الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق .. يفيق من غيبوبته .

سهيل حيدر

2010 / 11 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت واحدة ممن كثر حسادهن ، كونها حضيت بالجنسية السويدية منذ زمن ليس بالقصير ، فقد اكتسبت هذا الحق ، بعد طول ابتعاد عنا نحن اهلها منذ اكثر من ثلاثين عام ، وشب ابناؤها وبناتها في بلد اللجوء ، ولم يعد لهم صلة بوطنهم الاصلي غير ذكريات قد يسمعونها في لحظة سمر .
قبل أيام ، سمعت بانها عادت الى العراق ، وضننت بانها تود زيارة مدينتها وتفقد الاحياء من اهلها ، ومن ثم تطير لبلدها الثاني كما يفعل الكثير من العراقيين بعد أن انزاحت مسببات الخوف من قلوبهم جراء عملية التغيير عام 2003.. غير أنني فوجئت بانها جاءت لسبب اخر غير الاشتياق الى الارض والاهل .. انها تهدف من خلال زيارتها الى الحصول على الجنسية العراقية لابنائها وبناتها بعد ان توفي زوجها منذ عدة سنوات ..
لقد أحسست ، عندما سمعت بالخبر ، بردة عنيفة اعادتني قسرا الى حيز الاستنكار ، استنكار لكل ما عنيت به من قبل ، حين عزفت على وتر عدم الانتماء لارض مسماة بكونها وطني .. ووجدتني تواق لقتل اية فكرة أممية من شأنها ان تذيب الاوطان في العموم مهما كانت الاسباب .. بل انني وجدت سببا منطقيا للاقتناع بانه لا أممية في السلوك والتفكير ، ما لم تكن هناك أحاسيس مخلصة لوطن ..
لست معنيا البته ، بان تطأ قدمي بلادي بعد ان هجرني منها غزاتها من حكام الصدفة ، ولست مجبر بان اعرض جسدي وابناء اسرتي لمجاهيل العودة لبلادي ضمن مغامرة بائسة النتائج لأعبر عن فعل إرادي بدعوى حب الوطن ، فأموت أو يقضي احد عيالي بعيار طائش .. ولكنني معني تماما بأن يبقى وطني مسجل في وثائقي الرسمية ، مصنفا إياي بكوني مواطن من الدرجة الاولى وفي كل الظروف ..
العراق وطني .. يمر الان بمخاض لم تمر به بقية الاوطان التي تحمل ذات المنبع والتاريخ .. فيبني حياة تكتسب ملامح جديدة لم نألفها نحن العراقيين منذ ان استمرأت الحكم جحافل العسكر ، فكانت تقفز مبكرة لتسطو على غنائم السابقين منها دون حياء ، واصبحت الان فيه تقاليد حقيقية للديمقراطيه ، الديمقراطية التي استهوتها نفوسنا طويلا من قبل ، فلم نتعلم منها سوى ترديد حروفها الميته ، حتى أضحت اليوم ، تنطق وتمشي على قدمين ، نراها ويراها العالم من خلال تدافع حميد ، يساهم فيه الناس والحكومة معا .. وأهم ما في الامر كله ، هو أن معادلة قائمة يراها ويقرها الجميع في العراق اليوم .. لا تسمح أطرافها المتشعبة في أن تعود حيثيات السطو القديم على السلطة والتفرد بها من قبل أي طرف .. الجميع ينقد الجميع ، والكل غير راض بالكل .. ولكن ضمن بوتقة مسالمه ، يفهم من خلالها عموم المتصارعين بأن غزو الاخر ، واعتقال مسببات تفكيره أضحت غير سائغة الطعم ولا الرائحه ..
العراق .. وطني .. أفتخر به كل الفخر .. وأتشبع بروحه ومعانيه ، وتأسرني لهجة قومي في الحي الذي ترعرعت فيه ، فلم تفارقني مفرداتها .. ولم يبدلها زمن الهجره ..
هذا العراق .. يجب عليه ان لا يغفر ( لا بالصواريخ كما كان يفعل نبوخذ نصر عصره ) .. لمن وضعه على لائحة التشفي ، فهدر كرامة ابنائه ، ونثر اشلائهم بلا مسوغ ولا شعور بالندم .. وانما بالقلب وروح التعامل بالمثل .. عليه ان لا يتقبل الاعذار ممن تاجروا بنسائه ليجعلهن ملاذا للدعارة تحت سطوة ظروف الحاجه ، ولا يتقبل سماع صوت ممن تباهوا بتهريب اطفاله عبر الحدود ، ليكونوا مصدر أنس لمرضى الشذوذ ..
على العراق ، أن لا يزيح من تاريخه الحاضر ، سبة سلطها عليه ابناء العم ، حين خسفوا مدنيته وعاثوا فسادا بسمعته ليجعلوا منه ملاذا للرذيلة وساحة للانتقام الرخيص .. وعليه ان يبقيها تلك السبة مكتوبة وبحبر أسود ، توجه اقسى اللعنات لدول أوقدت النار من تحته ليجف فيه كل شيء .. عليه ان لا يمحو من ذاكرة اجياله بان نبال يلونها الغدر ، كانت تطال جسده الضعيف منطلقة من محاور الجوار ، لتنسف في داخله كل شيء يحمل ملامح الخير .
العراق .. بلاد الرافدين .. ها هو يتعافى .. ليكون مصدر خجل لمن هم اقل منه حضوة ، حيث أكلوا من جسده مستغلين غيبوبته الطارئه ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف