الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديوان الشعر العربي الجديد - سورية | من الإيجاز الياباني الى الحداثة الجديدة

ياسر اسكيف

2004 / 9 / 17
الادب والفن


بدءاً , لست في معرض الدفاع عن نمط شعري بعينه أو إدانته . لأنني أجد الشعر وأتحسسه في الجميل الذي يربك معرفتي ويزعزعها , معرفتي التي لا أدري في أي زمان ومكان تشكّلت , ويقلق علاقتي المستقرّة بما يحيط بي من جماد وحيوان . وهو الذي يمنحني خبرة جديدة لم تكن لي في تذوّق الجمال وتحسسه . ولا أجدني معنياً بالإنتقال إلى جبهات الحروب الأيديولوجيّة التي يتمثّل فيها الخلاف بثنائية الشكل والمضمون . كما أنّني لا أختلف مع أحد على أن أي شرط قبلي , قد يشكّل لزوماً في إنتاج العمل الأدبي , سوف يؤدي بالضرورة إلى تضييق الخناق على حريّة التجربة في الانكتاب . لكنني في الآن ذاته لا أميل إلى الاعتقاد بأن العمل الأدبي ( شعراً أو نثراً ) يمكنه الإنفلات التام من الضوابط , وبالتالي تحقيق الفرادة المستمرة في الزمن . وأجد أيضاً أن مدّعي الإنفلات هو ذاته مدّعي القطيعة , وهو ذاته الذي يأتي من عالم آخر مع كلّ نصّ ينتجه , وأظنّه الكائن غير المتحقّق , وعدم التحقّق يأتي من إستحالة خلاص المنتج من ذاته ( سيكولوجيا وثقافياً ومعرفياً ) والتواجد في كلّ لحظة تعبيرية ككائن خالص الجدّة .
غير أن للشاعر والمدوّن ( محمد عضيمة ) رأي آخر أجده جديراً بالمناقشة والحوار . فهو رغم اعترافه باستحالة القطيعة التامّة التي يتمنّاها في كتابه ( ديوان الشعر العربي الجديد – الكتاب الرابع – سوريا . – دار التكوين _ دمشق – 2003 ) وبأن وراء إنتاج القصيدة يوجد المحيط الإجتماعي المصاغ معرفيّاً وثقافياًعلى مدى مئات السنين(ص29 ) فإنّه يؤكد بأنّه قد استطاع في كتابه هذا أن يثبت ما يمثّل أو يعبّر عن قطيعة تامّة , ويعلن عن ميلاد حداثة جديدة تشكّلت مع نهاية الثمانينات في القرن الماضي واستمرّت إلى اليوم , ويضيف على ذلك بأن يثبّت عبارة ( ديوان المعلّقات الحديثة | ديوان الشعر العربي الأخير ) في صفحة الغلاف الأخير . ألا يذكّرنا هذا القول بعبارة ( لا نبي من بعدي ) . وهو في مقدّمة كتابه , وفي أكثر من موقع , يؤكد أنّه قد اختار القول الشعري الذي ينتهي إلى ( حداثة الفرح والابتهاج . ص39 ) حداثة ما أتى من ( الخبرة الذاتيّة المتحقّقة , الخبرة البعيدة عن أن تكون من المخزون التراثي , أو من الذهن والذاكرة . ) .
كما أنّ محمد عضيمه يدّعي في مقدّمته , ويحاول في ( الأخبار الشعرية ) التي اختارها أن يعلو على ( المفارقات الخمس للحداثة ) ذلك الكتاب الذي ترجمه عن الفرنسية والمكتوب من قبل ( أنطوان كامنيون ), وأن يعود إلى إحياء الحداثة التي ارتسمت في نتاجات بودلير : القبض على الجمال في التافه , الزائل , اليومي . ومن هنا يأتي استنكاره لغياب ( العفرتة , والكياسة , والزقاقيّة , والابتذال , والمجون , والهزل ....... الخ- ص14 ) عن الأعمال التي اقتطف منها ديوانه . حيث إن ما اقتطفه فقط يتمتع بهذه المواصفات ( وما وجدته نزل في هذا الكتاب – ص14 ) .
غير أن قاريء الكتاب سيكتشف أن تلك المقتطفات , أو لنقل أغلبها , لا يتمتع بأي من الصفات السابقة , أو بغيرها من الصفات التي افترضها عضيمه ونسبها إلى ( أخبار ديوانه ) . ولأنني لا أجد مبرراً لعرض الأمثلة سأكتفي بإحالة القارىء إلى المقتطفات التي أخذت من ( احمد اسكندر سليمان ص 183 – 232 * حسين عجيب ص180 * جمال علّوش ص 192 * عبد الناصر حدّاد ص 248 * بديع صقّور ص 252 * طالب همّاش ص253 * احمد درويش ص267 * وفيق أسعد ص278 * عز الدين غانم ص 276 * غادة فؤاد السمّان ص277 * صلاح صالح ص281 ....... الخ ) وسوف أورد على سبيل المثال المقطع المأخوذ من حسين عجيب : ( أستاذ المدرسة لم يقل
أهلاً بالتلميذ الجديد ,
تلميذ ككل التلاميذ يفتح باب المدرسة بيد
ويفتح باب المقبرة بيد )
انه خبر شعري جميل لطالما استعدته , غير أنّه , وسواه من المقاطع التي أشرت إليها لا ينتمي , كما يريد محمد عضيمه إن يلزمنا , إلى حداثة الفرح أو العفرتة والكياسة , ولا إلى الإبتعاد عن القضايا الكبرى , أو تمجيد الحياة اليومية . انه بامتياز , إدانة صارخة لهذا العالم القاتل, هذا العالم الذي يعيشه الكائن عبر القهر والألم .
إن محمد عضيمه لا يعيد إنتاج عرّابي تاريخنا الشعري فحسب , إنّما ينصّب أيضاً ذائقته ( المصنوعة في اليابان ) حكماً أوحداً لا يأتيه الباطل من أي صوب . ولكي يكون الخبر الشعري حداثياً , حسب الوصفة اليابانية العضيمية , يجب أن يأتي مختصراً وأن لا يتجاوز الأربعة أسطر , وخاصّة إن محمد عضيمه لا يحب المطولات ولا يستسيغها , خاصّة بعد أن قرأ الشعر الياباني الذي يتّصف بالإيجاز والذي أثّر به لدرجة أنّه لم يعد يتذوّق شيئاً إلا من خلال الإيجاز الياباني . ص45 . والغريب إن الكاتب يرى الحداثة في التقليد الياباني المستخدم دون أي تعديل منذ مئات السنين وينفي تلك الحداثة عن تقاليد شعرية عربية لم يتجاوز عمرها النصف قرن .
في النهاية لا بدّ من القول بأن محمد عضيمة يطلق رصاصة الرحمة على أي أثر للموضوعيّة في تدوينه للشعر العربي الجديد , السوري وغيره , عندما يدّعي انه لم تكن في ذهنه أيّة فكرة مسبقة عن كيفية التدوين ( وما تكوّن من أفكار , تكوّن أثناء السباحة في الأعمال الشعرية واصطياد أسماكها ص 25 ) وهو الذي سيعترف لاحقاً وفي الصفحة 45 بأنه لا يتذوق شيئا إلا من خلال الإيجاز والصمت اليابانيين . وبالتالي فقد جعل من الشكل الشعري الباباني معياراً للحداثة والجمال . معياراً يعنيه شخصياً ولا يعني الشعر العربي بأية حال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي