الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معنى السياسة في الديمقراطية وليس العكس

اسحاق الشيخ يعقوب

2002 / 8 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


 البحرين

 

 

السياسة هي وعي حركة الظاهرة واحتوائها وتقنين حركتها وتوجيهها.. إنها رهن حركة: متي وكيف؟! وإذا اختل توازن حركة متي وكيف.. اختل توازنها.. إنها موازين.. الموازين الأكثر دقة في حركة المجتمع.. وهي الاحتواء الخلاق لجميع المتناقضات فهي التنوع والاعتدال والتجاذب والتباعد والتقارب والألفة والتنابذ.. وهي الإيمان المتردد.. ولعبة الواقع.. والتعقيد البسيط.. والبساطة المعقدة.. إنها رغوة الحياة المادية والأخلاقية.. التي كلما قبضت عليها تسربت رغوتها من بين أصابع يديك!! إنها الحافز الأكثر جدية ودهاء في الاستحواذ علي الشروط الاجتماعية.. نحو الحرية والعدالة والسلم. والحياة الاجتماعية الآمنة المستقرة.. وفي إدارة شئون الناس والآخذ بناصية أمورهم وترؤسهم وتوجيههم والتأثير عليهم وترويضهم وتربيتهم.. وهي الضرورة الأكثر مضاء لكل واردة وشاردة في الحياة.. ووسيلة لغايات إنسانية طموحة نحو العدالة الاجتماعية.. يقول ابن خلدون: کنشأت ضرورة السياسة عبر البشر من خلال حتمية الحاجة البشرية إلى الحياة الاجتماعية التي فرضتها اعتبارات تحصيل القوت جماعيا. ومن مهماتها وأهميتها في الحياة تتشكل صعوبتها في تنقية وتصفية عقد الحياة السياسية.. وقد أجاب اينشتاين لما سئل لماذا لا تكون السياسة مثل الفيزياء في استنباط القوانين قائلا: لان السياسة اصعب من الفيزياء. السياسة: هي من يحصل علي ماذا متي وكيف وهو عنوان لكتاب "لاسويل" الذي صدر عام ..1936 إنها عن حق عملية متعاقبة.. وتفاعل لا ينقطع بين الأفراد والجماعات.. ناتج عن النشاط المحيط بالحياة العامة والحكم.. وعملية رؤى وتفعيل وتفاعل مع وفي حركة المجتمع.. والقدرة علي توقع التطورات السياسية قبل حدوثها أي إنها تتابع حركة المجتمع وتؤثر فيه وتتوقع تطوراته ومستقبله!! وتدير السياسة النظام السياسي بأجهزته المؤسساتية من أنظمة وقوانين ومؤسسات أمنية ودفاعية وثقافية.. وأحزاب حكومية وغير حكومية ونظم تشريعية وتنفيذية وقضائية وإعلامية وخلافها.. عبر هذه الشبكة المتداخلة والمعقدة للسياسة.. تتشكل الصعوبة في بيان واستبيان و الإمساك بخيوط التفاعلات السياسية في المجتمع. كثيرون أولئك القوم الذين حفظوا عن ظهر قلب مقولة: السياسة فن الممكن.. إلا انهم يرددونها كالبغاء.. دون أن يدركوا.. دقة استهدافها ضمن حيثيات توظيفها (متي.. وكيف) واستدلال أبعاد نتائجها.. في عملية تحويل المطالب بعيدة المنال والمستحيلة وتقريبها منطقيا والحصول علي بعضها .. والي بدائل ممكنة.. وذلك من خلال مرونة مقاييس موازين القوي.. والمساومة وتضارب الآراء والخلافات بالوسائل السياسية.. وعبر الحوار.. لا عبر بيانات وشعارات الرفض والتنديد المضغوطة بعاطفة الشارع.. والتي لها هوي نرجسي لدي هذه الجمعية