الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطر سياسة الهياكل العظمية

زهير ماعزي

2010 / 11 / 24
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


كثيرا ما ارتبط العمل السياسي في الذهنية العامة بأوصاف قدحية كالفساد والوصولية، وكثيرا ما تم تحذير الشباب من العمل السياسي وتكريهه فيه بحجتين، الأولى أن السياسة تعني معارضة النظام، وبالتالي السياسي معرض لمضايقات المخزن، والثانية هي خطر الاستغلال من طرف الفاعلين السياسيين. لذلك نحاول في خطابنا السياسي داخل منظمة الشبيبة الاتحادية تطمين الشباب المغربي، وأن دوره في حزب الإتحاد الاشتراكي يتعدى مجرد كونه قوة ميكانيكية تحرك الحملة الانتخابية إلى دور الفاعل، المقترح، المقرر..
بغية تمكينه من لعب هذه الأدوار على أكمل وجه، كان لزاما علينا في الشبيبة والحزب معا، أن نقوم بعمليات التكوين والتأطير، من أجل أن تكون المحصلة هي كادر(إطار) شبيبي وحزبي قادر على الاقتراح ومقارعة الأفكار ووضع البرامج وتحمل المسؤولية وتمثيل السكان.
في لقاء مفتوح مع الكاتب العام للشبيبة الاتحادية خلال الملتقى التكويني بإقليم سيدي بنور جرى نقاش إيجابي حول تصورنا لمنظمة الغد. جرى الاتفاق حول ضرورة تحيين طرق ممارستنا للسياسة. وكان هناك من اقترح أن تصبح الشبيبة "خدماتية"، وقيل أيضا أن الجهد يجب أن ينصب حول تكوين كوادر "تقنية" techniciens. جوابنا حين ذاك كان أن مهام الشبيبة لم تتغير، ولكن تضاعفت، وأن الجهد يجب أن ينصب حول تكوين كادر "تقنو-سياسي" techno-politicien، وأن نعيد الاعتبار للإديولوجيا وللسؤال الثقافي.
كنت أريد آنذاك (ولا زلت) التأكيد على مركزية التكوين الثقافي للمناضلين، ضد المنطق السائد حاليا والقاضي باستقطاب شباب وربطهم بشخص وبشبكات حلقية في تخل سافر عن أخلاق الأسرة الاتحادية ووظائفنا التقليدية وأدوارنا السامية. والنتيجة هي شباب يحتك سطحيا بالعمل الحزبي لكنه لم يناضل، شباب يكتسب خبرة في الانتخابات ومهارة في حشد التأييد وإدارة الاجتماعات وتحرير التقارير والمراسلات و"تكوين العلاقات" دون أن تكون لديه القدرة على الدفاع عن البرنامج والمواقف والمشروع المجتمعي، بل عاجز حتى عن الدفاع عن مصالح الشباب الحيوية، شباب اكتسب وسائل عمل تقنية وتربى على الانتهازية وبالتالي سهل الاستقطاب من طرف أحزاب أخرى (ولدينا العديد من الأمثلة في الواقع). بل إننا كثيرا ما نجد بيننا شبابا يقول عن نفسه أنه إتحادي ويكرر بطريقة بباغاوية مقولات لعمر والمهدي وعبد الرحيم، لكنه في حياته الخاصة وممارساته اليومية بعيد عن هويتنا التقدمية، وأقسم أني قابلت داخل الحركة الاتحادية شبابا "خوانجية" وشوفينين وتقليديين ومخزنيين. والمؤسف هو عندما تجد شبابا لا يتعدى كونه رقما في كومة المصوتين.
مثل هذه الإشارات سبقني إليها الأستاذ محمد اليازغي حين تحدث في حواره الأخير مع جريدة أخبار اليوم عن قلقه من غياب النقاش داخل الحزب. وتنبيه الأستاذ حميد باجو أثناء مقارنته بين حزبي الإتحاد الاشتراكي والاشتراكي الموحد إلى أن أفق اشتغال الاتحاديين اقتصر على ما هو تكتيكي (الانتخابات) في ظل تغييب الأفق الاستراتيجي (السؤال الثقافي، المشروع المجتمعي..).
وفي رصده لملامح الخطابات السياسية المغربية، أشار د. عبد الصمد بلكبير إلى مسألة التفقير. ويعني بذلك "فصل الخطاب السياسي عن محتواه الثقافي المفترض"، وجعله "محض كلام يكاد يكون بلا معنى، لا خلفية فلسفية ولا مراجع فكرية ولا عبرة من التاريخ ولا تحليل اقتصادي-سياسي ولا استشهادات أدبية. وأضاف "أن الشعار يفترض أن يكون عبارة عن عنوان لمقال ثقافي". وشبه حالة التفقير هاته ب"هياكل عظمية بدون شحم ولا لحم، ومنه استوحينا عنوان مقال الرأي هذا.
مؤشر آخر حول عطب التفقير، إنه التعويم الذي يحاول البعض القيام به عبر الإيحاء بأن أزمة حزب القوات الشعبية هي أزمة تنظيمية فقط، وقد تم حلها خلال الندوة التنظيمية. وهو في نظرنا قفز عن الواقع وتجاوز لمقررات المؤتمر التاسع، فالنقاش السياسي لا زال مستمرا حول العديد من النقط، أهمها خطابنا الثقافي وبرنامجنا الانتخابي وخطنا السياسي المرحلي وسؤال الحلفاء وتجميع اليسار.
أما إذا استمرت سياسة التفقير (أحيانا يكاد يكون ممنهجا) فستحل الكارثة لا محالة، ويصير الاتحاد الاشتراكي معرضا للانقراض خلال خمسة عشر سنة أو تحوله إلى حزب يساري صغير أو حزب شبه إداري يتغذى على الكائنات الانتخابية.
إن سياسة التفقير هاته، ولا شك مرتبطة بسياسة تفقير ثقافي ممنهجة على صعيد المجتمع. لعل من مظاهرها تزايد الحديث عن استقالة المثقفين من الهم العام وندرة ظاهرة المثقفين العضويين وتحول النخبة واحتوائها من طرف المخزن (حالة حركة لكل الديمقراطيين حاليا). كذلك نشير إلى حالة الانفصال عن المجتمع والغربة التي تعيشها جامعاتنا ومؤسساتنا التربوية، وحتى عندما يتكلمون عن الانفتاح على المجتمع المدني، فهم لا يرغبون إلا في الربح عندما يقتصرون على الانفتاح على المقاولة، أو الرغبة في ضبط الشباب وتفادي مشكلات التطرف والانحراف عندما يستدعون الجمعيات للعمل معهم. ولنا في منصف بلخياط الذي يريد أن يمنع الهيئات السياسية والوطنية من الولوج إلى مؤسسة دار الشباب خير مثال على منهجية سياسة التفقير التي تكلم عنها عبد الصمد بلكبير ورفضها الفريق الاشتراكي في مجلس المستشارين.
من اجل أن لا تكون سياستنا هياكل عظمة لا شحم ولا عظم فيها علينا أن نسائل المتدخلين على المستوى المحلي. فما الذي يمنع الفروع المحلية والإقليمية من طرح الأسئلة الفكرية والثقافية والسياسية بدل الاقتصار فقط على سياسة بئيسة تعني التدبير التقني للمسلسل الانتخابي. ونتساءل كذلك عن دور المنظمات الموازية والقريبة منا والإعلام الحزبي والمؤسسة الاشتراكية للدراسات والأبحاث والتكوين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شهداء ومصابون بقصف إسرائيلي استهدف مباني في مخيم جباليا ومدي


.. أبرز ما تناولته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الساعات الأخيرة




.. لا معابر تعمل لتربط غزة مع الحياة.. ومأزق الجوع يحاصر السكان


.. فرق الإنقاذ تبحث عن المنكوبين جرّاء الفيضانات في البرازيل




.. جامعة برشلونة تقطع علاقتها مع المؤسسات الإسرائيلية