الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذه إرادة الله!-

أوري أفنيري

2004 / 9 / 17
القضية الفلسطينية


"هذه إرادة الله!"
لقد نشر هذا الأسبوع منشوران مرعبان، وكلاهما يستوجب الرد.

أحدهما يقضي بأن تفكيك المستوطنات في قطاع غزة هو بمثابة "جريمة ضد الإنسانية". لم يذكر المنشور بأن المستوطنين قد بنوا بيوتهم على أراضي مليون فلسطيني وسلبوا منهم المياه أيضا – إن طردهم هو "تجسيد للطغيان، السوء وقسوة القلب". يناشد المنشور الضباط والجنود بعدم المشاركة في هذا "التطهير العرقي".

لقد وقع على هذا المنشور والد وشقيق بنيامين نتنياهو. وبين الموقعين أيضا مئير هار تصيون المحبب على قلب أريئيل شارون وتلميذه، الذي اشتهر في حينه عندما ذبح بكلتا يديه بعض البدو الأبرياء، انتقاما لمقتل أخته. ومن بين الموقعين أيضا مديرين عامين سابقين من مدراء مكتب رئيس الحكومة. معظم الموقعين هم من غير المتدينين.

أما المنشور الثاني فيرتكز على "الهلخاه" اليهودية ويقضي بأنه من الواجب قتل المواطنين الفلسطينيين الأبرياء، إذا كان لذلك أن يساعد على إنقاذ اليهود. وقد وقع هذا المنشور رؤساء الحلقات الدينية، حاخامو المستوطنات في يهودا والسامرة وقطاع غزة وغيرهم. وقد انضم إليهم بعد ذلك الحاخام الشرقي الأكبر.

لم أتأثر بالمنشور الأول. فمثل هؤلاء الأشخاص موجودون في كل العالم. في دول أخرى يدعونهم فاشيين (نحن لا نحب استخدام هذه الكلمة في البلاد لأسباب مفهومة ضمنا). ما يوحدهم هو قيم رجعية، تكاد تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وتقول بأننا عرق سامي، شعب الله المختار، أسياد، و"هم" أناس متدنون، عنصريون سفلة، سفهاء. من حقنا أن نفعل بهم ما نشاء ولا يحق لهم أن يفعلوا بنا أي شيء. (يطلب المنشور من المستوطنين عدم "المس بأبناء شعبهم" – أي أنه يسمح لهم بالمس بالآخرين جميعا).

لقد تسبب مثل هؤلاء الأشخاص، خلال القرن العشرين، بإلحاق الدمار بالعديد من الشعوب وبشعوبهم هم أيضا. غير أن شعوبا سليمة قد تغلبت عليهم. أرجو أن ينجح شعبنا أيضا في ذلك.

المنشور الثاني أكثر خطورة بكثير. فهو بيان ديني يدعو إلى قتل مواطنين باسم الله وهو أمر شديد الخطورة. وهو أكثر خطورة حين يوقع عليه "حاخامو الحلقات الدينية".

بهدف فهم ذلك علينا أن نفهم بأن هذه الحلقات هي من الناحية العملية وحدات عسكرية. إنها تشكل ظاهرة مميزة في الجيش: وحدات كاملة تجمعها ركيزة أيديولوجية وسياسية، وتنصاع إلى أوامر زعمائها.

حين أسس دافيد بن غوريون الجيش، خلال حرب عام 1948، كان يعقد العزم على القضاء على أي تنظيم سياسي داخل الجيش. لهذا السبب قام بتفكيك "البلماح"، وقد كانت الفرقة الخاصة الأكثر مكانة، إذ كانت ترتكز على الكيبوتسات ووجهتها يسارية.

لقد أسست البنية الحالية، كما هو مزعوم، بهدف تمكين طلاب الحلقات الدينية من الخدمة في الجيش دون أن يؤثر الأمر على دراستهم الدينية. لقد أدى ذلك من الناحية العملية إلى إقامة كتيبة تابعة لليمين المتطرف والمستوطنين. يتبع طلاب الحلقات الدينية، لأول وهلة، خلال فترة خدمتهم إلى سلسلة القيادة العسكرية، إلا أنهم يتبعون من الناحية العملية إلى حاخاميهم أيضا، الذين يحتلون مكانة تشابه مكانة الوصاة (الكوميساريون) في الجيش الأحمر في حينه.

إذا حدث ذات مرة أي تعارض بين أوامر الضباط وتعليمات الحاخامين، فلا شك في أن أغلبية الجنود-الطلاب الساحقة ستنصاع إلى الحاخامين. ناهيك عن أن عدد معتمري "الكيبا" بين أوساط الضباط ذاتهم آخذ بالتزايد.

