الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يد مليئة بالسياط

ياسر اسكيف

2004 / 9 / 18
الادب والفن


هي الأصابع , أولى أدوات الإستدلال الغريزي , ومما لاشكّ فيه أن الشاعر ( محمد عضيمة ) الذي يعتبر واحداً من الداعين إلى أن يأتي الشعر من ( الخبرة الذاتيّة المتحقّقة , الخبرة البعيدة عن أن تكون من المحزون التراثي , أو من الذهن والذاكرة . – مقدّمة ديوان الشعر العربي – الكتاب الرابع – دار التكوين – دمشق – 2003 ) يوافقني الرأي , ويوافقني على أن العنوان الذي حمله كتابه الشعري الجديد ( يد مليئة بالأصابع – دار التكوين – دمشق – 2004 ) هو , بطريقة ما , نمذجة للمقولة السابقة . وحتى في حال عدم حصول التوافق الافتراضي , الناتج عن الإحساس الحقيقي بتحسس عمق ما انطوى عليه ذلك الكتاب , فإنني لن أتراجع عن استنتاجي السابق , مدعوماً بما أدّعيه لنفسي من خبرة , راكمها الجهد , في تمثّل الشعر وإعادة إنتاجه ,هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى اطّلاعي على ودراستي لمقدّمات ( محمد عضيمة ) في(ديوان الشعر العربي الجديد ) .
إن محمد عضيمة يتقدّم على الدوام كممتهن اختلاف ومقترف معصيّة , غير أن اختلافه هذا يعنينا بذات القدر الذي يعنيه , حيث أنّنا أمام هذا الاختلاف لا بدّ من طرح سؤال الإضافة والتّقصي عن الإجابة فيما يقدّمه النصّ دون أن نستطيع الإفلات من تأثير الإعلان النظري الذي كرّسه محمد في كتاباته العديدة .
وسؤال الإضافة الذي نعنيه , هو سؤال نوعيّ بامتياز . ذلك أنّ الإضافة الكميّة الشكلانيّة( التكويميّة) أمر عادي الحصول مع كلّ إنتاج مهما ضألت قيمته . إن الإضافة التي نعنيها ونقصدها , هي الإضافة النوعيّة التي تهدّد سكونية النوع وتنذر بالمحو , وهذه الإضافة برأينا لا يقدّمها فرد مهما أوتي من مقدرات . وإن تراءى لنا حدوث كهذا فالأمر محض قميص يستر جسداً قديماً ( قديم فقط ) .
في كتابه المذكور يتقدّم الشاعر كغريب تشخص نحوه الأبصار , أبصار الذين لم يعتادوا على قدوم الغرباء , وعند اقترابه , إذ تتضح الملامح شيئاً فشيئاً , يهمس الجميع بخيبة أمل : إنّه فلان ..... لكنّ هذا أل( فلان ) سيبقى إلى أمد طويل الشخص الذي حسبوه غريبا . ولن يمحوا حسبانهم سوى مرور غرباء وغرباء . والشعر هو الوحيد الذي نحسبه غريبا على الدوام .


أظنّني لا أضيف الشيء الكثير إذ أقول بأن الصفحة ( 61 ) من كتاب ( يد مليئة بالأصابع ) هي مفصل أساسي وضروري للإقتراب من الفهم والممارسة اللذين يحكمان ويحدّدان آليات إنتاج النص الشعري عند محمد عضيمة , وبالتالي يمنحانه صفته الجنسية ضمن النوع . إنّه , بطرقة ما , يصنّف ما يكتبه ويؤكد على أن ما ورد قبل هذه الصفحة وما سيرد بعدها هو الشعر , ويضيف إلى ذلك تحديده لآليات إنتاجه :
( انتبه , | ما سبق ليس إلا على سبيل المثال | المثال فقط | لتجريب الكلام | وتدريب | الأفعال فقط , | فالشعر ليس في ذاك الباب | فقط | بل , بل , تابع .ص61 ) .
وفي المتابعة نجد أنّنا عند ( طبيب الجلديات حيث عاين | القدم اليمنى | ومجهرها بالعين فقط . ص62 ) .
إن المقطع الأسبق يقدّم فهاً جديداً لعملية الكتابة الشعرية إذ يعتبرها نوعاً من اللهو ويشير إلى أن كل شيء في الحياة هو مادّة شعرية . غير أن ما يمكن الإشارة إليه هو القول بتدريب الأفعال فقط , وهذا يعني إن الشعر شغل وحياة وليس كتابة . ليس ميلاً إلى التبسيط أن نقول ما سبق بل محاولة لتفكيك التناقض الذي نراه حاكماً في هذا الكتاب .
ذلك أن الكاتب المولع بمعاداة الأسماء , وهذا وصف وليس حكم قيمة , والمناصر القوي للأفعال , يجنح نحو إنتاج التسمية وتكريسها باسم الفعل وذلك عبر قيام نصه على آلية الوعظ بتكرار اللازمة الأمريّة : انتبه .
وحتى إذا كان المقصود هو خطاب الذات فإن هذا لا يغيّر من التموضع التعليمي للكاتب .
من الملاحظات التي لابدّ من تناولها ÷ي أن محمد عضيمة قد نجح تماماً , وعبر مفردة فقط , أن يطبّق قولته في الإقتصاد الدلالي , والتي تتلخص بالاستعاضة عن محرّضات التأويل والتخييل بمفردات حياتية الدلالة :
( شجرة الليمون المغروسة | مغروسة فقط . | وبناء البلدية الحنطي | حنطي فقط ..... الخ ص9 ) .
وحينما يجنح إلى القصد في تعدد الدلالات فإنه يشير إلى ذلك علانيّة عبر استخدام النفي :
( اليد التي تطوف الآن بها على الرفاق | ليست يداً فقط . ص29 ) .
إن في الإقتصاد الدلالي والدعوة إليه محاولة جادّة وجديدة لكتابة شعر لا ينتمي , في عمقه , إلى الإرث الشعري العربي عبر آلاف السنين . غير أن استبدال التعالي اللغوي باللغة المقتصدة في الدلالات عند محمد عضيمة قد جعل الشعر يدفع ثمناً باهظاً , نقصد بالضبط وقوعه في شرك التعليمية والمقاييس المفروضة .
هناك ملاحظة لا بدّ من التوقف عندها قبل المغادرة هي أن محمد عضيمة عدو المجاز اللدود ينهي كتابه بالمقطع التالي :
( يد مليئة بالأصابع
وفي كلّ إصبع
مدينة من أياد . )
أخيرا . هل ما قرأته شعراً كما تجرأ محمد عضيمة وسمّاه ؟ سؤال تعوزني الجرأة للإجابة عنه . فالشعر كما أرى تأتي تسميته وتصنيفه تأسيساً على فعله في ذات المتلقي ( بعيداً عن التصنيف القبلي لهذا المتلقي ) .
ولا يسعني بعد الذي قرأت , رغم طرافة بعضه وخفّة ظلّه , إلا الأسى لحال المعلمين , الذين استقبلنا أوّلهم وقضيب الرمّان يتلوى في يده , وودّعنا آخرهم بالطرد من حصّته الدراسية , ولفقهاء المذاهب المتحاربين حول طريقة الدخول إلى المساجد باليمنى أولاً أم باليسرى , ولمشايخ الطرق الذين يعتبرون عدد شعر الرأس شرطاً لازماً للدخول في الطريقة .
ولا يسعني أيضاً سوى تهنئة المغنين الذين يستطيعون العدّ على( الهوّاره ) من المساء حتى صياح الديك .
-








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي