الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هز البطن على إيقاع النشيد الوطني/ حماة الديار

مصطفى الحاج صالح

2010 / 11 / 24
دراسات وابحاث قانونية


لم يقع التالي في بلاد (واق الواق) ؛ لم يحدث في العصورالوسطى؛ قبل مئات الأعوام؛ من آننا هذا .. لم يقع في بلد متخلف خرج توا من مجاهل (الجغرافيا الطبيعية) فالحضارة وفق معظم الآرارء والتقديرات قديمة قدم التاريخ ذاته في سوريا .. و" سوريا" هذه بلد حقيقي ؛ ليست بلد ا افتراضيا قائما على الورق .. لم تأتي من عالم الخرافة و لم تكن في أي يوم من الأيام إنجازا لأحد ؛ كائـنا من يكون ؛ هي إنجاز التاريخ والجغرافيا.. سابقة في الوجود على كل ملك أو رئيس ولن ينفع قطعا قرنها باسم شخص أو إلحاقها به باعتبارها منجزا.. وهي ليست مزرعة فما زالت إلى الآن؛ رغم كل ما ألحق بها بلد؛ وطن لكل الناس وسيدلكم التاريخ ذات مرة على قدراته العالية بالمكر.. سيمكر بهم مكره وسنرى عندئذ كيف ستـنسب الأشياء وكيف تسمى..

يزعمون أنها إنجازا لرجل بعينه ؛ كانت؛ كما يرون؛ يبابا أو عدما فأوجدها بفعل حركاته ؛ كانت فوضى فنظمها بإرادته وما نحن جملة سوى نتاج له ولرغباته ... قبل قدومه من عالم العسكر؛ كما دأبوا هم على القول بشتى المناسبات؛ كانت سوريا يباب؛ شعبها ( جاهل غشيم ) كان ضباط الأمن في جلسات الاستدعاء والاستجواب واستحضار الأرواح يعيروننا بماضينا القريب قائلين ( كنتم رعيان .. كنتم فلاحين رعاة غشم ؛ تـركبون الحمير ؛ تسير ون على طرق غير معبدة وتسهر ون على أضواء القناديل)[ ليس فيما أقول تزييف أو تخليق .. ذاكرة آلاف السوريين ما زالت تزخر بخطب ضباط الأمن تلك] .

فما كان التاريخ ليتقدم خطوة واحدة بدونه وما كانت الجغرافيا ذاتها لتحفل بمتطلباتنا في التقدم نحو الأمام من دون ظهوره نحن لاشيء وعلينا أنْ نعترف بذلك .. فما أنجزه لنا أكثر من أنْ يحصى .. كنا بلا دستور فأوجد لنا دستورا يحرم انتخاب الرئيس من غير حزب الرئيس؛ كنا بلا قوانين فأعد لنا قوانين الطوارئ.. كنا عشائريين قبليين وصرنا بفضله طائفيين ؛ كان لدينا بضعة أحزاب فصار لنا عشرات ؛ كانت أريافنا تطعم مدننا فأصبحت مدننا تطعم أريافنا فبأي النعم نكفر ..؟

نعمة هز البطن على إيقاع النشيد الوطني .. لم ينجز القائد الرئيس الأب (كهرباء وسدودا؛ طرقا ومدارس) فحسب بل وأنجز بشرا وضباطا من نوعية متميزة واستثنائية؛ فالاستثناء يجلب الاستثناء ـ الرؤساء عندنا وهذه من نعم الله علينا استثنائيون في كل شيء .. قبل بدء التاريخ على النحو الموسوم ؛ قبل أعوام الإنجاز المتميزة تلك كان الجيش السوري؛ جيشا وطنيا؛ تحكمه عقيدة قومية( تاصرية ـ بعثية) كان محور اهتمام السوريين جميعا ومحلا لفخرهم بغض النظر ( عن دوره الرئيسي المتكرر في الانقلابات ) وبغض النظر أيضا عن الهزائم التي ألحقت به .. وهو عند السوريين عموما لم يكن ـ قبل توريطه في الصراع الداخلي بطابعه الطائفي وقبل زجه في معارك غير قومية ولا وطنية في لبنان ـ محل اختلاف؛ يكاد يكون رمزا مجمعا عليه كالعلم والنشيد والمقصود هنا .. ( النشيد الوطني السوري ـ حماة الديار) فما الذي تبقى من هذا الجيش او بالأحرى ما الذي تبقى من مكانته في أنفس السوريين ؛ صغار وكبارا ..؟ يمكن سوق الكثير من الأمثلة بهذا الخصوص [التفييش التهرب من الخدمة اهمال السلاح الفساد الرشوة المحسوبية والمرض الأكبر الطائفية التي لا تحتاج إلى إثبات] من أودى بكل ذلك ..؟ أم نقول من أنجز ذلك .. سنأخذ هنا واقعة ذات دلالة جرت في أحد ملاهي حلب الليلية أبان حرب السلطة على المجتمع وانتصارها عليه بشكل ساحق بحجة القضاء على " جماعات الأخوان المسلمين" .. تقول الرواية ؛ دخل مجموعة من (الضباط المنتصرين ) إلى أحد الملاهي الليلية في مدينة حلب المستباحة والمحاصرة ؛ كان ذلك بعد أيام قليلة من مقتل " ابراهيم اليوسف" أو في نفس اليوم.

فيما مضى قبل هزيمة المجتمع الساحقة لم يكن ضباط الجيش يدخلون الملاهي العامة بملابسهم الرسمية .. لكنهم دخلوا في ذاك اليوم ليس بصفتهم ضباط في الجيش السوري بل دخلوا بصفة أخرى وهم يرتدون اللباس الرسمي لضباط الجيش ؛ دخلوا مدججين بالسلاح وبالرغبة في إظهار المزيد من القوة والتفوق ولا أعتقد أنهم كانوا بحاجة إلى كثير من الخمر كي يتصرفوا كما يتصرف ضابط منتصر فرغ توا من فتح بلد من البلدان كانت رؤوسهم مخمورة قبل ذلك بنصر مجيد ؛ نصر أخرج البلاد من كونها وطن إلى مزرعة مستباحة يفعلون بها مايشاؤون دون رادع كما أخرج الضباط من كونهم ضباطا يخدمون الدولة والقانون إلى عصبة كتلك العصابة التي كانوا يحاربونها فوق أجساد السوريين والعصبة لا تحترم رمز ا ولا قيمة ؛ لا تعترف إلا بقاتونها الخاص وقانونها هو المزاج والرغبة .. فبعد إرغام الحاضرين السكارى والمخمورين على الهتاف وترديد الشعارات تحت تهديد السلاح؛ أرغموا الرقصة على إداء وصلة رقص على أنغام ( حماة الديار) والسؤال الذي يطرح نفسه أو يتداعى إلى الإذهان وهي تتذكر أو ترى مثل هذا وذاك .. على من تقع المسئولية .. ؟ من أفقد الجيش ( جيشيته)..؟ من أخرج الضابط من مكانته في عين شريكه في الوطن ..؟ من مسخ كل شيء على النحو الذي نراه ونسمعه كل يوم.

الضابط أو الجندي وفق أبسط المعايير ؛ ما دام يرتدي بذلته ؛ لا يمثل نفسه ولا طائفته ؛ لا عشيرته ولا حزبه ؛ يفترض به تمثيل الجيش الوطني وعليه الالتزام بالسلوك المعياري تجاه مواطنيه؛ سلوك يلزمه بتأدية المهمة القانونية الموكلة إليه لا يجاوزها ولا يشتط .. يستطيع كل مواطن سوري منصف عاش تلك الفترة أن يروي العديد من الممارسات الفظة والقاسية بل والعنيفة؛ من القتل وسحل الجثث في الشوارع ؛ إلى الخطف وإلقاء الجثث في مكبات النفايات ؛ لا شيء إطلاقا يبرر هذا السلوك الهمجي المنفلت ..!!أي ذريعة مهما كانت ؛ سواء كانت ردة فعل على مجزرة مدرسة المدفعية التي ارتكبها ( ضابط من ضباط الجيش وليس إرهابيا مدنيا) ضد متدربين شبان من الطائفة العلوية أم كان ذلك تعبيرا عن سلوك ميداني؛قام به ضابط أو مجموعة ضباط ؛ في الحالين الأمر مرفوض ومهين للجيش نفسه فالجيش رمز ولا يجوز له أنْ ينزل إلى مستوى عصابة أو مجموعات من القتلة كان بعضها إلى عهد قريب على صلة بضباط النظام الفاعلين آنذاك.. هل يمكن إمحاء ذاكرة السوريين بالقهر والتجويع؟ بعد القمع والقتل..؟..