يعمل رؤساء المعسكر الديني-العنصري، وخاصة المستوطنون، منذ سنوات عديدة، بشكل مدروس ومنهجي لاحتلال الجيش من الداخل. لقد كان لأبناء الكيبوتسات في أول عقدين للجيش تأثير حاسم على القيادة العسكرية، إلا أن هذا التأثير الحاسم قد أصبح اليوم بين يدي المستوطنين وبقية المتدينين-العنصريين. إنهم يحتلون سلسة القيادة المتوسطة والمنخفضة. هذه الظاهرة، إلى جانب ترسيخ الاحتلال، قد غيرت وجه الجيش تماما. لم يعد هذا الجيش جيشا مميزا عن غيره.

يأتي ألآن منشور رؤساء الحلقات الدينية الذي يدعو إلى قتل المواطنين الفلسطينيين ويكشف عن هذا الوضع. ولأن أيا من رؤساء الحلقات الدينية لم ينبس ببنت شفة ضد هذا المنشور يمكننا الاعتقاد بأنه قد نشر بموافقتهم جميعا.

من الناحية العملية إنه تعبير ديني عن الرأي. يقول رؤساء هذا المعسكر الذين يتظاهرون بالبر، بأن هذا المنشور ليس أمرا عسكريا ميدانيا، لا سمح الله، بل محاولة بريئة من قبل الحاخامين لتعليم قادة الدولة ما تقوله "الهلخاه" اليهودية في هذا الموضوع.

إلا أن هذا بطبيعة الحال نوع من التظاهر بالبراءة. يواجه طلاب الحلقات الدينية أوضاعا يومية يتوجب عليهم فيها اتخاذ القرار بشأن إطلاق النار على المواطنين. من الواضح تماما أن "رأي" حاخاميهم هو الذي يحسم الأمر لديهم. إنه بمثابة حكم بالإعدام على الكثير من الناس.

يقتل اليوم كثير من المواطنين الفلسطينيين يوميا. جزء من هذه الحالات فقط يحظى بتطرق وسائل الإعلام إليه. رجل مسن ومعاق يدفن تحت أنقاض بيته، الذي هدمته جرافة عسكرية دون أن تتاح لعائلته إمكانية إخراجه من هناك. بالأمس فقط قتل فتى يبلغ من العمر 9 سنوات في غرفة كان ينام فيها جراء شظايا صاروخ أطلق من مروحة عسكرية على بيت مجاور. يقتل كل يوم تقريبا فتيان من كل الأجيال بينما يقومون بإلقاء الحجارة عن بعد على الدبابات والجنود (الذين يلبسون البزز الواقية ويعتمرون الخوذات، ولا تتهددهم أية خطورة).

لا يمكننا أن نعرف ما هو عدد هؤلاء المواطنين من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال الذين يقتلون من قبل جنود الحلقات الدينية أو من قبل جنود آخرين يعتمر قادتهم "الكيبا". لا يمكننا أن نتّهم أحدا دون إثباتات. إلا أنه من الواضح تماما أن فتوى "الهلخاه" التي أصدرها الحاخامون أصبحت تحلّل الآن مثل هذه الأعمال. إنها تقضي على أي ادعاء من ادعاءات "نزاهة القتال" الأسطورية. إنها لا تلغي منع القتل فقط، بل تلغي أيضا الخجل من هذه الأعمال.

إن الصوت المتدين الوحيد الذي اعترض على هذا المستند المرعب كان على شكل إعلان من قبل "شومري مشباط – حاخامون من أجل حقوق الإنسان"، وهي مجموعة صغيرة وشجاعة تحاول التصدي للتيار الأصولي المتطرف العكر الذي جرف أغلبية المعسكر الديني في الدولة. يبين هذا الإعلان أن رؤساء الحلقات قد حرفوا آيات التلمود عن قصد، في حين تقضي الآيات الصحيحة بمنع اليهودي من المس بالأبرياء حتى وإن كان ذلك بهدف إنقاذ حياته، وذلك لأن كل إنسان قد خلق على صورة الله ومثاله.

لم يُحدث هذا الإعلان، بكل أسف، أي تأثير على الكتائب الدينية في الجيش، وبالأخص على المستوطنين، الذين أصبحوا الآن هم من يعزف الألحان في الجيش.

العديد من أكبر الجرائم في التاريخ الإنساني نفذت باسم الدين. وقد جاء في سفر يهوشع أن الله قد أمر أبناء إسرائيل بتنفيذ قتل جماعي عام في البلاد. لقد نفذ الصليبيون جرائمهم البشعة في البلاد (ضد اليهود في طريقهم إليها) وهم يرددون المقولة "هذه إرادة الله!" في مثل هذا اليوم، قبل ثلاث سنوات، أمر أسامة بن لادن بقتل آلاف الأشخاص في مركز التجارة العالمي في نيو يورك باسم الله.

ليحفظنا الله منهم ومن أمثالهم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دول عربية تدرس فكرة إنشاء قوة حفظ سلام في غزة والضفة الغربية


.. أسباب قبول حماس بالمقترح المصري القطري




.. جهود مصرية لإقناع إسرائيل بقبول صفقة حماس


.. لماذا تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وأوروبا؟




.. إسماعيل هنية يجري اتصالات مع أمير قطر والرئيس التركي لاطلاعه