الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول موضوعة الانتخابات

ناجح شاهين

2004 / 9 / 17
القضية الفلسطينية


لم أكن أعرف أن الإقبال على التسجيل ضعيف. والحق يقال أنني ظننت الناس اشتاقوا للانتخابات باعتبار أن البعد يستدعي الشوق. لكن يبدو أن مثلاً آخر هو الواجب أن يطبق في هذا السياق ذلكم هو: البعد جفاء. وكأنما صحوت من نوم واسترخاء بليد عندما قرأت مقالة الصحفي حمدي فراج فتنبهت كما الغافل عن الصلاة. وقلت لنفسي لكنني لم أسجل اسمي في سجل الانتخابات العتيد. بعد قليل اكتشفت أنني في الواقع لم أقرر شيئاً بعد. وربما من المؤسف بالفعل أنني عاجز عن تقديم الحجج والأسباب التي تدفعني للتسجيل أو تحول بيني وبينه. خطر ببالي أن من الممكن أن أترك الموضوع لطلبتي ليقدموا إجابة أو ما أشبه.
دون خلق الله جميعاً يقف المواطن العربي أولاً والفلسطيني ثانياً تنتابه كافة الوساوس والشكوك: إذا كانت هناك انتخابات توجسنا خيفة، وإذا لم يكن هناك اقتراع فتلك الديكتاتورية بعينها، لكن الملدوغ من مائة جحر وجحر لا بد له أن يتعظ. وتلك فيما أحسب حال المواطن العربي والفلسطيني من المحيط إلى الخليج.
جرت الانتخابات الفلسطينية الأولى في ظل أسلو ومعطياته المختلفة عام 1996 إذا لم تخني الذاكرة المجهدة بضربات الأحداث السريعة. احتار شعب الله المحتار في أمره، ولكن الغالبية اشتركت في التصويت قناعة أو خوفاً أو طمعاً، أو كل ذلك جميعاً، وكان الذي كان. بعد ذلك نامت فلسطين في صندوق وضاح الذي استعارته من أختها اليمن، ولم تخرج من ذلك الحبس الاختياري حتى الساعة.
لكن من بعض النواحي تراجعت أحوال البلاد والعباد. فأداء النخب في مستوى السياسة والاقتصاد والأداء الوظيفي العام اتجهت نحو الأسوأ. انحط الأداء العام وعمت اللافاعلية وسوء الإدارة، ودخل على الخط مصطلح الفساد ليدشن حقبة السلطة الفلسطينية ويميزها عما قبلها. ونتيجة التراجع الشامل وفقدان البوصلة السياسية ضاع المواطن وفقد طريقه على نحو لم يحصل معه من قبل.
يفكر المرء في كل الأحوال أن المجتمع العربي قد أدمن أنظمة الديكتاتورية التي تفعل ما يحلو لها في سبيل الدفاع عن الوطن وازدهاره واستقلاله ناهيك عن تحرره وعزه ونموه ورخائه. ومن أجل تحقيق الأهداف العظيمة السالفة الذكر فقد يصح التضحية بين الفينة والفينة ببضعة آلاف من المارقين فداء للوطن ومنعته، فقد تضطر إلى بتر العضو الفاسد من جسدك بالذات كي لا تضطر في النهاية إلى بتر أجزاء أكبر أو حتى الموت نفسه لا سمح الله. هذا هو باختصار جوهر خطاب الزعامة العربية منذ حقبة الاستقلال حتى اليوم. طبعاً منذ وقت قصير بدأت تجربة " ديمقراطية " مكيفة على قياس الحكام العرب لتسمح لهم بالتحول إلى لغة العصر دون التخلي عن كراسيهم لأحد من العالمين. ومن هذه الناحية فإن لنا في جيراننا الأردنيين والمصريين ما يغنينا عن كل بحث أو سؤال. في حالة واحدة اتضح أن طباخ سم الديمقراطية لم يكن ذكياً بما يكفي وذلك في جزائر المليون شهيد فكانت النتيجة أن فازت المعارضة الإسلامية بالفعل. وهو لم يكن بالطبع في وارد أحد وخصوصا جنرالات الجيش المهيمن منذ وقت طويل فكان أن ألغيت الانتخابات وحصل الذي حصل في ذلك البد التعس الذي فقد أمنه وحريته ورخاءه كلها دفعة واحدة.
لا أظن أن المواطن الفلسطيني على الرغم من جهود الاتحاد الأوروبي والمنظمات غير الحكومية التي تتسلح بأمواله وتشرف على تنفيذ برامجه، لا أظن أ،ه يجهل أن الانتخابات ليست بلسماً شافياً لكل الجراح والمآزق والأمراض، وهو يدرك مثل أخيه في السودان أن المجاعة والنزاعات الاجتماعية والتخلف وغير ذلك في حاجة إلى الكثير من القطران بجانب دعاء الديمقراطية الرائج كثيراً في مستوى الكنيسة الأمريكية والأوروبية وإن بشكلين مختلفين. وانطلاقاً من ذلك ربما علينا أن نفهم إحجام الناس عن التسجيل وعدم مبالاتهم به. فالانتخابات السابقة جاءت بمجلس تشريعي لم يفعل شيئاً مهماً أو غير مهم وذلك بين بذاته: فالأشياء المهمة هي في حوزة إسرائيل ومنها السيادة والأمن والحرية والاستقلال والأشياء الأخرى ليست في يد التشريعي الذي قد يطلب منه أن يراقب السلطة لكنه في الواقع يعيش عالة عليها ويتلقى منها ما يتلقى في إطار مسلسل الفساد ما غيره وقد اتضح في نهاية الشوط أن النواب مثلهم مثل موظفي السلطة قد تمسكوا برواتبهم وامتيازاتهم ولم يتخلوا عن المجلس عندما انتهى تفويضه. كذلك عانى المواطن من غياب القضاء وغياب الصحة وتردي التعليم ولم يجد أن من المفيد في شيء أن يشكوا همه لأحد لأن كل القضاة إن لم يكونوا غرماء فهم على الأقل غير مهتمين بخراب البصرة ونابلس والإسكندرية. وإذن فما الذي ستأتي به الانتخابات الجديدة هذا إن وافق عليها الأمريكان والإسرائيليين ثم إن رغبت السلطة التنفيذية في إجرائها بالفعل. أظن أن المواطن على حق عندما يحس بأن التسجيل قد لا يساوي ثمن الحبر الذي يكتب به، فلا بد أولاً من البرهنة على أن الانتخابات وسيلة في خدمة المواطن وليست هدفاً في ذاته ينتهي " المولد " الذي يخصه صبيحة يومه التالي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل مؤلمة! | نادين الراسي


.. قصف عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت • فرانس 24 / FRANCE 24




.. نحو عشرة ملايين تونسي مدعوون للتصويت في انتخابات رئاسية تبدو


.. تساؤلات عن مصير قاآني.. هل قتل قائد فيلق القدس التابع للحرس




.. بتقنية -تايم لابس-.. توثيق لضربات إسرائيلية عنيفة على بيروت