنوان (الشيوعية وأسطورة الماركسية - ماركس ولينين) في عام 2008م.
ونقدم هنا الأجزاء الأخرى للموضوع تحت عنوان (الكومونة والسوفييتات) بعد التنقيح، ولكن مع بعض الإضافات حول الثورة البرجوازية الروسية في القرن التاسع عشر، ثم دروس الثورات البروليتارية الروسية -السوفييتات- في القرن العشرين، والأهداف المختلفة للسوفييتات والاشتراكية - الديمقراطية الروسية -البلاشفة والمناشفة- بالذات.

ولا نعتبر موضعنا الذي نقدمه هنا مناشدة للتعاطف مع الكومونة والكومونيين، أو السوفييتات والسوفيتيين، بل إسهام في إعادة الَّنظر فيما مرَّ على الثورة الكومونية في العالم، واستخلاص نتائجها ودروسها، من المراحل التَّاريخية التي لم تنضج فيها بعد، الشروط المادية لتحقيقها.
ولا يمكن فهم هذه الدروس، دون النظر إليها في سيرتها التاريخية المتتابعة من الكومونة إلى السوفييتات، واستخلاص النتائج النهائية للمعارك الطبقية السابقة، وأسباب هزائم التاريخية للثورة في محاولاتها الأولى. وباديء ذي بدء، يمكن القول، كما يقول ماركس: إنَّ كلَّ باب هام إلى هذا الحد أو ذاك من تاريخ الثورة يحمل العنوان التالي: هزيمة الثورة!
فالثورة تنتقد ذاتها على الدوام، وتقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها، وتعود ثانية إلى ما بدا أنَّها أنجزته لتبدأ فيه من جديد، وتسخر من نواقص محاولاتها الأولى، ونقاط ضعفها وتفاهاتها باستقصاء لا رحمة فيه.

وهكذا، فتوقف الثورة عن سيرتها مؤقتا، لا يعني في الواقع سوى الانقطاع عن الشروط السابقة لانطلاقها، وثم المواصلة ضمن شروط تاريخية جديدة تتجاوز نواقص محاولاتها الأولى، فثورة كومونة عام 1871م مثلا لم تأتي إلا في شروط مغايرة لشروط ثورة عام 1848م، كما وثورة السوفييتات عام 1917م، لم تكن تاريخيا سوى سير تطور الشروط المادية لثورة السوفييتات عام 1905م، ففي هذه الدراسة التاريخية، سوف نركز على خطوات تطور الثورة في مراحلها المختلفة، وثم مراجعة دروسها من وجهات نظر مغايرة تمامًا بوجهات نظر الاشتراكية – الديمقراطية الأوروبية والروسية، فما حاولتها الاشتراكية – الديمقراطية في نشاطاتها لم تكن سوى تشويه الطابع التاريخي لثورة الكومونة ومبادءها المعلنة التي تتلخص في العودة إلى حياة ما قبل القوة السياسية المركزية التي لا تعبر إلا عن تسلط البشر على البشر، واستعاضة المركزية بالإدارة الذاتية للمنتجين أنفسهم من خلال خلع الحكام السياسيين من مناصبهم الرابحة واللصوصية، وتحويل وظائف السيادية إلى وظائف اجتماعية يدير المجتمع من خلالها أموره اليومية الاقتصادية.

الكومونة:

