الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إلى مُلَثَّم !

يحيى علوان

2010 / 11 / 26
الادب والفن


إلى مُلَثّم

سيدي الملثّم ، لستُ أدري إنْ كنتَ ذكراً أم أُنثى، فـ ( xgfh42 ) لايشي بذلك ! وعليه سأتعامل
معك على أساس أنكَ ذكَرٌ ، لأن هذه الممارسة ذكورية بأمتياز ، إلا في حالات نادرة جداً !
وصلتني رسالتُكَ في ساعةٍ متأخرة من ليلِ الثاني والعشرين من هذا الشهر، والتي تُعيب عليَّ فيها "مَسبَّتي ! " للشعب والجماهير ...
وتتهكّمُ " إنْ كان ذلكَ خليقاً بماركسي ... وتتساءل ما ذنب الناس .. إلخ "
إبتداءاً ، إجدني مضطراً للقولَ بأنني لا أستزيغ (كي لا أقولَ أمقُتُ) اللِثامَ والخمارَ والنقابَ وكلَّ ما يحجب أو يمنع إمكانية التواصلِ مع الآخر دون حُجُبِ أوسواتر، تحولُ دون التعرف على المُحاوِرِ ، طالما أنَّ الغرض هو الحوار .
في اليوم التالي بعثتُ لك رسالة بالبريد الألكتروني ، على ذات العنوان الذي وصلتني رسالتكَ عبره ، فأخبرني"السيرفر" [نأسف لعدم تمكننا من إيصال الرسالة إلى العنوان المذكور ..] كرّرتُ المحاولة مرات لاحقاً ، وفي أوقات مختلفة ، فجاءني الجواب السابق نفسه .. لذلك سلكتُ هذا الطريق في الرد ، وأحسبُ أنه لن يضيرُكَ لأنكَ ستبقى متلفعاً بلثامك ! ينضافُ لذلكَ أَني كسبتُ وقتاً لأُدقِّقَ في ردّي إليكَ ، عملاً بمقولةِ " رُبَّ ضارّةٍ نافعة "!


(ملاحظة للقاريء : الأمر يتعلّق بنهاية الجزء الثاني من نص " يتيم " المنشور في مروج التمدن الأسبوعَ الفائت )
وقبلَ الدخول إلى لُبِّ الموضوع ، أستميحكَ العُذرَ وأراهنُ على صبركَ ، في أنْ أذكُرَ بعضَ المسلمات ، التي أحسب أنها معروفة لجمهور من القراء والمشتغلين في حقل الكتابة الأدبية والإبداع . منها أن النص يبقى ملك صاحبه ، ولكن عندما يُنشر ، يصبح مِلكاً للقراء والمتلقين .. كلٌّ يفسره حسب إجتهاده ، ذائقته وخلفيته الفكرية والثقافية .. وهي متفاوتة ، على كل حال . وبالتالي يغدو المُبدعُ في حِلٍّ من مسؤولية التلقّي ونتائجه وتأويلاته .. صحيحةً كانتْ ، أم قاصرةً ، أو حتى مغلوطة !
فالنص الأدبي والعمل الإبداعي بصورة أَعَم ، هو تجربة ذاتية بحت ، وليس كما حاولَ أحدهم التقليلَ من شأن الآخر بالقول "إنه يكتب قضايا ذاتية .. !"، لا يجري "إنتاجها " في المرتكزات والتجمعات العمالية والجماهيرية ..! فما علاقة لوحة عبّاد الشمس لفانغوخ ، اومزهرية وحياة ساكنة لبيكاسو بالجماهير والطبقات والثورة مثلاً ..؟!
وهو (العمل الإبداعي) إنْ شئتَ تفكيكٌ للواقع والمسلمات المترهلة ، وإعادة خلقٍ ، لإنتاج معرفةٍ جديدة بقيمةٍ جمالية أرقى ، يمكن أن تُساهمَ _ بمعيّة عوامل أُخرى _ في شحذ وعي المتلقي بقيمٍ جماليةٍ ، ونبذ كل شرّيرٍ قبيح ، وعدم " الرضوخ للأمر الواقع !"أوالتطامن معه ، والإبقاء على سلاح النقد بهدف تغيير الواقع نحو الأفضل والأرقى إنسانياً وحضارياً . في هذا الموضع أستعيرُ من ديكارت تعبير( تابولا راسا ) * أي بمعنى تحرير الذهن " ظرفيّاً " مما عَلقَ به من أحكامٍ وتصوراتٍ قَبْليَّةٍ من أجل الوصولِ إلى معرفةٍ جديدة (أبستمولوجياً) .

