الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العرب و المحرقة اليهودية .... زيارة ميدانية

مصطفى الرافعي

2010 / 11 / 25
أوراق كتبت في وعن السجن


دعاني الفضول و البحث عن الحقيقة إلى زيارة المعتقلات النازية حيثُ كانت تكتظُّ بمعتقلين يهود.. و أنا أتجول بين زنازن المعتقل التي تحكي معاناة شعب و إن كنتُ أختلفُ معه في العديد من المبادئ و الأفكار و لكنّهم قبل كل شيء بشر تتقاذفهم المشاعر الإنسانية. في أثناء تجوالي بين أروقة المعتقلات النازية تعلَّقَ فكري بأرواح صور المعتقلين المعلقة هنا وهناك ، تسرد على كياني قصة أنين تفوحُ منهُ ذكرى الوحشية و القمع. رأيْتُ صور الرضع المولودين داخل أسوار المعتقلات ، و رأيت و رأيْت... و كلما خرجتُ خارج جدران المعتقل دعتني نفسي لمعاودة الزيارة فأعدْتُها ثلاثَ مرات في خلال أسبوع ... فجالت في نفسي أفكارٌ و أسئلةٌ أود اليوم أن يشاركني العربُ في الجواب عنها: ما موقفنا نحن العرب من تلك المحرقة ؟ هل هي خرافة استعملها اليهود كحجة ليسبغوا الشرعية على هجرتهم إلى فلسطين ؟ هل عدد القتلى من اليهود مُبَالَغٌ فيه كما ذكر الفيلسوف الفرنسي روجي غارودي في كتابه "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية" ؟ فشدّتني تلك الأسئلة إلى غاية الإغماء و الإعياء ... فحمَلْتُها معي و طرحْهتها على من أعرف و من لا أعرف من العرب و المسلمين ... فزادتني أجوبتُهم إصرارًا على البحث أكثر و أكثر بل أسالتْ عليَّ المزيد من الأسئلة : لماذا غالبيةُ العرب لا تأخُذُهم الشفقةُ على ما حدث لليهود ت؟ و أسئلةٌ أخرى أضعُها اليوم على موقع حوار المتمدن...
بعد البحث و التقصي أقول :
تباينت مواقف "العرب" من النازية والصهيونية. و يمكنُ تقسيم المواقف العربية من المحرقة النازية إلى أربعة تيارات مختلفة كما بيَّنَ ذلك جلبير الأشقر ، وهي: الموقف الليبرالي، والماركسي، والقومي، والسلفي، بحيث تراوحت تلك المواقف بين الإدانة الصريحة للنازية من ناحية، والمعاداة الصريحة لليهود من ناحية ثانية. فقد تبنى الليبراليون والماركسيون موقفا واضحاً إزاء المحرقة، حيث أدانوها وأكدوا على التفريق بين اليهودية والحركة الصهيونية؛ في حين أُعجب بعض القوميين العرب بالنموذج النازي والفاشي وسعى إلى اقتباسه، أما التيار السلفي فقد تبنى خطاباً معادياً لليهود مستنداً على تفسيراته الخاصة لبعض الآيات القرآنية إضافة إلى نصوص معادية للسامية مثل بروتوكولات حكماء صهيون.
و في هذا السياق لا يفوتني أن أذكر الشعبية الكبيرة التي يحظى بها الفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي في العالم العربي، نظرا لاعتناقه الإسلام وانكاره لأهوال المحرقة النازية. فهل العربُ قومٌ تحكُمُهم الأهواءُ و الإنفعالات و حب الإنتقام أكثر من طرح الإشكالات في سياقها التاريخي الإنساني و الموضوعي. فقد صدّق العرب و المسلمون كل ما ورد في كتابه دون تدقيق و لا تمحيص لمحتواه. و قد تمّتْ محاكمته حينها و انتهت بإدانته لإنكاره الهولوكست في تصريحاته وكتاباته، كما شهدت تعبئة كبيرة للنازيين الجدد وأتباع نظريات المؤامرة والمشككين بالهولوكست، الذين حضروا لمؤازرته أمام محكمة باريس.
فقد شكَّكَ غارودي في هذا الكتاب بالتطهير العرقي، الذي تعرض له اليهود الأوروبيون، معتبرا أنه مجرد ادعاء من أجل تبرير سياسة إسرائيل العدوانية. وبسبب فقرات مختلفة في الكتاب تشكك بحدوث الهولوكست حكم على غارودي سنة 1998 في الجلسة الأولى بالسجن لمدة تسعة أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة مالية بلغت 160 ألف فرنك فرنسي. مما جعل عدة دول من العالم الإسلامي و العربي تحتفي به بصفته نجما كبيرا واستقبل خصوصا في مصر والأردن سنة
1998 بحفاوة كبيرة في الجامعات والملتقيات الكبيرة ونظر إليه كبطل أو "شهيد مطارد" في الغرب ومن طرف "الصهاينة" بسبب تصريحاته المنكرة لوقائع المحرقة.

وكانت إيران آخر محطة في جولته إلى الشرق الأوسط والأدنى ، حيث استقبل في طهران من طرف كبار شخصيات الجمهورية الاسلامية في أبريل سنة 1998، وكان من بينهم أيضا الرئيس السابق محمد خاتمي والمرشد الأعلى للجمهورية علي خامني.

