الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكومونة والسوفييتات -3

أنور نجم الدين

2010 / 11 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


هدف الكومونة:

إن ما كان يريدونه الكومونيون هو أن يعودوا إلى حياة ما قبل القوة المركزية التي لا تعبر إلا عن تسلط البشر على البشر. لذلك فأول ما قامت به الكومونة هو التخلص من تسلسل الهرم السياسي. وأهم تجربة من تجارب التاريخية للكومونة هي أنها أثبتت أن الخطوات الكبيرة للتنظيم الجديد للمجتمع، يمكن ويجب القيام بها فورًا. ولكن الهدف هذا لا يمكن تحقيقه دون هدم مسبق لسيادة البشر على البشر، فلا يمكن ضبط الإنتاج وإخضاعه للوعي الجماعي للمجتمع ما لم يتخلص المجتمع من السيادة السياسية بصورة مسبقة.
فما دام هناك انشطار بين الإنسان ومصالحه الاجتماعية، بين العامل والبرجوازي مثلا، بين العامل والعامل -في المزاحمة-، إلخ، فإن الحركة الإنسانية بمجموعها تتحول إلى قوة غريبة -ومعادية للإنسان، بحيث يصبح من المستحيل إخضاع هذه الحركة للإشراف الجماعي، الواعي، الحر، المشترك للإنسان، دون تخلصه المسبق من سيد العمل، من السيادة، فيكف يا ترى بمستطاع الأفراد المساهمة في تنظيم المجتمع بصورة اختيارية، إذا كانت كل روابطهم تمر عبر الأفراد الخاصة، والهيئات السياسية المختلفة، والمؤسسات المختصة التي تقوم بحكمهم لا إدارة أمورهم الحياتية؟ لذلك يجب -وبالضرورة- أن يتحرر الإنسان من سيده لكي يستطيع المساهمة بحرية في العمل الإنتاجي والإداري الذي يتعلق بحياته هو نفسه وحياة كل الأفراد الاجتماعية الأخرى.

مِمَّ يجب أن يتحرر الإنسان؟

ما ينتجه الإنسان خلال سيروته التاريخية، هو شرط اغترابه الذاتي، استلابه الخاص، وهذا الاستلاب هو خضوع الإنسان لنشاطات معينة، محدودة، ضيقة، محصورة ومفروضة عليه في العمل؛ لذلك لا يمكننا الاتفاق مع الفلاسفة حين يقولون: إن الإنسان كائن حر قادر على الحفاظ على نفسه من الدوافع الطبيعية لحركة التاريخ، وهذا لسبب بسيط جدًّا لدى الفلاسفة وسبب معقد جدًّا في الحياة المادية، وهو أن الإنسان في المجتمع السياسي كائن في حالة الانسلاب، أو كائن مغترب ضائع في غابة سياسية، لا يجد شرط بقائه إلا في السباق مع الآخرين، وهو يتصرف مثل الحيوان في تأمين شرط بقائه، لأن كفاحه الفردي لأجل بقائه، يُحَوِّلُه بالضرورة إلى حيوان اجتماعي.

يقول ماركس: "الإنسان أصبح حيوانًا اجتماعيًّا بالمعنى الحرفي للكلمة، أي انه ليس حيوانًا اجتماعيًّا وحسب، بل حيوانًا لا سبيل إلى تَفْرِيده -أي تحويله إلى فرد- إلا داخل المجتمع" (ماركس، نصوص حول أشكال الإنتاج ما قبل الرأسمالية).

لكي يكون بمقدور الفرد التعبير عن نفسه -والحفاظ على وجوده بوصفه نوعًا في الطبيعة- عليه أن يعبر عن نفسه في تعبير جماعي، فالفرد يجب أن يكون تابعًا لتَجَمُّع إنساني محدد، مهما كان من الأمر، فالإنسان لا يمكنه ممارسة فرديته الحيوانية إلا في الجماعة، مع الآخرين. ولا يعني التفريد سوى انفصال الإنسان عن الإنسان نتيجة لانفصاله عن شروط إنتاجه الخاص، فهذه الشروط هي التي تسيطر على الإنسان كقوى غريبة عنه، الأمر الذي سيضطر الإنسان بموجبه إلى الانخراط في نفس الصراع الطبيعي الذي نجده في العالم الحيواني، فشرط تفريده هو فصله المسبق عن حاجياته الإنسانية، وجعله متصارعًا مع الآخرين للحصول على وسيلة العيش.
فأين نجد هذا النوع من التفريد إلا في غابة سياسية؟ ففي الجماعة السياسية فقط تتعارض مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة، وفي الجماعة السياسية فقط يخضع الإنسان للإنسان، فالسيادة إذًا هي شرط الحفاظ على التفريد، أما التفريد فهو شرط الحفاظ على العمل المنسلب -العمل المغترب-.

وهكذا، فما يجب أن يتحرر الإنسان منه فهو العمل المنسلب، أما العمل المنسلب فلا يمكن القضاء عليه دون القضاء المسبق على السيادة، فالسيادة توجد؛ لأن العمل المغترب يوجد، أي أنها غير موجودة ما لم يوجد العمل المغترب. لذلك فالهدف هو التحرر من هذا الاستلاب Alienation، فليس المقصود هو إذًا تحرير العمل، بل التحرر من العمل -العمل المغترب-.

يقول ماركس: "إن الدولة الحديثة -حكم البرجوازية- تقوم على حرية العمل .. إن حرية العمل هي حرية العمال في المزاحمة فيما بينهم .. إن العمل حر في جميع البلدان المتحضرة، فليسَ المقصودُ تحريرَ العمل، بل إلغاءَه" (ماركس، الأيديولوجية الألمانية).

وهكذا، فالهدف هو في النهاية التحرر من العالم السياسي وعلاقاته الغريبة بالإنسان بوصفه كائنًا نوعيًّا، ولم تستهدف الكومونة إلا إحلال الكائن النوعي محل الكائن السياسي من خلال نزع الإنسان من طبيعته السياسية الغريبة بالانسان نفسه.
وكيف يمكن نزع الإنسان من هذه الصفة غير الإنسانية دون القضاء المسبق على العامل الذي يجعله كائنًا سياسيًّا بصورة قسرية -الدولة- الجماعية السياسية؟ أما الدولة كيف تنهار دون خلع حكامها من وظائفهم السياسية وتحويل أعمالهم إلى وظائف اجتماعية بسيطة تستهدف في الأساس تنظيم أمور الناس اليومية لا حكمهم السياسي؟ فالكومونة لم تستهدف من القضاء على حكم البشر على البشر سوى جعل الإدارة خادمة المجتمع، فالإدارة يجب أن تكون خادمة المجتمع لا سيده، وهذا لكي تعطي الأفراد فرصة المساهمة في تطوير حياتهم الجماعية بصورة حرة. وفي هذا يتلخص هدف ثورة الكومونة.
Email: [email protected]

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza


.. كلب بوليسي يهاجم فرد شرطة بدلاً من المتظاهرين المتضامنين مع




.. اشتباكات بين الشرطة الأميركية ومتظاهرين مؤيدين للفلسطينيين ب


.. رئيسة حزب الخضر الأسترالي تتهم حزب العمال بدعم إسرائيل في ال




.. حمدين صباحي للميادين: الحرب في غزة أثبتت أن المصدر الحقيقي ل