على أنَّ العمل الإبداعي ، يتطلّب متلقياً غيرَ كسولٍ ، يريدُ من العمل أنْ يكونَ طيِّعاً ، سهلاً ( مثل خبز باب الأغا ..حار ومكسّب ورخيص !) يفتحُ أمامه كلَّ مغاليقه .. والعمل الفني لا يولَدُ مرةً واحدة وإلى الأبد على يد صاحبه ، إنما يولدُ من جديدٍ على أيدي متلقينَ نَبِهينَ لديهم قدرٌ معقولٌ من
الوعي والثقافة والحس النقدي والجمالي ... فمهمة المبدع ليست "بطرياركية"، تصادر حق المتلقي في
إختيار مسار التلقي ونتائجه دون أن يبذلَ جهداً في إمتلاكِ "عُدَّة " لتلقٍ يؤهله للتفاعلِ مع العمل،كي ما يخرجَ بحصيلة معرفيةٍ جديدةٍ ،
أو بلحظةِ دهشةٍ ، أو تأَمُلٍ في مشهدٍ يتكرّرُ كثيراً ، دونَ أَنْ يستوقفه لمرة ...


* * *

وبعد ، فالموضع ، الذي تشيرُ إليه بأنه شتمَ " الشعبَ والجماهير " لم يكن مثلما أوحت لكَ قراءةٌ
عوراءَ مُغرضة ، لتَخلُصَ إلى نتيجة شعاراتية ، مُتزَلِّفة ! إنه يتحدثُ عن "غالبية غبية .. ودهماء "! وهذا يعني بالضرورة وجود قِلةٍَّ
من الواعين والمخلصين ، ذوي جباهٍ وأيدٍ ناصعة ونظيفة ... إلخ
ما الخللُ ذلك ؟! أما ترى لو أَنَّ هؤلاء هم الأكثرية ، لَكُنّا في غيرِ مانحنُ فيه ؟ ولا أبالغ إنْ قُلتُ سنظلُّ فيه لعقودَ قادمة !!

الواقع ، ياسيدي ، لايتغير بتَزَلُّفِه، أو بنوايا طيبة مُضمرةٍ ، من دون أن ننظر إليه ، كما هو ، ونشخص سماته من أجل العمل بمنهجية علمية وأدواتٍ مناسبة يمكن أن تُحدثَ التغييرَ المنشود حضارياً وإنسانياً ، بما يتسقُ مع ركب التقدم الحضاري والإنساني .. وليس بشعاراتٍ لاقيمةَ لها ، سوى تأبيد الترهُّلِ الذهني والمعرفي والركون بكسلٍ إلى ثرثةٍ جوفاء ، لا تنظر إلى الواقع في حراكه ومتغيراته ، بل تكتفي بـ" أننا شعبٌ عظيم ..! وهبنا الحرفَ والأبجدية للبشرية ..! " وما إلى ذلك .. صحيحٌ أنَّ أجدادنا صنعوا ذلك وغيره ، ربما كثير . ولكن أين نحنُ الآنَ من ذلكَ كلّه ؟ وبالأساس ماذا قدمنا نحن ؟ إذ [ ليس الفتى مَنْ قال كانَ أبي .. إِنَّ الفتى مَنْ قال هائنذا - على ما يقول الرصافي الكبير ]. أظنُّ أنه لا يحقُّ لنا أنْ نُفاخرَ بما قدَّمه الأسبقون ، ما لم نصل بعطائنا المعرفي والعلمي - الثقافي والإنساني على نحوٍ أشمل ، إلى مايوازي ذلك أو يقترب منه . (نحن هنا بصدد توصيف الحال وليس تحليله ، فهذا ما يتجاوز حدودَ ما نحنُ بصدده من رد ).
في السبعينات من القرن الماضي ، ورغم فاشية النظام السابق ، كادت الأمية تمّحي(في حين وصلت الآن إلى أكثر من 40%) وسجّلت منظمة الصحة العالمية العراق في عداد الدول ، التي تم فيها القضاء على أمراض الكوليرا والسل والبلهارزيا .. فأين وصلنا الآن ، بعد الاحتلال ، الذي أمّلَت الكثرة الكاثرة من السياسيين والمثقفين النهّازين ، أنه سينقلُ العراق إلى يابان أو كوريا جنوبية في المنطقة، وبذلك ساهمتْ إلى جانب عوامل أخرى معروفة ، في حرف وعي الناس وتزييفه؟!
( راجع تقارير التنمية البشرية في البلدان العربية وتقارير الأمم المتحدة بهذا الصدد ) .