ذلك ما يريدونه وهم يسوقون البلاد إلى المجهول غير عابئين بنتائج أفعالهم وتصرفاتهم في المستقبل .. فليس مثلا صدفة أو عفو الخاطر أطلقت أيدي ضباط بعينهم ؛ ليفعلوا مايشاؤون .. أنْ يترك لضباط من الطائفة العلوية أمر التصدي لجماعات الإرهاب ليس له سوى معنى واحد تمكين الطائفية وترسيخها إذن هي خيار ؛ خيار سيء ومخطيء يسيء للوطن برمته كما يسيء للطائفة العلوية ويضعها جملة في الطرف المقابل .. بالقطع كان من الممكن استخدام وسائل عدة وكثيرة لكنهم اختاروا الحلول الأمنية ومن الحلول الأمنية ذاتها اختاروا ضباطا وقطعات عسكرية بعينها ؛ ضباطا يدينون بالولاء لطائفتهم وليس لوطنهم فلماذا إذن يلومون الطائفي الآخر المقابل.. ؟ لم يلجئون بسبب ومن دون سبب إلى تخوين الآخرين ببساطة مؤشرة تكشف عن واقع الحال ؛ عن طائفية شديدة يمارسونها كل حين منذ أربعين عاما ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نظرية الفسطاطين
نبيل السوري ( 2010 / 11 / 24 - 06:23 )
يبدو أننا نعيش بعصر نظرية الفسطاطين الذي سمعنا بها أولاً من أسامة بن لادن، ثم تبعه جورج بوش، ثم كرّت المسبحة!!؟؟
هذه النظرية معروفة للجميع وشرحها المفوهان بن لادن وبوش: ينقسم كل العالم إلى قسمين: الحق والباطل، الحق معي والباطل ضدي، ومن لم يكن مع الحق ومعي فيكون حكماً مع الباطل وضدي

وحافظ الأسد كان براغماتياً ومتقلب المواقف مع الخارج، ولم يكن يفسطط الأمور مع القوى العظمى التي كان يقلب مواقفه ليكسب رضاها ومن ثم بقاءه في الحكم (وهو الأمر الوحيد الثابت لديه وكل ما عدا ذلك داخلياً وخارجياً هو لخدمة هذا الهدف الوحيد، بما في ذلك الحروب والتدخلات والقمع والنهب والمفاوضات وتسليم الاسكندرون) لكنه في الداخل كان فسطاطياً متطرفاً أكثر من المذكورين، فمن لم يكن مخلصاً له ولنظامه 100% كان يعتبره عدواً لدوداً وجند إمكانيات سوريا كلها للقضاء عليه وعلى أمثاله

وتفسطط الجيش وأجهزة الأمن كنتيجة لذلك
وما لعب النظام على حبال الطائفية على نفس المنوال إلا لخدمة هدف البقاء والتوريث، مهما دفع الشعب السوري من ثمن كنتيجة لهذه الجريمة الكبرى، وللأسف سيدفع إن عاجلاً أو آجلاً

تحياتي للكاتب


2 - أبكيتنا يا مصطفى
جمال الشال ( 2010 / 11 / 24 - 17:03 )
اه من الحسرات ، اين كنا واين اصبحنا ، اين كانت احلامنا وأين استقر بنا الرحيل ، كم كان الزمان جميلاٌ اه يا وطن ، اتذكر الشهيد الحي سمير قصير وهو يقول عسكر على مين... أبكيتنا يا طويل العمر

اخر الافلام

.. لحظة اعتقال الشرطة الأمريكية طلابا مؤيدين للفلسطينيين في جام


.. مراسل الجزيرة يرصد معاناة النازحين مع ارتفاع درجات الحرارة ف




.. اعتقال مرشحة رئاسية في أميركا لمشاركتها في تظاهرة مؤيدة لغزة


.. بالحبر الجديد | نتنياهو يخشى مذكرة اعتقال بحقه من المحكمة ال




.. فعالية للترفيه عن الأطفال النازحين في رفح