السياسية أو تلك!! وإذا كان السياسة عملية إجراءات متعاقبة.. تدار بواسطة سلطة القرار لترتيب منافع المجتمع وفقا لمصالح طبقية وفئوية وعائلية.. فان مثل هذا الإجراء.. أقيم وفقا لحالة ظرفية سياسية ارتأت ترتيب قوانين وإجراءات وفقا لمرئيات سياسية معينة!! أمام مثل هذه الحالة الظرفية.. علي القوي الديمقراطية والتقدمية.. ان تدرس الأسباب الجوهرية والأبعاد السياسية لمثل هذا (الإجراء) والأخذ بحالة السبب والنتيجة.. والى مدى الأضرار التي قد تنال المجتمع والقوي الليبرالية والديمقراطية لو لم يتخذ مثل هذا (الإجراء) أمام تمدد عناصر قوي الظلام الطائفي الذين يهددون ابسط المكتسبات الديمقراطية والانتكاس بالوطن إلى تشريعات وإجراءات معادية للتقدم والحداثة!! إن قوى اليمين والظلام المتأسلم.. يرون بان السياسة هي حوار مع التراث والماضي وحسب من حيث انهم ضد التطور والتجدد والتحديات السياسية المتجددة.. والتي تتطلب الإبداع.. وانهم يرون في الإبداع "بدعة" خارجة علي النصوص وتراث الماضي. ويؤكد ابن خلدون: بان أسباب انحلال الدول يتشكل في العصبية الدينية.. التي تؤثر بطبيعتها على الجغرافيا والاقتصاد والثقافة. إن اعتماد المرونة في فهم التطورات والمستجدات وفي الحلول للمشاكل والصراعات الاجتماعية.. والتحلي بروح المسئولية والابتعاد عن النزق.. وتحكيم العقلانية والموضوعية السياسية.. في اتخاذ المواقف السياسية القائمة علي الدراسة المنهجية في تطبيق الأساليب العلمية المبنية علي المراقبة والقياس والتحليل.. هو مقتضى السياسة المطبوعة بالحكمة. إن القوى الديمقراطية والعلمانية يفترض أن تبني علاقاتها السياسية علي ضوء القواسم المشتركة.. التي تربطها مع الجهات التي تقتدي بمفاهيم الحداثة والليبرالية والعلمانية.. ونظرتها المتقدمة للمرأة في ممارسة كامل حقوقها.. لا اللهث والتذيل بهذا الشكل أو ذاك.. خلف قوى الإرهاب والتخلف.. وتبرير المواقف.. ومغازلة المواقع.. والتزلف إلى رموز التخلف مبررين تماهي وتناهي.. علمانيتهم وديمقراطيتهم.. بحجج التأثير علي قواعدهم (!!!) كأن المجتمع خلا إلا من قواعدهم؟! السياسة بطبيعتها خالية من العقد.. لأنها تتجدد وتتطور.. والسياسي الذي يحمل عقدا سياسية تاريخية.. أمام السلطة التي تتطور.. وتتغير بمواقفها وقوانينها ودساتيرها.. لا يمكن أن يكون سياسيا نافذ الرؤية.. يجيد الإمساك بخيوط السياسة وفك طلاسمها.. والتكيف مع المتغيرات للبقاء والتأثير في الحياة السياسية!! ليس بالخوف وحده يحيا النظام السياسي.. وليس بقانون أمن الدولة.. ولا بالحديد والنار في قمع الجماهير.. وكم الأفواه.. يحيا النظام السياسي.. ويتطور ويقف علي رجليه متأنقا زاهرا رافلا.. في تقدمه وتطوره بين الأمم.. وهو ما أدركه عظمة ملك البحرين.. في رفع ظلم القمع والحيف و إطلاق الحرية والديمقراطية والتعددية لأبناء شعبه.. ولجميع القوى السياسية علي مختلف مشاربهم السياسية والاجتماعية إيمانا من عظمته بضرورة المشاركة في