ويحظى غارودي لحد الآن بشعبية كبيرة في المنطقة وغالبا ما يتم طرح أفكاره من طرف بعض وسائل الإعلام في العالم الإسلامي، وأحد أسباب ذلك الاهتمام واضح للعيان، فعبر حججه التي ساقها في كتابه "الأساطير المؤسسة لدولة اسرائيل" ينكر غارودي أن أحد الأسباب التاريخية التي كانت وراء قيام دولة اسرائيل تتمثل في النتائج الدموية للعداء للسامية في أوروبا القرن العشرين. وعلى هذا النحو يبدو كما لو أنه يقدم في هذا السياق سلاحا يمكن استعماله في الصراع السياسي مع الدولة العبرية.
غياب أبسط بديهيات المنطق و مبادئ العقلانية
و إذا عاد الباحثُ إلى تصريحات بعض النخب العربية و الإسلامية عن المحرقة يجدُها بعيدةً تماما عن المنطق و العقلانية. و على رأسهم قادة حركة الإخوان المسلمين الذين ما فتئوا يستعملون قضية فلسطين كأداة يدغدغون بها عواطف المسلمين فيجمعون منهم الأموال الطائلة التي لم تصلْ أبدا إلى أهل فلسطين كما يشهدُ بهذا أحد قادتهم سابقا.
فقد انضمَّ مؤخرا
المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر إلى تصريحات الرئيس الإيراني ووصف المحرقة بأنها "خرافة". هذا الرأي يطرح أسئلة لا مفر منها حول مدى موضوعية تعاطي بعض النخب العربية والإسلامية مع أكثر فصول تاريخ البشرية بشاعة. ومن أجل دعم رأيه، ذكّر المرشد بالكاتب الفرنسي روجيه جارودي المذكور آنفا.
فتكمن خطورة كيفية تعاطي عدد من ممثلي النخبة العربية والإسلامية مع أحد أبشع فصول تاريخ البشرية بشاعة في أنه يمثل تجسيداً لانعطافة نكوصية تناقض أبسط بديهيات المنطق وتغيب مبادئ العقلانية.
فهل نحن العرب و المسلمون بحاجة إلى رعاية نفسية و فكرية أكثر من حاجتنا إلى حوار مُقْنع و بنَّاء ؟
فقد تمايزت ـ إذن ـ ردود أفعال العرب من دولة إلى أخرى تمايُزا شديدًا ..
و يرى بعضُ المحللين بأنَّ تصريحات الرئيس الإيراني عن اليهود و المحرقة داءتْ ليُغَطّي بها عجزه الواضح عن الوفاء بوعوده الانتخابية وعن تحقيق أي تقدم فعلى في سياسته الهادفة إلى توزيع عوائد النفط على ناخبيه الفقراء، مما دفعه إلى إثارة مشاعرهم ومحاولة تأجيج الكراهية لديهم ضد إسرائيل خاصة واليهود عامة.
و عن مواقف العرب يشيرُ لؤي المدهون إلى نتائج الأبحاث الجديدة التي تبرهن على أن النخبة العربية المثقفة كانت تشعر بالقلق من نشأة منظومة شمولية (توتاليتارية) في ألمانيا. كما عبرت عن رفضها القاطع لكل أشكال التمييز العنصري والفاشي معتبرة الأيديولوجية النازية الفاشية تهديداً لقيم الإنسانية جمعاء.

"وحتى في فلسطين يمكن ملاحظة وجود أصوات نقدية بهذا الخصوص"، وهو ما يشير إليه الباحث الألماني في دراسات العداء للسامية بيتر فين الذي نجح في تقديم أدلة على وجود أصوات فاعلة في الرأي العام الفلسطيني تعاملت بصورة نقدية مع الأطروحات النازية الفاشية.

وبالرغم من ذلك فإن هذه الأصوات لم تؤخذ بالحسبان نظراً لهيمنة ظلال مفتي القدس أمين الحسيني على الصورة المنتشرة عن تعاطي الفلسطينيين بصورة خاصة والعرب بصورة عامة مع الحقبة النازية الألمانية.
و يضيف : كل من يشكك في حيثيات وقوع أكبر عملية قتل منظم شهدتها البشرية يفقد مصداقيته ويتحول إلى مخادع شعبوي متقوقع على ذاته يتلاعب بعواطف الجماهير ويداعب نرجسيته فقط!

كما أن وجود أدلة علمية دقيقة تؤكد على أن النازيين قاموا باحتجاز وقتل معتقلين عرب، على الرغم من أن عدد المعتقلين العرب كان صغيراً مقارنة بالضحايا الآخرين، إلا أن كل ضحية عربية موثقة بحد ذاتها تنفي فرضية إنكار الهولوكوست التي يروج لها بعض ممثلي النخب القوموية والإسلاموية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول دولة أوروبية تهدد باعتقال نتنياهو وغالانت


.. لميس:رغم اختلافنا مع بعض مضمون قرار الجنائية الدولية لكنه و




.. اتهامات للاتحاد الأوروبي بتمويل اعتقال المهاجرين وتركهم وسط


.. مدعي الجنائية الدولية يتعرض لتهديدات بعد مذكرة الاعتقال بحق




.. مأساة نازح فقد فكه في الحرب.. ولاجئون يبرعون في الكوميديا بأ