وكي لا نبتعد عن موضوعنا الأساس ، كيف تأتّى بنا أن نصل إلى ما نحن فيه الآن ؟!
فمن أين جاء صدام ورهطه ، ومن اوحى له بأنه القائد الفذ والمنقذ والمفكر ... ومن أينَ جاءت تلكَ الجموع ، التي تهتف بهستيريا " بالروح بالدم " ؟ من أينَ جاء الهوَس المخبول في تحقيق أرقام قياسية
(بقي صدام في حربه الطاحنة مع إيران يراهن على إدامتها لتكون مضرب مثل في أنها إستطالت أكثر من الحرب العالمية الثانية، والذين جاؤوا من بعده يراهنون على الدخول في موسوعة غينيس ! لأنهم
أفلحوا في تجييش "العامة!"لتقطعَ مئات الكيلومترات مشياً- والبعض منهم زحفاً - ليصلوا إلى كربلاء ، في أربعينية إستشهاد الحسين ، حتى يتنطع بعض أصحابِ العمائم متفاخراً بأن عدد زوّار أربعينية الحسين فاق حجيج مكة ؟؟!!...)
هل جاءَتْ كل هذه الملايين من خلف الحدود أو من جُزرِ واق واق ..!! أليس هؤلاء عراقيون ؟ أليست هذه هي الأغلبية؟
نتائج الإنتخابات البرلمانية خير دليل على ذلك !
أما الإكتفاء بالقولُ أن القمع والقتل والحروب نوّخَت الناس و... فهذا وحده غير كافٍ أو مُقنعٍ !
إنما تجب العودة والإستعانة بعلم النفس وسوسيلوجيا الجماهير وفحص آليات "خنوع الجماهير "
ودور "النُخب " وغيرها كثير مما لا أقوى عليه ، ولا أقدرُ على الخوضِ فيه ...

أرجو أنْ أكونَ قد وفَّيت !



ــــــــــــــــــــ
* Tabula rasa
أي" الطاولة النظيفة " ، أخذ ديكارت هذا التعبير، "نحتاً" عما إستخدمه إفلاطون وأرسطو (Theätet ) أي "الطاولة المكسوة
بالشمع _ المُلَمّعة _ " بمعنى العودة بالمعرفة الإنسانية "ظرفياً ،مؤقتاً" إلى سجيّتها الأولى ، قبل أن تتلطّخَ بإنطباعات وتصوراتٍ من
المحيط الخارجي ، بهدفِ الوصولِ إلى معرفةٍ جديدة ، دون مؤثراتٍ قَبْليَّةٍ ...
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صابر الرباعي يكشف كواليس ألبومه الجديد ورؤيته لسوق الغناء ال


.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة الخميس




.. مغني الراب الأمريكي ماكليمور يساند غزة بأغنية -قاعة هند-


.. مونيا بن فغول: لماذا تراجعت الممثلة الجزائرية عن دفاعها عن ت




.. عاجل.. وفاة والدة الفنان كريم عبد العزيز وتشييع الجنازة غداً