الحكم والتنمية والتقدم والحداثة.. وهو إجراء حكيم ورائد.. ومنال اقتداء وتأثير علي منطقة الخليج!! في كتابه (الأمير) يقول ماكيافيلي بان الأمير لا يستطيع إدامة حكمه ما لم يلجأ إلى المشاركة في الحكم.. ويضيف بان الحاكم القوي يصبح مشروعا وصالحا في حالتي تأسيس الدولة والتغلب على الأزمات أما في بقية الحالات فيستحسن اعتماد الصيغ التي تؤمن المشاركة الأوسع في السلطة. وازعم أن بإمكان القوى الوطنية والديمقراطية أن تحرر نفسها.. وتحرر جماهيرها من عقدة اوديت.. عقدة ماضي القمع والإرهاب عقدة قانون أمن الدولة.. الذي لا يزال فيروسه يطبق علي بعض النفوس.. ويجد له غذاء روحيا ووجدانيا لدي بعض المثقفين المفعمين بأنفاس ونفيس عتاولة الإرهاب والتأسلم والطائفية.. الديمقراطية أتت من السياسة.. ولم تأت السياسة من الديمقراطية.. السياسية تمنهج الديمقراطية وليس العكس.. الديمقراطية وضعتها السياسة لتكريس عمل ما.. أداء ما.. حياة ما.. هدف ما .. وهي وان كانت ضرورية للحياة.. إلا إن ضرورتها نسبية!! الديمقراطية تأخذ أهدافها النبيلة والإنسانية.. إذا استخدمت بنبل وإنسانية وقد يكون (إجراء) ما .. يأخذ شكلا ظاهريا معاديا للديمقراطية.. وهو يحمل مضمونا ديمقراطيا نبيلا وإنسانيا. وقد يكون (إجراء) ما .. له شكل ديمقراطي.. إلا انه يحمل هدفا لا.. نبيلا ولا إنسانيا. الديمقراطية ليست مطلقة.. الديمقراطية نسبية.. ضمن ضرورة المؤمنين بالحرية.. الديمقراطية للديمقراطيين وليس لأعداء الديمقراطية!! قوى الإرهاب والتخلف يستخدمون الديمقراطية لأغراض طائفية.. ولإفشال مشاريع الحداثة.. والإصلاحات الديمقراطية.. لنتذكر الجزائر عندما ظهرت "تباشير" اكتساح عناصر الإرهاب والظلام المتأسلم.. صناديق الاقتراع بواسطة الديمقراطية.. أدارت هذه العناصر حالا ظهر المجن للديمقراطية.. وراحوا يؤكدون لدي القاصي والداني بفتاوى دينية وفقهية ما انزل الله بها من سلطان بان الديمقراطية كفر وزندقة.. حقا لقد كشروا عن أنياب دولة ثيوقراطية.. تجتث يابس واخضر الحداثة والديمقراطية والتعددية وتنصب المشانق للعلمانيين واليساريين والديمقراطيين وقد حالت الإرادة الطيبة دون ذلك و أنقذت الجزائر إلا إن انتشارهم والشبهات التي أحاطت بهم.. والأيادي الخفية التي تدعمهم داخل الجزائر وخارجها.. فتحت نوافير الدم في جسم جزائر المليون شهيد - وكشفت للعالم الجرائم البشعة التي ارتكبتها قوى الإرهاب والظلام في حق الأطفال والأمهات والشيوخ.. بلا رادع ضمير ولا وازع دين. إن هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه الأعمال الإجرامية البشعة.. وهم خارج السلطة.. فكيف بهم.. إذا اتو بدولتهم الثيوقراطية وتبوءوا الحكم على صدور وعقول أبناء الشعب الجزائري. كان أحدهم ..