لم تكن الكومونة إلا محاولة لجعل لوحات الطوباويين وتصاميمهم للمجتمع الجديد حقيقة واقعية، أي أنَّها كانت تعبيرًا عن تجاوز الحالة التَّاريخية التي يطرحها العقل من البداية في شكل أوهام، ولكن منذ اللحظة التي يعطي التاريخ فيها أداة تحويل هذا الخيال إلى صنع واقع فعلي، نجد الطبقة المكلفة بصنع هذا الواقع، والشُّروط المادية التَّاريخية لجعل خيال أجدادهم حقيقة من حقائق التاريخ، فالتَّاريخ هو الذي سيجعل من الرؤية الضَّبابية الناجمة عن التباطؤ الاقتصادي، حالة من الغموض، تجعلنا نفقد المعرفة الواقعية بالتفسير الواقعي للأشياء، فعند اكتمال عالمنا الواقعي، سوف يكتمل فكرنا بخصوص ما يجري أمام أعيننا أيضًا.
وهذا بالضبط ما قامت الكومونة بالحد منه، فقرن ثورة الكومونة، هو قرن دفن كلِّ أوهام القرون التي سبقتها بخصوص أبدية خضوع البشر للبشر، فالكومونة أعلنت صراحة أنَّ البشر ذوو عرق واحد، ويجب أن يتصرفوا على هذه الشاكلة.
ومهما كان ضعفها، واخطاءها، ونقصها، وحماقتها، فإنَّ الكومونة لم تؤدِ سوى ما يجب أداؤها ماديًا في ذلك العصر، فالعَلَم الأحمر الذي رفعته الكومونة مثلًا، لم يرفرف إلا على مدينة باريس، علمًا أنَّ نجاح هذه الحركة يتوقف على انتشارها على المستوى الوطني والأممي على حد سواء، حسب تجاربها الخاصة هي نفسها.

ماذا أعلنت الكومونة؟

جعلت الكومونة من تصور إزالة العبودية المأجورة وضرورة هدم هرمه الاجتماعي، معًا وفي آن واحد، حقيقة من حقائق التاريخ، كما وأعلنت أنَّ مواد صنع مجتمع جديد موجودة في التاريخ، وليس ضمن أفكار الناس وتصاميمهم الطوباوية للأنظمة العقلانية الجاهزة.

وهكذا، فبقدر تكامل الشروط المادية، اجتازت الكومونة فالانستير وايكاريا -أحلام الطوباويين- واستخدمت البروليتاريا أداة فعلية لاجتياز المجتمع القائم: الانتظام الطبقي، والتنظيم العسكري، وهدم الأجهزة البوليسية للمجتمع القديم، والشروع بإعادة الإنتاج، وتنظيم الصناعات الكبيرة بالذات.

وبقدر حصر الكومونة في باريس، خلفت هذه الحركة الكثير من الأوهام وراءها، فالثَّغرات التي نشأة بصورة طبيعية من شروط مادية غير متكاملة، كانت نفس الثغرات التَّاريخية لتصور عالم جديد ووسائل تحقيقها.
أما إذا ما كانت إجراءات الكومونة تستهدف حياة كومونية أم تنحصر فقط في اتجاه كوموني، فهذا لا يغير شيئًا من مغزاها التَّاريخي.

المغزى التَّاريخي للكومونة:

إذا ما نظرنا اليوم إلى السِّيرة التي مرت على حركة الكومونة ابتداءً من (18 آذار عام 1871) فسنرى أنَّها اكتسبت مغزاها التَّاريخي من المجتمع الصِّناعي الحديث، فالتَّناسق الإنتاجي والإداري هو الخلفية التَّاريخية للكومونة، فالكومونة إذًا ظهرت نتيجة للتقدم الصناعي الذي عاد بموجبه تنظيم الخلايا الاجتماعية للمجتمع الرَّأسمالي اعتبارًا من العائلة، ومرورًا بالمصنع، وانتهاءً بالإدارة السِّياسية.
لذلك، فالكومونة هي منظار تاريخي لمراقبة حركة البروليتاريا التَّاريخية ونتائجها في العالم، مثل هبل تلسكوب الذي نستخدمه كمنظار فلكي حول الأرض لمراقبة الفضاء.
إذًا: فمدرستنا هي الكومونة لا أفكار ماركس أو باكونين، والتي كانت مدرسة معاصريها أيضًا، فماركس وباكونين وبوصفهما معاصري الكومونة، يتحدثون عن حركة واقعية بكل قوتها وضعفها لا حركة يرسمونها في مخيلتهم.
Email: [email protected]

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب