الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تفكيك الرابطة العربية ومخاطره

عبدالله تركماني

2010 / 11 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


خلّفت الحقبة الاستعمارية وراءها عدة قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، مزروعة حول وداخل حدود العالم العربي. فلم تألُ القوى الاستعمارية جهداً في زرع بذور فتن طائفية أو مذهبية أو قومية تكاد لا تخلو منها دولة عربية، بل أنّ الأطماع الخارجية لا تعدم وسيلة لخلق هذه الفتن خلقاً وابتداعها إذا لم تكن قائمة، على النحو الذي يحقق مصالحها في استمرار سيطرتها على المنطقة وعرقلة أية فرصة لتكوين تكتل فاعل لها، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الأمني.
غير أنّ المشاريع الخارجية ما كان لها أن تنجح لولا أنها وجدت عوامل داخلية تحقق لها هذه الأطماع، سواء كانت هذه العوامل سياسات خاطئة تكرس الأوضاع ما قبل الوطنية وتغذيها، أو صراعات داخلية تقتات على هذه الأوضاع وتستغلها.
إنّ مشكلة العرب الأولى عدم إنشائهم حيّزاً للسياسة خارج روابط القرابة والدين والمذهب، لذلك بدت أغلب الأقطار والمجتمعات العربية عصية على التوحد القومي أو الوطني، ملغّمة بكل عوامل الانفجار الداخلي والتشرذم القبلي والطائفي والمذهبي والعشائري والقومي. وما انزلاق الصراع إلى مستويات قبل وطنية وقبل مدنية، على ما برهنت وتبرهن حالات لبنان والسودان والعراق والصومال واليمن وغيرها من الأقطار العربية، سوى دلالة على جدية المخاوف، ليس على الوحدة القومية العربية فحسب بل كذلك على الوحدة الوطنية في أغلب الأقطار العربية، مما يطرح في مقدمة القضايا والإشكاليات التي تواجه العرب في المرحلة الراهنة، مسألة الاندماج الوطني والقومي والمدني الهش في العالم العربي.
ومن المؤكد أنه ليس لانعدام الاستقرار المزمن في المنطقة العربية مصدر واحد، فمصادره متعددة ومختلفة، وأول ما ينبغي الإشارة إليه في تحليل هذه المصادر الموقع الجيو – سياسي الطاقوي المميز الذي تحتله المنطقة العربية. إذ أنها شكلت ولا تزال تشكل مركز جذب وميدان تنافس دائم، وبالتالي ساحة صراع وتنازع دولي، تتجدد أسبابه وتتبدل ولكنها مستمرة بلا انقطاع.
ولعل من أهم الدراسات التي ظهرت بعد 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتي نرى أنها الرافد الأساسي لكل المبادرات الأمريكية لتعميم " الفوضى البناءة "، التقرير الذي وضعه المحلل في مؤسسة " راند كوربوريشن " للدراسات لوران مورافيتش، وقدمته المؤسسة في 10 يوليو/تموز 2002 إلى هيئة السياسة الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية " البنتاغون "، أحد أهم المصادر للتعرف على ما تضمره الإدارة الأمريكية تجاه المنطقة العربية. فما ينتهي إليه التقرير، في مجال " الاستراتيجية الكبرى للشرق الأوسط "، يقول بالحرف ما يأتي: العراق هو المحور التكتيكي، السعودية هي المحور الاستراتيجي، مصر هي الجائزة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ مشروع إعادة تشكيل المنطقة يتلازم عضوياً مع خطة " الفوضى البناءة " التي باتت من أساسيات السياسة الأمريكية. إذ ما تمارسه هذه السياسة في الشرق الأوسط هو عملية هدم، متبوعة أو مقترنة بعملية بناء شرق أوسط موالٍ، تفشل عمليات استقطابه إلى القوى الدولية الأخرى، كما تفشل إمكانية قيامه بملامح عربية – إسلامية، بربط هذا الإقليم سياسياً واقتصادياً بالولايات المتحدة. وتشمل عملية الهدم: تغيير نظم، واختراق ثقافات، ومنع تشكيل محاور إقليمية معادية، كما تشمل تفكيك دول وفقاً لخريطة إثنية للإجهاز تماماً على الرابطة العربية، وإحداث ضمور كبير في كل الأحزاب والأشكال التنظيمية التي تعتنق الفكر القومي العربي وتعمل على إحيائه وتجديده.
ومن جهة أخرى، لم يواجه هذا الفكر، خاصة عندما وصل حاملوه إلى السلطة، مسألة الأقليات الدينية والمذهبية والقومية ومخاوفها الأقلوية، من أجل فهمها واستيعابها، وبالتالي إبداع قيم جاذبة يمكن أن تتجاوز معها أقلويتها والانشداد إلى الأفق الوطني الجامع، فظلت دمّلاً ينزف كلما تعرض الجسم العربي لأزمة جدية. ولم يواجه مسألة العلاقة بين العروبة والديمقراطية، بل طرح قومية مفرغة من الديمقراطية لم تأخذ في الحسبان حريات الأفراد وحقوقهم الإنسانية الأساسية. ونظر إلى الشعوب بوصفها " جماهير " و " رعايا " مطلوب منها أن تضحي دائماً وتتنازل عن حقوقها من أجل " طوبى قومي ". ولم يواجه مسألة الفصل بين المجالين السياسي والديني، فلم يتصدَ لتعيين حدود الدين في الحياة السياسية والاجتماعية من منظور عقلاني، فكان أن اكتسح الديني السياسي، والأصالة الحداثة، والماضوية العصرنة.
في ظل هذا الالتباس والقصور والتردد والتراجع كان من الطبيعي أن تنتكس المجتمعات العربية وتتذرر إلى تكويناتها ما قبل القومية وما قبل الوطنية وما قبل المدنية، وأن يرتكس أغلب الفكر العربي إلى الغيبي والسلفي والتقليدي، وأن تثار من جديد المخاوف على الوحدة الوطنية وتطرح الفيدرالية والكونفيدرالية حلاً لأزمة الاندماج القومي أو الوطني العاثرين.
وهكذا، دخلنا مرحلة دقيقة جداً، مرحلة إعادة ترتيب الأوراق دولياً وإقليمياً، وربما إعادة ترتيب الأنظمة والدول والحدود. فقد أتت مشاريع " الشرق الأوسط " منذ خمسينيات القرن الماضي، الذي أصبح " جديداً " بعد مؤتمر مدريد في العام 1991، و" موسّعاً " بعد غزو العراق واحتلاله، وعاد " جديداً " بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف العام 2006، تحاول استكمال ما دشنته اتفاقيات " سايكس – بيكو" في أوائل القرن العشرين، ولكن من خلال الانتقال به من حدود الدولة الوطنية إلى حدود عصبية القبيلة والطائفة والمذهب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طارق متري: هذه هي قصة القرار 1701 بشأن لبنان • فرانس 24


.. حزب المحافظين في المملكة المتحدة يختار زعيما جديدا: هل يكون




.. الرئيس الفرنسي يدعو إلى وقف الأسلحة نحو إسرائيل ويأسف لخيارا


.. ماكرون يؤيد وقف توريد السلاح لإسرائيل.. ونتنياهو يرد -عار عل




.. باسكال مونان : نتنياهو يستفيد من الفترة الضبابية في الولايات