الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جنوب السودان.. استقلال ام انفصال؟

حسين القطبي

2010 / 11 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


قرى بدائية تنتشر على تفرعات النيل الابيض، وجدت نفسها في العام 1958، بعد جلاء القوات البريطانية جزءا من دولة شكلت على عجل باسم السودان.

ولم تكن بريطانيا لتوافق على شرط استقلال السودان بهذه الخارطة، والمساحة الشاسعة (6 أضعاف مساحة العراق)، لولا موافقة زعماء الجنوب في مؤتمر جوبا في العام 1947م، وبالمقابل تعهد الشماليين بالمحافظة على تمايز شعب جنوب السودان، ولغاته واديانه.

الجنوبيون يقولون ان مشاريع التعريب والاسلمة، واقتطاع الاراضي الغنية بالبترول، والذي بلغ الذروة ابان فترة حكم الرئيس نميري اثناء اسلمة الدستور زاد من حدة الصراع ومهد لولادة "الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان"، ونجاحها في كسب الاستفتاء على "حق تقرير المصير" في شهر يناير القادم.
والحكومة تقول ان امراء الحرب، المرتبطون بالاجنبي، في الجنوب يبحثون عن مزايا مادية ومناصب وثروات على حساب الحكم المركزي.

ووسط هذا الصراع يرى السودانيون انفسهم وهم يتابعون خارطة البلاد على وشك الانكسار بعد اعياد الميلاد القادمة.

ومن الضروري التطرق للمحة من تاريخ هذا الصراع، فقد وافق الجنوبيون على ان يكونوا جزءا من السودان الحديث بشرط ان يدار اقليمهم بشكل فيدرالي، وذلك قبيل الاستقلال، في مؤتمر عقد في ديسمبر 1955م، بحضور المستعمر البريطاني، قبل عشرة ايام من اعلان الاستقلال.

الا ان حكومة الاستقلال هذه، التي نشأت في العام التالي، لم تفي بالوعود، ولم تطبق الفيدرالية، وبدأت عمليات التعريب والاسلمة بصهر عرقي وديني. اذ قام الجنرال عبود بانقلاب عسكري في نفس العام الغى فيه كل مظاهر الديمقراطية التي تركها الانجليز في البلاد، لتدخل السودان منذ عامها الاول عهد الديكتاتوريات الصارمة، ويصبح سكان تلك القرى البدائية، والرعاة في سهول الدينكا، هدفا لمخططات دولة متفرغة.

وازاء هذه السياسات تراجع الجنوبيون عن مطلب الفيدرالية او الحكم الذاتي وطالبت جبهة "انيانيا" رسميا بالانفصال، ومن اجل الحصول على العون الخارجي، ولان الدول العربية ستقف مباشرة مع السودان، فانها حاولت مد الجسور مع اسرائيل لتحقيق هذا الغرض.

وكاد القدر ان يبتسم للسودان قليلا، فقد الت احداث ثورة عام 1964م الى تبنى اجراءات اكثر تسامحا، فقامت بتقريب جبهة "الجنوب" كجناح اكثر اعتدالا، ودشنت مفاوضات بين الجانبين برعاية دولية في مارس 1965، ولكن مواقف حسن الترابي الدافعة باتجاه صياغة دستور اسلامي جامع يفرض على الجنوب المسيحي، ومن ثم مواقف الصادق المهدي في العام التالي قد سدت الطريق امام التوصل للحل انذاك.

ورغم ان الامور تطورت ايجابيا بعد ما عرف بثورة مايو الناصرية في 1969م وما اثمر ذلك عن اتفاقية في اديس ابابا العام 1972م التي ضمنت حكما ذاتيا للجنوبيين، وانعشت مظاهر الحياة المدنية نسبيا، الا ان ظهور النفط في الجنوب دفع الامور الى الانتكاسة.

تبنى النميري في 1980م مطاليب حسن الترابي باسلمة القوانين وزيادة وتيرة التعريب في المنطقة، بل وتغيير الخارطة الادارية واقتطاع مناطق نفطية جنوبية لصالح الشمال منها منطقة "بنتيو".
تبعها بعد ثلاث سنوات بالغاء اتفاقية اديس ابابا والحكم الذاتي، ليبدأ مذ ذلك عهد جديد من الصراع نشأت معه "الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان" بقيادة جون غرنك.

ونجحت هذه الحركة في الحصول على اعتراف رسمي بحق الجنوب في تقرير مصيره في اتفاقية نيفاشا في 2005م، والاستفتاء الذي سيجري في مطلع العام القادم، مع احتفالات الذكرى الرابعة والخمسين للاستقلال، هو ثمرة تلك الاتفاقية.

من وجهة نظر الجنوبيين، لم يستطع المواطن الجنوبي البسيط ان يتحسس سودانيته مع كل هذه الاجراءات القمعية، وشكل هذا الاحساس بالغبن رافدا شعبيا قويا لكل الحركات الجنوبية التي قاتلت ضد الشمال، وهم يتوقون ليوم الاستفتاء من اجل التصويت لخيار الاستقلال.
ومن وجهة نظر الشمال (الرسمية) فان النفط قد اغرى الجنوبيين، ودفع الدول الكبرى الى تفتيت جسد هذه الدولة، طبقا لمصالحها واطماعها، فيحاولون ارجاء الاستفتاء او الغائه للحفاظ على خارطة هذه الدولة الفتية.

الا ان الزمن له احكام، ولم يعد من اليسير الاستمرار بالصراعات الاثنية والطائفية طويلا، في احد افقر البلدان اقتصاديا، واكثرها ثروات.
ولم يعد من المستساغ هذا الفارق في ميزان حقوق الانسان بين الدول المتخلفة في الشرق، والمزدهرة في الغرب، في ضوء هذا التواصل المعلوماتي المتسارع بين مجتمعات جنوب البحر المتوسط وشماله. فكان لا بد من نقطة انكسار.

ترى لو كانت الانظمة التي تعاقبت على حكم السودان ملتزمة بنهج ديمقراطي لا يميز بين المواطنين على اساس الدين والعرق واللون، وباحترام حقوق الانسان مثلا ، وساهمت بصدق في رفع المستوى التعليمي لابن الجنوب، هل كانت الامور ستؤول الى ما الت اليه في العام 2005، من اجبار الخرطوم على توقيع اتفاقية نيفاشا، التي نصت على حق الجنوبي في الاستفتاء على (الانفصال/الاستقلال)؟

والجنوب يسميه استقلال، والشمال يسميه انفصال، والعبرة ليست بالتسميات، فهنالك شعب تقر له حكومة شرق اوسطية، للمرة الاولى بالتاريخ، بحقه في تقرير مصيره، وليمارس بحرية تامة وضع اللبنة الاولى في طريق مستقبله بنفسه، وهذا هو المهم.

اما بالنسبة لقناعاتك، فان الامر متروك لتقديرك، ان تقف مع الحكومة وتطلق على ما يجري "انفصال"، ام مع الشعب المعني، وتسميه "استقلال"، وهو امر في غاية الاهمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أين المصلحة ؟
أحمد الجاويش ( 2010 / 11 / 25 - 15:43 )
شكرا هذا هذا العرض .
أما عن تسمية إنفصال أو إستقلال فيحتاج لوقائع وحقائق وليس فقط قناعة يمكن أن تكون نتاج فكرة خاطئة فمتى على سبيل المعرفة إحتل السودان الجنوب ؟ فإذا كان هناك تاريخ لهذا الإحتلال فسيكون المسمى إستقلال وإن كان غير ذالك فيكون إنفصال .
لكن في الأخير بما أن الغرب يسعى لمصالحه ولتفتيت السودان وغيره من البلدان العربية فهل من مصلحة السودان والجنوب والوطن العربي أن يتم هذا الإنفصال أو هذا التقسيم أم سيكون بداية صراعات جديدة تأتي على كل من الشمال والجنوب .. ؟؟ شكرا

اخر الافلام

.. ما مدى أهمية تأثير أصوات أصحاب البشرة السمراء في نتائج الانت


.. سعيد زياد: إسرائيل خلقت نمطا جديدا في علم الحروب والمجازر وا




.. ماذا لو تعادلت الأصوات في المجمع الانتخابي بين دونالد ترمب و


.. الدفاعات الجوية الإسرائيلية تعترض 3 مسيّرات في سماء إيلات جن




.. فوضى عارمة وسيارات مكدسة بعد فيضانات كارثية في منطقة فالنسيا