وهو في غمرة حماسه لمطلق الديمقراطية.. فاجأني قائلا: فليكن ليأتوا إلى الحكم.. وسوف ينكشفون على حقيقتهم.. بمثل هذا البؤس والوجع.. يصادفك أحد العابرين على سكة السياسة: يبارك الثيوقراطية باسم الديمقراطية!! يا سبحان الله.. إن لله في خلقه شئون.. إن الديمقراطية هي نتاج عضوي للتطور.. وهي تتشكل من منظور سياسي لكل قوى المجتمع العاملة من اجل النهوض بالحياة.. وتدعيم ركائز الحداثة.. يجب أن توضع في قالبها السياسي الذي نتجت عنه من اجل البناء والتطور نحو الأفضل.. يقول: "روبرت كابلان" إن طالبا تونسيا قال له ذات مرة کان معدلات البطالة في تونس تصل إلى 25% واذا جرت انتخابات في مثل هذه الظروف فستكون النتيجة حكومة اصولية.. وعنفا مثل الجزائر. وإذا علمنا طبيعة الأوضاع ربما نجد في بعض الإجراء الذي قنن شيئا من الديمقراطية فيه حكمة مؤقتة للديمقراطية ومستقبلها علي طريق الحداثة والنهوض. إن ما ينضوي تحت تطور السياسة وتفاعلها في المجتمع يتجاوز قدسية القوانين والدساتير الوضعية.. التي ظهرت في الحياة سياسيا.. وهي مؤهلة أن تأفل سياسيا أيضا.. فالثبات إلى ابد الآبدين لله وحده!! وازعم إن السياسي الواعد.. يري شجرة الحياة خضراء.. خلاف النظرية التي هي رمادية اللون.. لقد امتلأت قلوب وعيون غربان الظلام ومن لف لفهم برماد النصوص الجامدة.. و أظلمت عيونهم وقلوبهم عن اخضرار شجرة الحياة!! يقول: "وسيم فريك": ((على الدول الغربية التي تشعر بان تدخلها "الأخلاقي" قد تسبب في حدوث المآسي في دول كراوندا وهاييتي.. أن تستفيد من هذه الدروس بأن تأخذ بعين الاعتبار توافر العوامل التاريخية والاجتماعية الداعمة للديمقراطية في الدول المعنية بدلا من الدعوة العمياء لانتخابات "نزيهة"((. إن الديمقراطية تفقد مدلولها الإنساني والحداثي.. إذ تبدَّت ترفا فكريا وذهنيا خارج دوائر الضرورة.. وراحت تدور في دوائر السبب دون الوصول إلى نتائج إيجابية.. في دائرة العلة دون المعلول.. وانه لمن المؤسف أن نرى بعض من يتصدرون العمل السياسي.. يأخذون الأسباب كنتائج في الجدل حول تطبيق الديمقراطية.. ويخلطون بين السبب والنتيجة.. أو يقدمون النتيجة على السبب.. والسبب على النتيجة.. أي يضعون العربة قبل الحصان.. ويقومون باستخدام الديمقراطية لأغراض اللعب بالولاءات!! وتتبدى أحيانا نزعة الشخصية المازوخية المسكونة بالخوف.. والتي تتفجر رعبا من الحداثة والحرية.. وتسعي للتخلص من مسئولية حمل عبء الذات الحرة.. للتذيل والخضوع لتيارات الإرهاب والتأسلم!! يقول: "بنجامين باربر": کان الديمقراطية ليست نظاما انتخابيا ودستوراً وقوانين.. بقدر ما هي جمع من النساء والرجال کالذين تدربوا في واقع الحياة كيف يعيشون أحرارا في حياة مشتركة تحت مظلة القوانين التي صاغوها هم بأنفسهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موقف التنظيمات المسلحة الموالية لإيران من التصعيد في رفح| ال


.. إسرائيل - حماس: هل ما زالت الهدنة ممكنة في غزة؟




.. احتفال في قصر الإليزيه بمناسبة مرور 60 عاما على العلاقات الف


.. بانتظار الحلم الأوروبي.. المهاجرون يعيشون -الكوابيس- في تونس




.. حقنة تخلصكم من ألم الظهر نهائيا | #برنامج_التشخيص