الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تقرير نبيل عبدالفتاح.. أفضل رد علي تقرير هيلاري كلينتون

سعد هجرس

2010 / 11 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


الشد والجذب هما واقع حال العلاقات بين الحكومة المصرية والإدارة الامريكية هذه الايام، وهي العلاقات التي شهدت شهر عسل طويلا بدأ في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان يفاخر بصداقته لـ »هنري كيسنجر« ودأب المسئولون المصريون منذ ذلك الحين علي وصف الولايات المتحدة الامريكية بأنها »حليف استراتيجي« لمصر، وفي ظل هذا »الغزل« المتصاعد لـ »ماما أمريكا« كان أمثالنا من الذين يطالبون بـ »وقفة موضوعية مع الصديق الأمريكي« والتروي في »وضع 99% من أوراقنا في يد أمريكا« يتعرضون لهجوم مفزع من فصائل »المارينز« المصريين.
الان.. تغير المشهد تماما بزاوية 180 درجة، وعندما تفتح الصحف تطالعك تصريحات نارية مناهضة للادارة الامريكية علي لسان نفس اولئك الذين كانوا يكيلون لها المديح ويسبحون بحمدها بالامس القريب!
اما اسباب هذا التحول الدراماتيكي فهي متعددة، لكنها تركزت خلال الايام الاخيرة في قضيتين اساسيتين: الاولي هي الموقف الامريكي من انتخابات مجلس الشعب التي ستجري في مصر يوم الاحد المقبل، والثانية هي تقرير الحالة الدينية الذي تصدره الخارجية الامريكية سنويا، وجاء تقرير هذا العام متضمنا انتقادات حادة للاوضاع في مصر بهذا الصدد، وهي الانتقادات التي ردت عليها وزارة الخارجية المصرية بانتقادات مضادة للتقرير الامريكي الذي اعتبرته وزارة الخارجية المصرية »صادرا عن جهة لا حق لها في اجراء تقييم لهذا الموضوع« وانه »مرفوض من حيث المبدأ«. وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية، السفير حسام زكي، ان مصر معنية فقط بما يصدر عن الجهات والاجهزة التابعة للامم المتحدة في هذا المجال، ومن هذا المنطلق قال حسام زكي: ان مصر تؤكد رفضها قيام اي دولة بتنصيب نفسها »وصيا« علي اداء دول مستقلة ذات سيادة من دون مرجعية او سند.
ولو ان هذا الموقف الذي تردد علي لسان اكثر من مسئول مصري كان موقفا »ثابتا« ازاء مثل هذه »التدخلات« الامريكية في الشئون الداخلية لمصر، وغيرها من البلدان ذات السيادة، لما كان هناك معني للدهشة. لكن المشكلة مع ردود الافعال المصرية المشار اليها انها تأتي بعد ادمان تبني خطاب »الغزل« في كل ما هو امريكي، والتفاخر بشهادات »حسن السير والسلوك« التي تضمنتها كثير من التقارير الامريكية في السابق. وهو ما وصفه زميلنا عبداللطيف المناوي رئيس قطاع الاخبار بالتليفزيون المصري بـ »الشيزوفرينيا في التعامل مع امريكا« مفصلا ذلك بقوله »أظن ان احد اهم ظواهر تلك الحالة من الشيزوفرينيا التي نعانيها وعلينا ان نعترف بها اولا، والخطوة الثانية هي انه ينبغي ان نتوقف حكومة ومعارضة، شعبا واعلاما- خاصا وقوميا- عن انتظار او تصيد اي شهادة خارجية تتوافق مع توجهاتنا ونضعها في صدر الصورة. هذا شعب وهذا وطن لا ينتظر شهادة من احد، ليس تكبرا وليس رفضا للحوار او التعامل مع الاخر. ولكن ينبغي ان نبدأ في بناء حالة حقيقية من الثقة في هذا الشعب وهذا الوطن فلا ننتظر صكوكا بحسن السير والسلوك من اي من كان، حتي لو كان أقوي دولة في العالم..«.
ونضيف الي ما قاله عبداللطيف المناوي- الذي يحتل مكانة بارزة في الاعلام الرسمي- ان افضل وسيلة لقطع الطريق علي الادارة الامريكية- وغيرها من الجهات التي تتلمظ للتنطع علي الشئون الداخلية المصرية- هو نزع الذرائع التي تسهل لها ذلك.
وعلي سبيل المثال، فان اهم تفنيد لاي اتهامات، او انتقادات، لمصر فيما يتعلق بملف الحريات الدينية، يأتي بضمان هذه الحريات علي ارض الكنانة، ليس ارضاء لامريكا او غيرها من الاطراف الخارجية، وانما لان هذا هو ما يستحقه شعب مصر وحق جميع ابنائه علي اختلاف انتماءاتهم الدينية.
وضمان هذه الحريات لا يتأتي بالتشدق بها، وانما بممارستها علي ارض الواقع وازالة الاشواك والاعشاب السامة التي تعترض سبيلها. وهذا يعني اولا الاعتراف بوجود مشاكل وعقبات ثم البحث عن توافق وطني حول افضل السبل لتذليل هذه العقبات.
وهناك بالفعل مشكلات بهذا الصدد، وليس معني ان التقرير الامريكي قد رصدها ان نتجاهلها. صحيح ان التناول الامريكي لهذه العقبات وتلك المشكلات يمكن ان يكون كلام حق يراد به باطل، لكن ذلك لا يجب ان يدفعنا الي الاكتفاء بالحديث عن سوء النوايا الامريكية وانما يجب ان يكون حافزا اضافيا لقيامنا بواجباتنا »المنزلية«.
وعلي سبيل المثال فانني اسلم، وابصم بالعشرة، علي ان الادارة الامريكية تحاول من مهاجمة السياسة المصرية في واحدة من نقاط ضعفها- مثل الحالة الدينية في مصر- ليس حبا في سواد عيون الحرية الدينية وانما لحرف الانظار عن تواطؤ السياسة الامريكية مع السياسة الاسرائيلية الاستيطانية، واخفاقها في التقدم بملف الصراع العربي- الاسرائيلي ولو خطوة واحدة الي الامام.
لكن ذلك لا يعني ان نضع رءوسنا في الرمال وان ننكر ان هناك مشكلة حقيقية نعاني منها فيما يتعلق بالحريات الدينية، وان هذه المشكلة يجب ان نجد لها حلا.. اليوم قبل الغد.
خذ علي سبيل المثال احد الابعاد المهمة لهذه القضية المتمثل في حرية المعتقد.
الكلام المعسول بهذا الصدد كثيرا جدا، لكن يبقي واقع الحال أن حرية المعتقد منقوصة. وهناك شواهد كثيرة علي ذلك منها القيود التي مازالت مفروضة علي بناء الكنائس، وهي قيود يعود تاريخها الي ما يسمي بـ »الخط الهمايوني« والاحتلال العثماني لمصر!
ومنها التمييز في شغل الوظائف العمومية، وبالذات العليا منها!
ومنها انتزاع الاطفال من احضان امهاتهن المسيحيات لمجرد اشهار ازواجهن اسلامهم.
ومنها التلكؤ في تحريك آلاف الدعاوي القضائية المتعلقة بأشخاص مسيحيين اشهروا اسلامهم، ثم عدلوا عن ذلك وعادوا الي اعتناق المسيحية، فتم اعتبارهم »مرتدين«، بكل ما يترتب علي ذلك من تعقيدات وتداعيات.
ومنها التمييز ضد اصحاب معتقدات توصف بأنها »غير سماوية«، مثل البهائية.
ومنها الموقف ضد فرق اسلامية، مثل الشيعة.
ومنها التناقض بين المادة الخامسة وبين المادة الثانية من الدستور.
ومنها المناهج الدراسية المتخلفة التي تحتوي علي افكار مناهضة لمبدأ المواطنة.
ومنها التناول الاعلامي الذي لا يخلو من مظاهر شتي للتحريض علي بث ثقافة الكراهية الطائفية.
>>
كل هذه.. وغيرها.. مظاهر واقعية لمشاكل حقيقية يجب الاعتراف بها، والعمل الجدي لمعالجتها.
وهذا يتطلب ما هو اكثر من القرارات البيروقراطية، فهو يتطلب ارادة سياسية، ورؤية متكاملة لجميع الابعاد الفكرية والثقافية والتشريعية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المشاكل المزمنة، خاصة في ظل تصاعد المد الاصولي، الاسلامي وغير الاسلامي، في مصر ودول المنطقة، بل في كثير من انحاء العالم في ظل العولمة، فلا يجب النظر الي الحالة الدينية في مصر دون النظر الي مستجدات الظاهرة الدينية المسيحية محليا وصعود »الاصولية اليهودية« وغيرها من الاصوليات في المنطقة والعالم.
علما بان الإمساك الجدي بزمام هذا الملف يعني انتهاج البحث العلمي والايمان بالعلم اولا واخيرا، وليس الفهلوة والكلام الانشائي الذي لا يقدم وانما يؤخر فقط.
واذا كنا غاضبين من تقرير الحالة الدينية الذي تصدره وزارة الخارجية الامريكية، ومن حقنا ان نغضب بالفعل، فلماذا لا تعود الروح الي تقارير »وطنية« جادة، مثل تقرير الحالة الدينية الذي كان يصدره الزميل الباحث والكاتب المحترم نبيل عبدالفتاح تحت مظلة مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالاهرام؟!

وللحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صراعا من أجل البقاء
سامي المصري ( 2010 / 11 / 28 - 12:05 )
أولا أشكر الكاتب المحترم على ما قاله من رأي مستنير ولكن لي بعض التعليقات:؛
المشهد المصري لم يتغير بزاوية 180 درجة أبدا فمصر هي العميل المنفذ للسياسة الأمريكية في الداخل والخارج منذ أن أقتحم عالمنا الرئيس الوهابي المؤمن وحتى هذه اللحظة. أمريكا بتزغزغ النظام المصري العميل من حين لآخر وهي ممسكة بكل خيوط العروسة حتى تستثير حميته للخضوع أكثر لسلطانه. من هذه الخيوط لعبة الأقباط والأقليات الدينية، وكلنا نعلم بما في ذلك السيد وزير الخارجية أن أمريكا غير جادة في المضي خطوة واحدة في بذل أي جهد للدفاع عن الأقليات. أما القضية الثانية فهي خطيرة ومؤثرة حيث تِجِّد أمريكا في دعم الإخوان المسلمين الذين تعتبرهم البديل الرئيسي المُعد المُجهز المُدرب لكي يرث الحكم في مصر. فالمنافس الوحيد للنظام المصري في إرضاء الست أمريكا هم الإخوان المسلمين، فالأمر ليس اختلافا مع أمريكا لكنه صراعا من أجل البقاء. لذلك فمسألة الانتخابات مسألة حيوية للنظام؛

اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا