الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد الأضحى والسلوك المدني

أحمد عصيد

2010 / 11 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


من المعلوم أن أداء الشعائر الدينية يدخل ضمن السلوكات العقائدية التي هي حق مبدئي للأفراد، والتي على الدولة رعايتها وضمان الشروط الملائمة لأدائها، غير أنّ ذلك ينبغي أن يتمّ في إطار قوانين تنظيمية واضحة تسمح بأداء الشعائر دون خرق قوانين الدولة أو المساس بحق الغير، ذلك أنه لا يوجد أي استثناء في واجب احترام القانون الذي يخضع له الجميع بغض النظر عن المعتقد أو اللون أو الجنس أو الأصل.
لقد ارتبطت الكثير من الشعائر الدينية الإسلامية في أساليب ممارستها وأدائها بسياق الحياة البدوية بجزيرة العرب، كما كانت تتم في إطار نسق ثقافي وبنيات اجتماعية تفككت وانمحت بالتدريج مع تطور الحضارة وخروج الإسلام من موطنه الأصلي و بيئته العربية الصحراوية، نحو البلدان والثقافات المختلفة. غير أن المسلمين لم يبذلوا الجهد المطلوب من أجل ملائمة الدين مع شروط الحياة التي لا يمكن إيقاف تطورها.
فما يتمّ في عيد الأضحى داخل المُدن يتعارض كليا مع طبيعة الدولة العصرية ذات القوانين المنظمة للعلاقات ولتدبير المجال والفضاء العمومي والخاص، كما يتعارض مع قواعد السلوك المدني، وهو خرق يتمّ بتواطؤ بين السلطة والمواطنين بزعم أن ظروف العيد تفرض ذلك، والواقع أن هذا من مظاهر التخلف الفاضحة.
ففي عيد الأضحى تتحول كل المدن المغربية إلى فضاءات تسود فيها سلوكات بدوية مكانها الطبيعي هو العالم القروي، بينما الوسط الحضري لا يسمح بها، فتنقيل آلاف الأكباش بالسيارات الخاصة أو بسيارات النقل والشاحنات داخل المدن، واقتحام الأحياء السكنية واحتلالها من طرف قطعان الماشية وسماسرة الأسواق مع ما يترتب عن ذلك من مشاهد كارثية، وإدخال الأكباش والأبقار إلى الإقامات العصرية، وإفساح المجال لها فوق السطوح ومواقف السيارات بل وفي شرفات الشقق( !؟) بشكل يكاد معه المرء يشك في سلامة عقل المواطنين الذين يقومون بذلك، ثم الشروع في طقوس الذبح والسلخ دون احترام لأبسط مبادئ النظافة التي يتطلبها السكن اللائق بالمدن، يعدّ في الواقع مشهدا سرياليا غريبا عن السياق الحضري، و إذا كان يبدو أمرا عاديا بالنسبة لممارسيه فلأنهم ينخرطون فيه بعقلية مخالفة لما تعلموه من المدينة.
قد يهون الأمر لو كان هذا السلوك صادرا عن أناس أميين أو حديثي عهد بالهجرة القروية، المشكل أنه سلوك يصدر عن متعلمين، بل تجد من بين الذين يساهمون في "بدونة" (من البادية) الوسط الحضري أساتذة جامعيون ومسؤولون بالإدارة العمومية ومهندسون وأطباء و منهم من درس في البعثات الثقافية الأجنبية، وهم مواطنون يحرصون على العموم في حياتهم على اتباع نمط عيش فيه من رقة الذوق وتهذيب السلوك ما يتلاءم مع طبيعة الوسط الذي يعيشون فيه.
إنه واقع يؤشر إلى وجود خلل ما في القيم والسلوك العام، يتمثل في عدم استيعاب قيم المدنية من طرف الذين ولدوا وعاشوا في الوسط الحضري وتلقوا تكوينا تربويا من مؤسسات التعليم العصري. يعني هذا أن بنية التفكير والوعي والسلوك ظلت مفارقة للتكوين المدرسي الذي لا يبدو أن له أي مفعول يذكر في الشخصية، حيث يلتقي الأميّ والمتعلم عند نفس السلوكات وأنماط الوعي دون وجود فارق يذكر.
من جهة أخرى يبدو أن ما يجري خلال عيد الأضحى يتمّ بتبريرات دينية، مما يجعلنا نطرح السؤال هل يمكن تبرير كل هذه الفوضى التي تحول المدن إلى قرى تبريرا دينيا، أم أنّ الأجدى هو إقامة شعيرة دينية وفق متطلبات الوقت و ضوابط الحياة العصرية.
إن إخضاع الحياة العامة لاعتبارات دينية هو من خصائص الدولة الدينية القديمة، و التي لم تعد قائمة ومن المستحيل العودة إليها، مما يستوجب التفكير في أشكال ملاءمة الشعائر الدينية مع متطلبات الحياة المعاصرة، و ليس جرّ الحياة المعاصرة إلى نماذج التديّن القديمة التي كانت متطابقة مع الحياة البدوية في العصور الغابرة.
من هنا ينبغي التفكير بجدية في موضوع حماية الفضاء المدني من مظاهر الترييف والبدونة، ووضع قوانين تنظيمية تقنن أداء شعيرة عيد الأضحى، بإلزام المواطنين بالذبح في الأماكن المرخص بها قانونيا و المنعزلة عن أحياء السكن والحدائق والإدارات، حيث تتوفر الرعاية الطبية المطلوبة كما يتم في الدول المتقدمة، واعتبار أي ذبح للبهائم خارج ذلك الإطار خرقا للقانون يعاقب عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مدينة/رقي بادية /تخلف!!!!!!
AMNAY AMAZIGH ( 2010 / 11 / 27 - 10:56 )
تربط بين القرية او البادية وبين التخلف والتردي وبين المدينة والتحضر والتمدن وغيره من القيم الايجابية. والحال ان هدا الامر لا يستقيم في نظري على الاقل في الحالة المغربية دلك ان المدينة المغربية لا تعني بالنسبة لي وبالنسبة للكثيرين اكثر من تجمعات سكانية كبيرة مع ماء او كهرباء وغيرها من المرافق. فقيم الرقي والتمدن وكل ما ربطته بالمدينة بالامكان تلمسها وبشكل واضح في العديد من القرى والبوادي النائية على طول البلاد المغربية . وعلى العكس من دلك لن تجد لها اثرا في تلك التجمعات الكبيرة الغارقة في الفوضى والمثخنة بكل الافات والتي تسمى عندنا تجاوزا ب المدينة. فالربط التعسفي للقيم الايجابية بالمدينة ولنقيظها اي كل ما هو سلبي ومتخلف بالبادية يوازيه تقسيم الجهات الرسمية المخزنية لبلادنا الى مغرب نافع ومغرب غير نافع مع ما يستتبع دلك من سياسات تمييزية واضحة بين المغربين الشيء الدي انا واثق من انك تعارضه.


2 - اي عيد هذا
الحسن الرحيم ( 2010 / 11 / 27 - 21:54 )
للاسف الشديد فما زال المسلم يعتقد انه بذبحه للخروف فانه قد تقرب الى الله وفعل ما يدخل السرور الى قلبه مصدقا رؤيا ابراهيم
ولا يتم العيد الابالذبح العلني بحضورالاطفال ليتربوا عاى هذه العادة التي اصبحت ركنا سادسا من اركان الاسلام
شخصيا لا اشعر باية سعادة في هذا اليوم ولا احس به كعيد بل هو يوم نجدد فيها العهد على اننا ما زلنا نعيش المجتمع الزراعي البائد
ما احوجنا الى ان نتعلم من الاخر كيف يكون العيد
اعيادنا خالية من كل لذة وفرجة يتصارع الناس فيه قبل العيد من اجل شراء كل شيء وكان حربا ستقع ويكون يوم العيد كما لوأن صاعقة نزلت من السماء
الازقة و الشوارع خلاء يخيل للأجنبي كما لو حدث لهؤلاء مكروه
تختزل الفرحة في الأكل ثم الاكل ثم الاكل غريب لهذه الامة

اخر الافلام

.. إيران تشهد انتخابات رئاسية يوم الجمعة 28 يونيو والمرشحون يتق


.. الاعتداء على داعمين لفلسطين اعتصموا بمركز تجاري بالسويد




.. تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي: 96% من سكان غزة يواجهون مست


.. مصادر العربية: إطلاق النار في محج قلعة أثناء القبض على من سا




.. -إيرباص- تُعاني بسبب الإمداد.. والرئيس التنفيذي للشركة يتوقع