الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرجل الخطأ- الحلقة الثامنة

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 11 / 26
الادب والفن



فاجأتْني فادية بخبر حملها بعد طول الإنتظار، فذهبنا نحن الأربعة الى أحد المطاعم للإحتفال بهذه المناسبة، ففوجئت بوجود المرأة التي كان فراس على علاقة معها قبل مدة، وكادت تودي بنا الى الطلاق. وحين عدنا الى المنزل، سمعت بمحض الصدفة حديثا لفراس على الهاتف، وعرفت أنه كان يحدّث تلك المرأة، وكان حانقا على تواجدها في ذلك المكان في نفس الوقت الذي كنا نحن فيه، فقد سبّب له ذلك احراجا شديدا. لم أبقَ للتّنصت على بقية الحديث وعدت الى غرفتي وأنا أحس برعدة باردة تجتاح جسدي، وتسارعت ضربات قلبي واشتدّت، حتى كادت ان تخترق صدري اختراقا.

كنت مصدومة! انه ما زال يكلّمها! وما زالت علاقتهما مستمرة! انه لم يتغيّر!

موجة من اليأس الداكن استولت على كل كياني، وغرقت في حزن وهم، ولم أعرف كيف أفكّر، وماذا أفعل! بعد كل ما فعلت من أجل عائلتنا... هكذا يكافئني؟! أكان يخدعني طوال هذا الوقت؟ لقد وعدني بأن يقطع علاقته بها واكّد لي انه نادم على فعله، حتى جعلني أصدّقه وأعود اليه. والآن... أكتشف أنه كان يكذب طوال هذا الوقت! لم يتغيّر فيه شيء. لقد جعلني أعيش في كذبة كبيرة طوال شهرين، حتى بدأت أؤمن بأنه تغيّر، وأن سعادتي يمكن ان تتحقق رغم كل شيء، وها انا اليوم أكتشف كم كنت غبية!

ولكن، ربما أكون على خطأ، واسيت نفسي قليلا. ربما لا يدل ذلك الحديث الذي سمعته على استمرار علاقتهما الغرامية، انما... ربما تكون علاقة من نوع آخر. من يدري! ربما ما سمعت لم يكن دليلا قاطعا، انما اشارة الى وجود شيء ما.

عالم من الأسئلة ارتسم أمامي، وبقيت الحيرة تطوّقني أياما وليال طويلة، ولم توصلني أفكاري الى شيء ما مؤكّد، انما قادتني الى المزيد من القلق والريبة والمرارة في أعماقي. وبعد مدة قصيرة، حدث الشيء الذي كنت أتوقّعه الأقل... وكان عليّ تفادي حدوثه الأكثر. كنت حاملا!

صُعقت بذلك، وخاصة بسبب الفترة العصيبة التي كنت أمر بها. لم أعرف ماذا أفعل! ولم تكن بي رغبة في إخبار أحد عن الأمر... عدا عن فادية.

"الحقيقة، لا أدري ماذا أقول لك،" قالت لي حين أخبرتها عن حملي وعن شكوكي ازاء فراس وتلك المرأة. "ولكن، ما سمعتِ لا يدل على استمرار علاقتهما الغرامية، وخاصة ان فراس كان يؤنّبها."

قلت: "ان لم يكن بينهما شيء، لِم كان فراس محرجا الى هذا الحد؟"

قالت: "بسبب ما كان بينهما في الماضي."

"عليّ التأكّد من الأمر بأي طريقة." قلت.

"كيف؟"

"لا أدري. ولكنني لا أستطيع أن أعيش على الريبة. علي وضع حد لهذا الأمر."

"أرجو أن لا تتصرّفي تصرّفا تندمين عليه طوال حياتك. فكّري بعائلتك أولا. ألا تقولين ان معاملته لك قد تغيّرت؟"

"صحيح."

"اذن... ربما... يمكنك العيش معه... حتى لو كان هناك شيء."

"تعنين... مع رجل يخونني؟"

"أحيانا لا نجد حلولا سهلة ترضينا. أحيانا نضطرّ للتنازل."

"والتضحية؟"

"من أجل العائلة."

"كم انت ساذجة! انا آسفة. ولكن هذا الكلام لا يمكن ان يقبله عقلي على الإطلاق."

قسوت عليها بالكلام، من شدة غضبي وحيرتي، وكنت عازمة على كشف حقيقة العلاقة بين زوجي وتلك المرأة، ولم أفكّر كثيرا بما سأفعله ان توصّلت الى ما خشيت منه. فبدأت أبحث عن أي شيء يدلّني على الحقيقة، في ملابسه، هواتفه، اوراقه... وحتى حقيبته. ولكنني، للأسف لم أجد شيئا.

وذات يوم، تلقّيت اتّصالا جديدا من عامر!

فوجئت به. لم يكن قد اتّصل بي منذ أكثر من شهر.

"لماذا تتصل بي مجددا؟" سألته. "هل أنت بائس الى هذا الحد؟"

لم يُجب عن سؤالي. ولكنه سأل: "وأنتِ؟"

زفرت أنفاسي، ولم أجِب انا أيضا.

فقال: "يبدو... أننا خُلقنا نحن الإثنان كي نكون بائسَين. ألا توافقينني؟"

قلت له بنبرة شجن: "أما انت، فيجب ان تهرب من بؤسك وتبحث عن سعادتك في مكان آخر."

"وماذا عنك؟"

"انا اخترت حياتي... او فُرضت عليّ، سمِّها ما شئت، ويجب أن أكمل مسيرتها."

"اذن، فأنت البائسة، وليس أنا."

"... ربما."

"صوفيا..."

قاطعته: "عامر، أرجوك أن تتركني وشأني. أتوسّل اليك أن تتركني!"

"كيف اتركك وانت في هذا الوضع؟" قال، ثم أردف بصوت أقرب الى الهمس: "صوفيا، لماذا لا تصدّقين بأنني أحبك؟ ألا ترين كم أحبك؟ وكم أعاني من حبك؟! لماذا لا تضعين حدا لمعاناتنا نحن الإثنين؟ الآن! والى الأبد!"

"عامر، الأمر ليس سهلا كما تتصوّر."

"طبعا لا. ولكنه ليس مستحيلا. وهو ما يجب ان يحصل. ثقي بي. سأجعلك تعيشين في سعادة وهناء، كما لم تعيشي من قبل، انت وليلى."

وفجأة، غامت عيناي بالدموع وأحسست بمرارة قاتلة في أعماقي. كم كانت نفسي تتوق الى ما يعدني به! كم كانت حاجتها الى ذلك ماسة!

انفجرت باكية رغما عني. بكيت بكاءً أندب فيه حالي، أتألّم لجراحي التي أثخنتني وكادت ان تهدّ كياني.

لم يقُل عامر شيئا. بل تركني أبكي ملء نفسي... حتى هدأت قليلا، وبدأت أستعيد أنفاسي.

ثم قال بنبرة واثقة: "صوفيا، تعلمين ما يجب عليك فعله!"

"ماذا؟"

"ان تتركي زوجك! وفي الحال!"

ولأول مرة منذ عودتي الى فراس أحسست أنه على حق!


يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كاتبة مبدعة متمكنة وعالمة نفس مدهشة
غيورغي فاسيلييف ( 2010 / 11 / 27 - 16:36 )
عزيزتي الغالية حوا سكاس
أنت كاتبة مبدعة متمكنة في الحوار والمونولج وعالمة نفس مدهشة عارفة بخفايا النفس الانسانية وفوق ذلك كله انت انسانة حكيمة كبيرة القلب نبيلة الأهداف وانسانة محبة.
سعيد جدا باكتشافك هنا وأتنبأ لك بمستقبل ادبي وانساني كبير
الى الأمام دوما الى الذرى الانسانية من حيث نرنو الى البعيد البعيد ونرى ما حولنا بوضوح
مع أعمق مشاعر المحبة والاحترام والتقدير


2 - عزيزي غيورغي
حوا بطواش ( 2010 / 11 / 27 - 18:32 )
لا ادري ان كنت كذلك ولكن ارجو ان تكون على حق. كل ما جاء في هذه القصة الى الآن لم يكن في تخطيطي حين قررت كتابتها بل كان عليّ خلق كل هذه الاحداث. اما نقطة انطلاقي في كتابة القصة فستأتي في الحلقة القادمة، ومن هناك حاولت ان أضع نفسي في موقف صوفيا وأحسّ بما يعتريها من احاسيس وافكار ذات التناقضات الرهيبة وكتبت ما كتبت. الكتابة شيء عجيب. نبدأ بالكتابة دون ان ندري اين ستوصلنا الفكرة التي انطلقنا منها وكيف ستبدو القصة في نهاية المطاف
تقديري واحترامي لك
دمت سالما


3 - المفروض انك فلسطينية
ماجدي ماجد ( 2010 / 11 / 29 - 13:06 )
الاخت الكريمة حوا سكاس

تفاجئت عندما قلتي بانك اسرائيليه !! شيء مدهش وفاجئتني وصدمتيني
المفروض ان تقولي انك فلسطينية من اصول شركسية تعيشين في دولة لها اسم جزافا وهو اسرائيل
ادهشني ردك

اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا